المصريون وكشك
خالد الأسود
أثمرت ثورة ١٩ دستور ١٩٢٣، أصبح خطر يقظة المصريين يهدد مخططات
الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، استهدفت إنجلترا المصريين بالمخدرات، تنبهت
الدولة المصرية وأنشأت مكتب مكافحة المخدرات ١٩٢٩، لكنها لم تنتبه لزرع آخر كان
أشد خطرا من نبات الحشيش والقات والأفيون..
سنة ١٩٢٨ أنشأ معلم الخط للمرحلة
الابتدائية "حسن البنا" تنظيم الإخوان، المؤسسون الأوائل معه مجموعة من
أصحاب الحرف اليدوية الأميون، استطاع هؤلاء الريفيون محدودو التعليم أن ينفذوا
للاستعمار ما عجزت عنه المخدرات والمؤامرات المباشرة.
وصلت جماعة الإخوان إلى ذروة
تمكنها من عقول المصريين في فترة السبعينات..
جردت الدولة المصريين من دفاعاتهم
الثقافية، تركتهم عزلا يتلقون قذائف التغييب..
استخدم الإخوان شيخا بذيئا اسمه "كشك"انتشرت
شرائطه البذيئة في كل مكان: البيوت، المقاهي، المواصلات..
دمر الرجل البذئ عقول المصريين،
تطاول على رموز الفن والجمال، أقنعهم أن أم كلثوم عاهرة جنسية بقصائد الغزل التي
تغنيها، أقنعهم أن عبد الوهاب كافر مخرف (فعلا تم ملاحقة عبد الوهاب قضائيا بتهمة
الكفر بسبب أغنية)
" كشك" أول من قال على المصريين: (شعب رقاصات).
المؤلم أنهم صدقوه؛ في غياب المثقفين كان سهلا افتراس عقول شعب، كبلوا
الوعي الجمعي بعقدة وبطحة، بعد أربعين عاما من شرائط البذئ "كشك" نزعوا
من مصر سلاح الفن الناعم.
استقطب السوقة والرعاع، نطق
بلسان الجرابيع، جعل ثقافة الموت وأفكار الأسافل دينا..
نسى المصريون الدور الوطني
لراقصات بقامة حكمت فهمي وتحية كاريوكا، فقد المصريون وعيهم برحابة التنوع، غاب
عنهم أنهم الدنيا، والدنيا تستوعب الجميع، الراقصات والفنانين والمفكرين والعلماء
ورجال الدين، والرياضيين..
وبالتزامن معه ظهر الشعراوي القادم من السعودية، أخذ الشيخ على عاتقه تحجيب
الفنانات، حرص على تسفيه العلم، حقر من شأن المرأة، عبث بالانتماء الوطني وجعل
الدين بديلا للوطن، أسهم الشيخ في ضرب الاقتصاد الوطني عندما حرم التعامل مع
البنوك وعمل عرابا لشركات توظيف الأموال، انتهك الشيخ الشخصية الوطنية ابنة ثورة ١٩
والنضال ضد الاستعمار، في سنوات معدودة محا الإنسان المصري نتاج ثورة ٥٢،ضاعت جميع
جهود تحديث الشخصية المصرية، تم إحياء جينات عمال التراحيل وأجراء الأرض..
حتى في معرض دفاعنا عن رحابة مصر
كنت أرى تعليقات تتحفظ على وجود راقصات في مجتمعنا ، كأنه عار على شعب يملك أحمد
لطفي السيد ونجيب محفوظ ومصطفى السيد وزويل ومجدي يعقوب، لا يعون أن الخطيب جزء من
عطائنا جنبا إلى جنب مع مصطفى مشرفة ومنير ودياب وسامية جمال..
نحن الدنيا الواسعة التي تستوعب
الجميع، تهضم الجميع، مصر كانت بدء التاريخ، نبع الحضارة، منها بدأت رحلة
الإنسانية، مهما تقلب الزمن بمصر، ومهما قسا، فعطاؤها لم يتوقف قط، قد نأخذ ولكننا
نعطي أيضا، أعطونا الحواسب الآلية و السيارات و الأقمار الصناعية ، أفلام هوليوود
و موسيقا الجاز أعطيناهم الفيمتو ثانية، علاج السرطان بحبيبات الذهب وأولاد حارتنا
، وعمر الشريف، ومنير وسامية جمال..
نحن الدنيا الحية الرحبة، متصلون بالإنسانية، نأخذ و نعطي، نملك تراثا
حاكما، و حاضرا فاعلا، وما زلنا نحلم، نفخر بكوننا المصريين، لا نخرج من الأرض
أموالا ولكننا نصنعها بأيدينا..
قد يعطلنا الجرابيع، يعوقوننا، ننهض ونستعيد مكاننا الأصيل في ركب
الإنسانية، لسنا عالة على الحضارة، صنعناها يوما، وما زلنا فاعلين فيها، تاريخنا
آلاف السنين، معجزتنا الاستمرار، مصر قد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي لم
تتغير حدودها الجغرافية، في هذا دلالة، راقصاتنا جزء من عطائنا، عطاؤنا شمل كل شيء:
الفن والعلم والفكر.
المصري قادر يعدل على الخواجة؛
جيناته شريكة للخواجة، حمضه النووي يملك السر، المصري قادر على أن يدهش العالم في
أية لحظة، الدي إن إيه يحمل شفرة الحضارة وسرها ، أتمنى أن نتجاوز الشيخ البذئ "كشك"
ليس على راسنا بطحة، عندنا ألمظ وكاريوكا وسامية جمال ودينا ، وأم كلثوم وحليم
وعبد الباسط حمودة وزويل ومحفوظ و مجدي يعقوب ..
صنعنا التاريخ والعالم سماه باسمنا
( المصريات ) وما زلنا نصنعه، عندما يظن العالم أن مصر انتهت، ندهشهم ونعيد ترتيب
العالم، فعلناها كثيرا، ونفعلها الآن.
0 تعليقات