تركيا ومصر
وعقد النقص التاريخية
د.أحمد دبيان
فى تاريخ مواجهاتها مع مصر لم تنتصر تركيا إلا
بخيانة داخلية ، أو باستثارة مطامح الدول الأوروبية ، لكبح جموح تمدد مصر .
مع قنصوه الغورى
وطومان باى كانت خيانة خاير بك ، والذى أطلق
المصريون عليه خاين بك .
مع على بك الكبير ،
كانت خيانة زوج ابنته محمد بك أبو الذهب .
ومع محمد على باشا
وإبراهيم باشا كبحت جماح القوة المصرية التى هزمتها فى نصيبين ، بتحريك مطامح
الدول الأوروبية التى ما فتئت تؤجل تركة الرجل المريض .
مع وجود الزعيم جمال عبد الناصر أيد عدنان مندريس
عدوان إنجلترا وفرنسا وإسرائيل عام ١٩٥٦ وكانت
تركيا احد عناصر الحلف الإسلامي وحلف بغداد الداعم لإسرائيل فى ١٩٦٧ مع شاه إيران .
تركيا ومنذ استطاع سليم العابس فى سقطة تاريخية
من المماليك ، حين غرقوا فى اسار المذهبية ولم يدعموا الدولة الصفوية فى صراع
القوى التى لها مقومات التمدد ، لم تتوقف عن اعتبار مصر
منافس،تقليدى فى ترسيخ للعلاقة الأزلية التى تحكم ثوابت الأمن القومى
المصرى ،
قوة رعوية طامعة
طامحة ، ووادى هو بميراث الموقع والدور ،
ومكامن القوة ، يعرض نفسه للاجتياح حين يختار بسقطات وعيه ان ينكمش ويقلص
تمدده عمداً او سهواً .
لم يستمر التفوق
التركى ورغم التجريف الرعوى الذى قاموا به حين استلبوا العلماء والصناع والحرفيين المصريين كثيراً ،
ولم تأتى نهاية القرن
السابع عشر الا والخلافة المزعومة يتم الحديث عنها بلفظ دبلوماسى تعبيراً عن ميراث إمبراطوري لم يتم الفصل فيه
بعد
( رجل أوروبا
المريض )
قامت فى مصر وبدعم من الامبراطورية الروسية
التى تحلم بالنفاذ للمياة الدافئة ( حركة على بك الكبير )
والتى أجهضت بخيانة
مملوكه محمد بك ابو الذهب .
بعد الحملة الفرنسية
والتى بلورت عبقرية موقع مصر كمحور ارتكاز للطريق نحو الهند وطريق الحرير القديم ،
وبعد خروجها بحملة قوامها الفعلى القوة الانجليزية
المنافسة .
دعمت فرنسا الباشا
محمد على كرد قوة تدرك أهمية وعبقرية الموقع المصرى .
وقد فهم الباشا تفرد البلد الذى جاء حكمه اليه طوعاً ،
وأدرك ان التمدد الذى حاوله على بك الكبير لن ينجح الا ببناء جيش وأسطول قوى ، وان
اهم تأمين لهذه الامبراطورية لن يتأتى الا بوقف القوى الرعوية التى ما فتئت تُجهض
اى محاولة لتمدد الوادى .
كانت اول الخطى تأمين
الجنوب باحتلال السودان ، ثم تأمين الجنوب الشرقى باحتلال ميناء المخاء ( اليمن ) المطل على مضيق باب المندب ، ثم تأمين الشرق ذاته بتقويض الدولة السعودية الاولى واجتياح الدرعية
، ثم تأمين القوس الشرقى بحملة ابراهيم باشا على الشام .
اقلق هذا التمدد
الدول الاستعمارية الطامحة لتقسيم تركة الرجل المريض .
وقد حاول القائد
ابراهيم بمفهوم حرب برق خاطفة مبكرة التمدد والوصول الى القسطنطينية ولكن تكالب
الدول الاستعمارية وطمع محمد على بتأمين مكتسبات غنائمه فى مصر والسودان أوقف هذا
التمدد الحيوى لدولة حيوية لا يستقيم
تأثيرها ، الا بالإدراك ان تمددها جوهرى لوجودها ذاته .
احتاج الامر اكثر من
مائة عام حتى اتى مصرى وطنى ادرك مفتاح
شخصية مصر ومكامن قوتها والذى أدركه تحتمس الثالث
مبكراً ، هو التمدد وتأمين محاور أمنها القومى لحمايتها من غزو الرعاة .
ادرك الأتراك مبكراً
ان فى وجود هذا الثائر القادم من النيل اكبر مهدد لدورهم والذى تقزم كثيراً
وارتضوا به ان يكونوا مجرد خنجر ومعبر فى خاصرة الاتحاد السوفيتى لحلف الاطلسى .
( كانت احد شروط سحب
الصواريخ الكوبية هو سحب صواريخ الاطلسى من تركيا )
دعم الأتراك ( عدنان
مندريس أول رئيس وزراء تركى متأسلم ) وأيدوا العدوان الثلاثى على مصر .
كانت تركيا احد أركان
حلف بغداد والحلف الإسلامى .
وكانت محاوره المملكة
وإيران الشاه وتركيا .
آمن الثائر القادم من
النيل والمدرك جيداً ان لتأمين تحرر بلد قضى اكثر من ألفى عام محكوم بالأجانب
، يجب التمدد بالمحاور الثابتة للامن
القومى المصرى .
فكان دعمه لحركات
التحرر الوطنى وتبنى القومية العربية كدائرة من دوائر الأمن القومى المصرى واحدة
من نهجه للوصول لهذا التأمين .
كان لدعمه للثورة
اليمنية تأميناً لمضيق باب المندب ، وتهديداً مباشراً للقاعدة البريطانية فى عدن
والتى تم طردها فى أكتوبر ١٩٦٧ .
وكان لدعمه للثورة
الليبية عام ١٩٦٩ تأميناً للغرب ، وتقويضاً للقاعدة الامريكية الموجودة منذ الحرب
العالمية الثانية فى هويلس .
وكان لدعمه لحركة
النميرى فى السودان تأمينا للجنوب .
كان للسقطة التاريخية التى انكمشت مصر بمقتضاها منذ
نوفمبر ١٩٧٣ وتحولها لقوة تابعة مرتزقة
تؤمن مصالح الرجعية والغرب اهم العوامل فى تقزمها ، وإغراقها فى عوامل التمزق
الداخلي ما هدد وجودها ذاته منذ ٢٠١١ ، وحلم القوة الرعوية بإعادة الغزو تحت وهم الخلافة الذى يداعب اوهام الزومبى
الدينى الذى عاش يقتات على اوهام مجد
خلافة هى بالأساس محض تمدد رعوى استلابى استعمارى .
فى المواجهة البحرية
الاخيرة انضم أسطول تركيا باكمله للأسطول المصرى وكانت العاصمة مفتوحة لدخول الجيش
المصرى لولا تدخل الدول الاوروبية دعما للأغا التركى المريض.
0 تعليقات