آخر الأخبار

أول الرغيف.. آخر الفقد





أول الرغيف.. آخر الفقد

محمد البرغوثى

هاأنتِ تعودينْ.

تعودينَ إلى المكان الذى انتظرتُكِ فيه

غافلًا عن كل مايشغلُ البالَ عنكِ

تعودينَ إلى المكان الذى استهلكتُ فيه

كلَ ذخيرتى من المغفرة.

تعودينَ بعد غيبةٍ غادرة

ترتدينَ وجها مريمياً

وتنفرجُ عيناكِ عن روح تهوى الفراشاتِ

وتقتفى أثرَ الثوراتِ المهانة

والشهداءِالذين خبأوا وصاياهم الأخيرةَ

فى خوذة القاتلِ

هاأنتِ تعودينَ من آخرِ الفقدِ

إلى أولِ الرغيف الذى اقتسمناه

قبل العناقِ الأخير.

هاأنتِ تعودينَ إلى المكان الذى لم أعد فيهِ

المكانِ الذى غادرنى بعد ألفِ انتظارٍ

وبعد دهورٍ من احتمالِ النظرات المريبة فى عيون العابرين.

هاأنتِ تعودينَ

إلى حيث لم يبقَ منَّا

غيرُ أعقابِ أيامٍ مطفئةٍ فى منفضةِ الزمن

غيرُ ذكرياتٍ مخجلةٍ وشرفٍ مُدَنَّس

مثل قمامة البيوتِ السعيدة.

أرجوكِ .. لاتطيلى الانتظارَ فى مكانٍ لم أعدْ فيهِ

عودى إلى حيثُ كنتِ

عودى مثلَ أنثى طائرٍ تفتقرُ إلى الأمومةِ

لاتُحلِّقِى فوق رأسى..

لاتشتهينى

فأنا الآنَ لاأُشبهُ نفسى.

أنا رمادٌ متخلفٌ عن حرائق الصبوات

وحلُ شوارع َمبقورةِ الأحشاء

أنبوبةُ نفطٍ تلعق الفئرانُ جدرانَها اللزجة

أنا وقت تدلى من سماء الله

وتجلَّى فى ضمير ملوَّث.

وأنتِ - كما أنتِ - شهادةُ الزورِ فى كل القضايا.

اتركينى .. وحيداً كما كنتُ

وحيدًا  كما سأكون

خالياً من المعنى

فارغاً من العالم الذى ينتظرنى خارج البيتِ..

خارجَ الحلمِ

مثلَ قاتلٍ أجير.


القاهرة: 8 يناير 2020

إرسال تعليق

0 تعليقات