الأمة الإسلامية.. وحدود
الدولة
عز الدين محمد
من أخطر الأوهام التي يتم تسويقها على كثير من الشباب هو أن الإسلام لا
يعرف الحدود المصطنعة، وأنه يجب أن لا تقف عندها ولا نعترف بها، ولا نلتزم بالتالي
بما يترتب عليها من استقلالية الدولة ونفوذ قوانينها.
وواقعا فإن معظم وربما كل أحزاب الإسلام السياسي تتبنى هذا الرأي، وتدعو
إليه. وهو رأي غير صحيح لا شرعا ولا واقعا. أما من الناحية الشرعية، فمن ناحيتين:
أولا: الحدود تحددها اتفاقيات ومعاهدات، والالتزام بها هو التزام شرعي عملا
بقوله تعالى: ( يا ايها الذين آمنوا أوفوا بالعقود).
ثانيا: لا يوجد اي دليل على ان الأمة الإسلامية لا يجوز أن تكون ضمن دول مستقلة
عن بعضها الا الارتكاز الفقهي المبني على النظرة القديمة التي لا تختلف عن الوهم
المقدس عند بعض المتدينين من وجوب اقامة دولة الخلافة!!
الحدود للدولة مثل السياج للبيت، وكما انه لا يجب عليك ان تهدم سياج بيتك
لثبت انك مسلم فكذلك لا يجب عليك ان تفتح حدودك لتثبت ذلك. وكما ان سياج البيت
يحمي حياتك وأطفالك وعرضك ومالك، فكذلك تفعل الحدود التي تحمي مصالح الدول وشعوبها.
وأنت ترى الدول الأخرى بما فيها التي تعلن أنها تطبق الإسلام أو تمثل
المشروع الإسلامي لا تسمح لأحد بدخول أراضيها وتجاوز حدودها، وتعتبر ذلك جريمة
تحاسب عليه.
إنّ الحدود رغم هي حقيقة قانونيّة وسياسية، كما إنها تمثّل حاجزا واقعيّا
بين وضعين سياسيين مختلفين، وأيضا اقتصاديين مختلفين، واجتماعيين مختلفين. كما إن
رفع الحدود بين دولتين ليس أمرا مستحيلا، إلا أنّه لا يمكن أن ينجح إلا إذا كان
هناك ما يتجاوز الرؤية الفكرية أو الإرادة السياسية بأن يكون هناك تقارب في الوضع
الاقتصادي حتى لا ينتج مشاكل اقتصادية كبيرة، وتوافق اجتماعي بدرجة ما لكي لا تحدث
مشاكل بسبب اختلاف شعبي البلدين في المزاج والتقاليد بشكل حادّ. وإذا لم يكن هناك
تقارب فلا يمكن أن ينجح أي مشروع لرفع الحدود بين بلدين، بأي شكل كان. هذا على
مستوى دولتين، أما إذا كان على مستوى عدد كبير من الدول يتجاوز الخمسين دولة،
فيمكن أن تتصوّر صعوبة وأيضا سذاجة هذا الطرح.
( ملاحظة: من كتاب "في نقد الاسلام السياسي:)
0 تعليقات