آخر الأخبار

القضية الفلسطينية.. والفجوة الحضارية





القضية الفلسطينية.. والفجوة الحضارية


عز الدين محمد


قبل أيام كنت في مجلس دار الحديث فيه عن القضية الفلسطينية..

قال لي احد الشباب بأن العراق يجب أن يخرج من قضية الصراع العربي الصهيوني، وأننا سنكون أفضل حالا بكثير لو فعلنا ذلك.


قلت له: الأمر ليس بهذه السهولة، لا بد أن نفهم الأمور جيدا قبل أن نحكم ونحن بحالة انفعالية أو تحت تأثير خطاب شعبوي. قبل كل شيء علينا أن نعرف بأنّ الكيان الصهيوني ليس دولة كسائر الدول، بل هي مشروع سيطرة لا يقف عند حدود، إسرائيل ليست دولة بل هي قاعدة للمشروع الصهيوني وهو مشروع يهدف الى السيطرة على العالم اقتصاديا وإعلاميا وفكريا وسياسيا. لا يمكن لأي حدود أن توقف هذا المشروع، وإذا حاولت أن تترك هذا المشروع فإنه لن يتركك بحال. ولهذا يقال بأن الصراع مع الصهاينة صراع وجود لا صراع حدود.


كما إن الدول التي عقدت معاهدات سلام مع إسرائيل لم تتقدم ولم تصبح نماذج للدول الناجحة اقتصاديا بسبب تغير موقفها من إسرائيل، فالأردن تنوء تحت وضع اقتصادي صعب وتهدد بين وقت وآخر بإلغاء اتفاقية وادي عربة، ومصر كان حالها قبل كامب ديفيد أفضل منها بعدها.


عموما، هناك أمر مهم جدا يحتاج أن ننظر فيه، فتحديد العدو مهم لكنه ليس كل شيء، فالأهم هو كيف يمكن التعامل مع هذا العدو؟

 ولماذا فشل العرب في مشروع المقاومة؟ وحتى مع النجاح الذي تحقق على يد حزب الله فيبقى هناك فارق هام وكبير بين الطرفين.


ان الصراع العربي الصهيوني ليس نزاعا عسكريا حتى يمكن حله بالسلاح، فالعرب في معظم مراحل الصراع كان تسليحهم لا يقل عن الكيان الصهيوني كما ونوعا، ومع ذلك لم تكن النتائج بصالحهم.


ان المشكلة التي لم يفطن إليه معظم القيادات العربية هو ان الفرق بين الطرفين هو فرق حضاري، ربما تم تحديد ذلك لكن لم تكن هناك همة حقيقية في تقليل الفارق أو الاستفادة من "التجربة الصهيونية" التي نجحت بشكل كبير.


الصهاينة ليست مجرد يهود مشتّتين تم جمعهم في ارض فلسطين، بل هم جزء من التجربة الحضارية الأوربية في أوج نجاحها، بل هم خلاصتها.


لذا فرغم أهمية المقاومة كمشروع إلا أننا نحن بحاجة إلى فلسفة نهضة، وفلسفة دولة.. وهذا ما لم يحققه العرب أبدا، نعم رفعت الشعارات، لكن هناك فرق كبير بين رفع الشعار وهو ما كنا نفعله وبين بناء قاعدة نجاح حقيقية وفق فلسفة سياسية.


كان نجاح حزب الله بسبب دعمه إيرانيا ليس بالسلاح، بل ما هو أهم بطريقة التفكير والتعامل، إلا أنّ الفرق الحضاري أيضا موجود بين إيران وبين الكيان الصهيوني لأسباب كثيرة، وهذا ما يجب إدراكه جيدا لكي لا تكون النتائج مختلفة أو مفاجئة في المستقبل.

كما ان سوريا استطاعت ان تحقق شيئا هاما في هذا المجال، ولهذا فقد  استهدفت. أما العراق فهو ما يمثل شيئا مخيفا للكيان الصهيوني، إلا أن المقاومة الحقيقية هي مشروع حضاري لا ينهض به سراق المال العام ولا جماعات مسلحة غير منضبطة، لذا فان وضع العراق الآن هو وضع مثالي جدا بالنسبة للكيان الصهيوني رغم كل الحديث عن المقاومة. لذا قلت بان هذا الموضوع هام، لأنه يكشف لنا عن الوجه الأهم في الخلل الذي نعيشه.

والله المستعان وهو المعين.

إرسال تعليق

0 تعليقات