عبدالرحمن الذاري: الزاهـــد
.. الأميـــن
[ 1939 - 2020م ]
بقلم/ زيد بن علي الشامي
كالنجم سطوعاً، والذهب لمعاناً، والماء نقاءً؛
من القلائل الذين ينظرون إلى الدنيا من عَلٍ ، عاش متخففاً من أثقالها، فما كانت
يوماً أكبر همه، ولا مبلغ علمه، ولا غاية
رغبته...
عبدالرحمن بن محمد بن علي بن أحمد الذاري
العالم الرباني، والداعية المعلم، والحافظ المؤتمن، رمز الزهد والورع، ومثال
القناعة والتواضع، محبٌ لفعل الخير، غيورٌ على الدين، يعيش آمال وآلام أمة
الإسلام، لطيف، ظريفٌ خدومٌ للناس، سهلٌ..ليِّنٌ..قريب الدمعة، دائم البشاشة
والبِشْـر، حلو المعشر، لا يُمَـلُّ حديثه؛ الجلوس معه فائدة ومتعة، والاستماع
إليه راحة للنفوس ودواء لأوجاع القلوب، والصلاة خلفه موعظة وسكينة وخشوع.
رجُــــلٌ..والرِّجــــالُ
قليل
فجميع
ما أحكيه عنك قليلُ!!
من وجهاء محافظة تعز وعلمائها، وخطيب في
أشهر مساجدها؛ جامع الرضوان وجامع العرضي وجامع المظفر... وكانت له دروس مسجدية في
القرآن والتفسير، والفقه والحديث والسيرة، كثير القراءة، منفتح على كل المذاهب،
بعـيد عن التعصب، وقد داوم في مسجد عباس على تدريس كتاب فقه السنة لسيد سابق رحمه
الله لأسلوبه السهل، وشرحه لأراء مختلف المذاهب الفقهية.
ولد في قرية الذاري بمديرية الرضمة محافظة
إب عام 1939م، من أسرة عرفت بالعلم والزهد والتقىٰ، نشأ على الفضيلة والصلاح،
وتربىٰ على الخشونة والجلَد، وهناك تعلم القرآن وأسس التعليم، ولما استقام عوده،
وسيراً على الأقدام يَمَّـمَ وجهه صوب صنعاء ليواصل تعليمه، وسكنَ في مسجد الفليحي
في غُريْفَة يسمّونها (مَنْزِلة)، وكان الطالب ينتظر ما ترسل له والدته من الكعك
بين الحين والآخر مع المسافرين، ويعيش على ما يقدمه أهل بيوت صنعاء الكرام من
الطعام للمهاجرين( وهو مسمىً لطلاب العلم القادمين من الأرياف)،. كانت الظروف صعبة
ولكن غالَبَتْها هِـمَمٌ عالية، ونفوسٌ اشْـرَأَبَّتْ للعلم، فاليوم الدراسي يبدأ
قبل الفجر ويتنقل الطالب من شيخ إلى آخر، ومن مسجد لآخر؛ فيدرس القرآن عند هذا
والتفسير عند آخر والفقه هنا والنحو والصرف هناك، والمعاني والبيان( البلاغة) عند
أربابها)، وكل طالب ينال من المعرفة بحسب جِـدِّه واجتهاده، وقد كان الوالد
عبدالرحمن الذاري أحد الطلاب المجتهدين الذين استفادوا من تفرغهم للدراسة وقربهم
من العلماء، وتكونت لديه حصيلة كبيرة من العلوم الشرعية، إضافة إلى الشعر والأدب
والبلاغة والقصص والطرائف والأمثال والحكم...
انتقل بعدها إلى تعز وعمل مع عمه أحمد بن علي
الذاري - عامل الأوقاف - وكان عالماً زاهداً ورعاً وكريماً، ومنه اقتبس تلك
الصفات، وقد تزوج ابنته، وبعد وفاة عمه تحمل مسؤولية الأسرة، وفي بيت عمه المتواضع
في الجحملية عاش حياته، ولم يغادرها إلا قبل وفاته بخمس سنوات بسبب الحرب.
عمل الوالد عبد الرحمن الذاري في عدة مواقع
بمكتب الأوقاف آخرها نائب مدير عام الأوقاف بتعز، وأسند إليه حفظ مستندات أوقاف
المحافظة، إضافة إلى تكليفه بالمحاماة والترافع في النيابات والمحاكم ضد المعتدين
والناهبين لأموال الأوقاف وعقاراتها وأراضيها، فقام بذلك خير قيام، وأصبح مرجعاً
للأوقاف فلديه الإلمام بكل شاردة وواردة تخص الوقف، وصار يعرف أسماء من يعتدون على
ممتلكات الأوقاف من الأفراد والأسر ويقف لهم بالمرصاد، وفي أثناء قيامه بعمله - ذات
مرة - انقلبت سيارة الأجرة التي كان عليها في طريق الحوبان، ورأت الوزارة إعطاءه
سيارة وسائقاً لكنه رفض ذلك لأنه لا يحب تحميل الأوقاف نفقات يراها غير ضرورية،
وظل يتنقل بسيارات الأجرة، ولم يمتلك سيارة في حياته حتى توفاه الله!!
ظل
الوالد العلامة عبدالرحمن الذاري مرجعاً للأهل والأقربين، وقاضياً بين المتخاصمين
الذين يرتضونه حكَمَاً بينهم ثقة بكفاءته وعدالته، وصارت لديه خبرة واسعة في تقسيم
المواريث، وما يصدر عنه محل قبول ورضا، وتم اختياره أمينًا شرعياً في منطقة
الجحملية، يتولىٰ عقود النكاح والبيع والشراء وغيرها، ويكتبها بخطه الجميل
والمتميز، لا يشترط أجراً محدداً على تلك الأعمال، بل يقبل باليسير، وكان حافظاً
للأمانات مؤدياً لها، يثق الجميع بتقواه وحرصه ونزاهته وفضله.
تتبادر إلى ذهني صورة هذا الأمين النادر
الوجود كلما قرأتُ حديث حذيفة بن اليمان عن الأمانة، وفيه:(... فَيُصْبِحُ
النَّاسُ يَتَبَايَعُون، لاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ:
إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أميناً حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا
أَجْلَدَهُ مَا أَظْرَفَهُ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ
مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ)).
قال عنه الدكتور غالب القُرشي وزير الأوقاف
السابق:(لقد كان من القلائل من الأمناء الذين يعتمد عليهم فيما يؤتمنون عليه، عمل
فى مكتب أوقاف تعز ردحاً من الزمن فكان خير من حافظ على وثائق الأوقاف، كنت أرجع
إليه فيما يُختلَف فيه فيما يتصل بملكية الوقف)
عندما أحيل إلى المعاش(التقاعد) وقّعت معه
وزارة الأوقاف عقداً باستمرار عمله حافظاً للمستندات والوثائق لكفاءته وخبرته
وأمانته ونظافة يده، ودامت الثقة به من جميع الوزراء الذين تعاقبوا على الأوقاف.
ستون عاماً قضاها الوالد عبدالرحمن الذاري
موظفاً ومسؤولاً في الأوقاف، ومع ذلك لم تطاوعه نفسه أن يستفيد بأرضية أو عقار
للوقف لا عن طريق الشراء ولا الإيجار، وعندما حجَّ لأكثر من مرة لم يحاول أن يكون
في ضمن بعثة الحج الرسمية وهو الجدير بالمهمة إدارة وإرشاداً وفتوىٰ... هكذا أمضىٰ
حياته بهذا الانسياب الطاهر السهل، وعند وفاته - رحمه الله - لم يكن يملك سوىٰ
ملابسه الشخصية وبقايا عطور ادَّخرها ليُطَـيَبَ بها جسدُه وتُرَشُّ على كفنه!!!
من لطائف حرصه على وثائق ومستندات الأوقاف
أن الوزارة كلفت لجنة بالنزول إلى تعز لحصر الوثائق والمستندات، وتزامن ذلك مع عرس
سبطه إبراهيم فاعتذر عن حضور العرس ليبقى مع لجنة الحصر الوزارية، وحاولنا إقناعه
ليأتي ويذهب بالطائرة، لكنه رأى أن بقاءه محافظاً على مستندات الوقف أولىٰ وأهم،
واكتفىٰ بإرسال قصيدة شعرية تهنئة
بالمناسبة.
أما عن زهده فحدّث ولا حرج، ويكفي أن نعلم
أن بيته في تعز الذي عاش فيه لأكثر من ستين عاما، من المباني القديمة جداً، وملاصق
لبيتين عن يمينه ويساره، غُـرَفُـهُ ضيقة، وأبوابه منخفضة، وسلالم الدّرَج من
الحجر المغطى بالطين ثم استبدله بالأسمنت، وقد ظل يصلح ويرمم فيه بأكثر من قيمته،
وعندما أتعبه الطلوع والنزول من الدرج غير المريح بنىٰ في حوش البيت غرفة صغيرة [مترين
في مترين ونصف] من الطوب الإسمنتي على شكل شبه منحرف، وصارت هي غرفة الاستقبال
والطعام ومكان الفصل بين أصحاب القضايا، وهي غرفة النوم والتهجّد، ووضع فيها طاولة
صغيرة يكتب عليها الأحكام والعقود والرسائل، وتظل تلك الغرفة شاهدة على سمو نفسه
وعلو همته ودليل زهده في الدنيا.
في هذا البيت المتواضع كان يستقبل الوالد
عبدالرحمن الذاري ضيوفه من الأهل والزوار والمسؤولين، وكنت لا أتردد أن أدعو إليه
زملائي وضيوفي، يشجّعني الكرم المتأصل في هذا البيت، واستقبال الوالد عبدالرحمن
للضيوف وحديثه معهم أكبر متعة تنشرح لها نفوسهم.
لم يستفد الوالد عبدالرحمن الذاري من فرصٍ
كثيرة كان يمكنه فيها أن يحصل على ملكية بيته هِـبَـةً أو بالشراء، فقد كان خاله
القاضي عبدالله الحجري رئيساً للوزراء، وعندما يأتي إلى تعز يزوره في بيته
المتواضع، ويكون ذلك يوماً مشهودًا بين الناس لوجود الحراسة الخاصة برئيس الوزراء،
وتمرّ الأيام ويصبح القاضي أحمد عبدالله الحجري محافظاً لمحافظة تعز لسنوات عدة
وكان يُجِلُّه ويقول بأن سَمْتَه يذكرُّه بوالده، ومع هذه العلاقة الأسرية، وخدمته
الطويلة للدولة، لم يحرص على استغلالها
لنقل ملكية البيت إليه كما يفعل كثيرون.
عندما بدأت مؤسسة بيت هائل سعيد أنعم
بتنظيم صرف الزكوات كلَّفت الوالد عبدالرحمن الذاري بحصر الفقراء والمحتاجين في
منطقة الجحملية، وإعداد كشوف الصرف، ثم القيام بتسلم النقود وتسليمها للمستحقين،
وقد أبلىٰ في ذلك بلاءً حسناً وتحمل عناءً شديداً حيث يطرق بيته الفقراء والمساكين
ليلاً ونهاراً، فصاحب الحاجة أعمىٰ لا يرى إلا قضاءها، وبعضهم قد يُغلِظ عليه
القول وربما أسمعه كلمة جارحة لأنه يريد مبلغاً أكبر، أويظن أنه لم ينصفه، وكان
يكظم غيظه ويصبّـرُ نفسه، وقد استمر على ذلك سنوات، ثم طلب إعفاءه من هذه المهمة
الشاقة.
كان الوالد عبدالرحمن الذاري حاضراً في
مجالس العلماء، ولا يتأخر عن أي دعوة لهم في القضايا العامة التي يتداعَوْن من
أجلها، ويحب حضور الندوات والمحاضرات التي يلقيها الدعاة المشهورون من اليمنيين أو
الضيوف القادمين من الخارج، ويسعد كثيراً بالمشاركة في الاحتفالات والمهرجانات
التي يتم فيها تكريم طلاب العلم وحُـفّاظ القرآن الكريم، ويحرص على اقتناء الجديد
من الكتب التي تعالج مشكلات الواقع أو ترد على شبهات المنهزمين، ومع أعماله
الكثيرة فهو متابع للأخبار المحلية والدولية، ويطّلع يومياً على صحيفتي الجمهورية
الصادرة في تعز والثورة التي تصدر من صنعاء، إضافة لصحيفة الصحوة الأسبوعية وغيرها
من الصحف، ويحب الاستماع للدروس والخطب والمحاضرات المسجلة على أشرطة الكاسيت
ويحتفظ بها ولديه منها تسجيلات قديمة نادرة، ولعل تلك الكتب والأشرطة أثمن
مقتنياته...
الناس شهداء الله في أرضه، وقد شهد له
بالصلاح والفضل من عرفه وعاش معه وسبر غوره، ورثَّاهُ كثيرون ولا يتسع المقام أن
أحصي هنا ما كُتِب، ومع الشكر والتقدير لكل من واسنا في مُصابنا سأذكر هنا ما كتبه
الأستاذ جمال الرازي أحد شباب تعز وأعلامها كمثال فقط لنظرة الناس لهذا الرجل
العظيم رحمه الله:
((رحمك
الله شيخنا الحبيب
الوالد
العلامة..
العالم
الرباني
الوالد
الحاني..القاضي و الأديب
الشيخ عبدالرحمن الذاري
صاحب
القلب المفتوح، و الوجه السموح
من
لا يغلق باب بيته، ولا يرد من قصده
كم
و كم له من الأيادي البيضاء!؟
ليس
في منطقة الجحملية و العرضي؛ بل في مدينة تعز،
كان
أميناً و قاضياً شرعياً، ونائباً لمدير عام الأوقاف والإرشاد بالمحافظة
كان
مرجعية للأوقاف، ومرجعية للناس في مشكلاتهم
وكان
صديقاً و أباً لنا معشر الشباب
له
في القلب حضور وفي الوجدان مكان
كان
عالماً و معلماً، و كان قدوة ونموذجاً...))
مصابي كبير في رحيل عمي عبدالرحمن الذاري…والدي
وأخي الكبير، شيخي وتاج رأسي، وجد أولادي الذي ترك بصمة في رعايتهم صغاراً
وتربيتهم أطفالاً وإرشادهم كباراً، وأفضاله متعددة عليَّ؛ فقد أهداني الضنينة إلى
قلبه فلذة كبده ومهجة فؤاده - وإن كان كل الأباء يزوجون بناتهم - إلا أن التيسير
الذي اتبعه في زواجي يذكِّـرُ بالتابعين من سلف الأمة؛ فالخِطبة تمت بيسر ومن دون
تكاليف، وحينها كانت المغالاة في المهور قد بلغت شأوْاً كبيراً، وبدأت دعوات
العلماء لتيسير الزواج فنال عمي قصب السبق، وفي يوم مشهود بالجامع الكبير بصنعاء
خطب الجمعة شيخ عمي الصفي محبوب رحمه الله داعياً إلى تيسير وتسهيل الزواج، وأشار
إلى أن المصلين سيشهدون مثالاً عملياً بعد صلاة الجمعة، وبسط الوالد عبدالرحمن يده
ليعقد لي القران بابنته بمهر قدره مأة ريال ورقية فقط (قيمة خاتم من الذهب في حينه)،
وارتفعت أصوات المصلين بالتكبير والدعاء بالخير والبركة.
لقد عاملني الوالد عبدالرحمن كأحد أولاده،
بل اعتبرني كبيرهم، وغمرني بعطفه وحنانه، وعندما باع مدخراته ليبني له بيتاً
شعبياً جعله في صنعاء، وأسكنني فيه لمدة سبع سنوات - ومن دون إيجار - حتى أكملتُ
بناء بيتي، ولم يكن يهنأ بأكل أضحية العيد حتى يرسل لي أُضحيةً كل عام، ولما كانت
ظروفي غير مواتية ورأى ابنته عُطْلاً من الحُلِـيّ، اشترى لها ذهباً لئلا تحزن أو
تشعر أنها أقل من أترابها وقريباتها، وعندما كنتُ ملحقاً ثقافياً بالسفارة اليمنية
بالرياض عام 1989م حدث حريق في الشقة التي أسكنها فأرسل لي ثلاثة آلاف ريال سعودي
إسهاماً في ترميم ومعالجة أثار الحريق...وكم له من الأيادي البيضاء عليّ وعلى
أولادي وأهلي، ولم يكن مُسْتَغْـرَباً أن أفاخر به وأقول:(هذا عمي.. فلْـيُـرِني
كلٌ منكم عمَّـه!!)
كم تمنيت - وما كل ما يتمنى المرء يدركه - أن
أرد لك الجميل أيها الأب الشهم الكريم،
وكانت لدي أحلام أن اهتم بك وأرعاك عند كبر سنك وضعف جسدك، لكني حرمتُ من ذلك، وها
أنت تموت وأنا بعيدٌ عنك، عاجز عن إلقاء نظرة الوداع عليك أوالمشاركة في تشييع
جنازتك، ويبقى عزائي أن مشيئة الله قد ساقت أم أولادي سَـوْقاً لتكون بقربك قبل
وفاتك بأيام، لتقول لها أنك راضٍ عني وعنها، وفاضت روحك وهي بين يديك، وكان هذا
لطفٌ وكرم من أرحم الراحمين لا نحصي ثناءً عليه.
ثمانون عاماً قضيتها في طاعة الله
وخدمة الناس، لم تقعدك أمراض الشيخوخة عن التواصل مع الآخرين، وظللت بكامل حواسّك
وقواك العقلية، حتى دنا موعد الرحيل، فتوضأتَ لصلاة الفجر كأحسن ما يتوضأ المؤمن
وقبل أن تصل إلى سجادتك سجدت سجدتك الأخيرة، وفاضت روحك بيسر وسهولة إلى بارئها،
فما أحسنها من خاتمة، وما أتمَّها من نعمة، وإني لأدعو الله أن تكون ممن شملك حديث
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:(إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا
كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ
إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ، بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ
الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ
الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ
الْمَوْتِ - عَلَيْهِ السَّلَام - حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا
النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ"،
قَالَ: "فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ...)
نستودعك الله يا فريد عصرك، طبت حياً
وميتاً، خرجت من الحياة الفانية بأجرك وزهدك ونزاهتك، فقيراً من حطام الدنيا
وزينتها، غنياً بأعمالك الصالحة وذكرك الحسن، (وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ
الْمُتَنَافِسُونَ).
اللهم طيب ثراه وأكرم مثواه واجعل الجنة
مستقره ومأواه، اللهم يمّن كتابه وهوّن حسابه، ونور مرقده وعطر مشهده، اللهم اجزه
بالإحسان إحساناً وبالسيئات عفواً ومغفرة ورضواناً.
إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على
فراقك أيها الأب الصالح لمحزونون، "وإنا لله وإنا إليه راجعون".
والحمد
لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.
19
من جمادى الأولى 1441 هجرية
الموافق
14 من يناير 2020ميلادية
0 تعليقات