كل الذين أحبهم رحلوا
هادي جلو مرعي
ينظر الى السماء، وقد
لاحظ إنه كان غافلا عن أنه كان يقوم بهذا طوال السنوات التي مرت، ولكنه لم يلتفت،
غير أن السبب في ذلك يعود لتغيرات حصلت في حياته مهمة، فقد تعود، ومنذ أن تجاوز
الخمسين أن يتذكر العديد من أصدقائه الذين يتساقطون واحدا تلو آخر، وعاد ليتذكر إن
النظر الى السماء يعني فيما يعني أن هناك فكرة تراوده عن الرحيل، أو اليأس، أو
التمني، أو إنه يريد تكرار صورة أسراب من الطيور المهاجرة التي تمر من فوق رأسه الى
بلد بعيد هربا من الشتاء، أو بحثا عن ملجأ في مكان قصي من الأرض، وماكان يشغله أن
كل ذلك هو منظر تلك الطيور حين يسقط منها واحد، فلاتلتفت إليه، ويتهاوى الى الأرض،
بينما تواصل هي رحلتها. فالرسالة المهمة من الرب هي، إن عليكم أن تواصلوا مسيرة
الحياة، والذين يتساقطون فعليكم بمواراتهم الثرى، وقوموا بمهمتهم بدلا منهم، فقد
إنتهت مدتهم في الحياة، وعليكم أن تكملوا المدة شئتم، أم أبيتم.
يتساءل في سره عن
الجدوى من بقائه في الحياة، ولكنه ينسى أن ذلك أمر خارج عن الإرادة، فماهو آت آت
وإن طالت المدة، والشاعر يقول:
كل إبن أنثى وإن طالت
سلامته
لابد يوما على آلة
حدباء محمول
تسيطر عليه نوبات من
الكآبة، وهو ليس بجائع، ولايفتقد الى المال، ولا الى السكن، ولديه فرص عديدة
للحصول على المزيد من المكاسب والصداقات، مشكلته إنه يفكر، ويقرأ ويفهم حركة
الحياة، ويدرك إن لكل شيء نهاية، ولكن على العكس مماهو مطلوب منه. فبدلا من أن
يعترف بضرورة الاستمرار في الحياة كما هي طالما أنه يدرك النهاية يتحول الى شخص
مهزوم منكسر ومحطم، ولايلتفت الى عبارات من يصفهم بالسذج الذين يقولون له دائما:
يا أخي عش حياتك،
وإنس كل ماحولك فأنت لن تستطيع تغيير العالم، وعليك أن تنشغل بنفسك، وماتستحق في
الحياة من عيش وترف، ثم دع الخلق للخالق، وللأمور مدبر. فلاتنشغل بما هو ليس من
شأنك. كل وإشرب، ومارس الحياة بتفاصيلها، وتأنق، ودع ماسوى ذلك، وأما الحزن فهو
طاريء لاتدعه يحكم عليك بالسجن المؤبد في زنازينه المظلمة.
برغم ذلك مايزال يعيش
الحزن، ويبدو أنه سيغادر الحياة وهو حزين.
0 تعليقات