آخر الأخبار

القبائل.. فتنة كانت نائمة!!






القبائل.. فتنة كانت نائمة!!

نصر القفاص

تفتق ذهن وفكر "محمد عثمان اسماعيل" محافظ أسيوط الأسبق و"عثمان أحمد عثمان" المقرب من "أنور السادات" عن نصيحة له بأن يرعى شباب التيارات الإسلامية, لمواجهة اليسار – ماركسيين وناصريين – الذين ناصبوه العداء منذ تولى المسئولية.. أعجبت الفكرة "السادات" فأعطى الضوء الأخضر, وتم إخراج هذا "العفريت" من علبته!! وكان الثمن فادحا.. لأن مصر – دولة ومجتمع – دفعت أثمانا فادحة نتيجة هذه النصيحة وتلك السياسات.. البداية كانت عام 1972, بما سمى "الجماعة الإسلامية" التى سيطرت على المساجد, لتسمم عقل الأمة.. وراحت تواجه اليسار فى الجامعات بالتكفير والجنزير.. وشغلت هذه المواجهات الجامعات وطلابها عن "السادات" الذى تفرغ لمعركة التحرير.. ثم كانت "حرب الشمس" كما يسميها أحد أبطالها اللواء "علاء سويلم" وانتصارات اكتوبر التى رفعت رأس مصر والعرب إلى عنان السماء.. وقبل أن تمضى شهور قليلة.. إتجه العفريت إلى رأس من أطلقها ليعقرها.. فكانت جريمة.. بل قل كارثة "الفنية العسكرية" عام 1974.. ثم اغتيال الشيخ "الذهبى" وزير الأوقاف الأسبق عام 1977.. واكتشفت أجهزة الأمن تنظيما مجرما وشديد الخطورة!!
بدلا من أن يراجع الرئيس وأجهزة الدولة أنفسهم, قرروا أن يمدوا الخط على استقامته بإعادة بعث جماعة "الإخوان" الإرهابية باعتبارها أكثر اعتدالا كما زعمت وروجت.. والمدهش أنهم كانوا يعلمون عن يقين, أنها جماعة إرهابية.. فالرئيس "السادات" كان واعيا وشاهدا على جرائم الجماعة.. بداية من اغتيال "أحمد ماهر" رئيس وزراء مصر الأسبق داخل البرلمان, ثم اغتيال "محمود فهمى النقراشى" رئيس وزراء مصر الأسبق فى مدخل وزارة الداخلية.. وكان "السادات" يعلم أن كليهما كان متهما فى قضية اغتيال "السير لى ستاك" وقرر الاستعمار الانجليزى أن يثأر منهما بيد الجماعة التى زرعها كسرطان داخل جسد مصر.. وبين الجريمتين كان اغتيال "الخازندار" – قاضى – واللواء " سليم زكي" – شرطة – أى أنها جماعة كانت تنفذ ما يريده الاستعمار, بتصفية الوطنيين من الساسة, والسعى لهدم القضاء والشرطة.. ولعل "السادات" نفسه دفع الثمن عندما اغتالوه, وهو كان أحد المتهمين فى قضية اغتيال "أمين عثمان" وزير المالية المصرى الجنسية.. الانجليزى الهوى والهوية!!


عادت جماعة "الإخوان" لتشعل "الفتنة الطائفية" وتمكنت من المساجد والزوايا, وتعجلت كعادتها لتدخل فى صدام مع "السادات" كما سبق أن حدث مع الملك "فاروق" ومع الرئيس "عبد الناصر" الذى حاولوا اغتياله.. وإن كانوا قد هادنوا "مبارك" قدر ما هادنهم..

واستمر الطرفان فى ممارسة لعبة "عض الأصابع" حتى كانت ثورة 25 يناير فانقضوا عليه, مستثمرين حالة غضب شعبى عارمة.. ولأن "العفريت" كان قد تمدد وتضخم.. كادوا يسقطون الوطن ويحرقون المجتمع, بما امتلكوا من دعم خارجى للاستعمار الجديد.. وبقدرتهم على الكذب والنفاق سرقوا "ثورة الشعب" وتمكنوا من الدولة.. ولأنهم فى عجلة من أمرهم.. خلعوا الأقنعة وظهر وجه الشيطان!! فقام الشعب لمواجهتهم, ولولا انحياز القوات المسلحة للشعب لكانت مصر قد راحت للمجهول.


نجحت ثورة "30 يونيو" فى مواجهة جماعة "الإخوان" الإرهابية, وبفضل بيان 3 يوليو تم إعادة البوصلة إلى اتجاهها الصحيح.. لكن ذلك كان ثمنه فادحا.. دفعناه – ومازلنا ندفعه – دما وخرابا.


تلك باختصار شديد حكاية "فكرة وسياسة" صاغها من يعجز عن التفكير ويفتقد لفهم معنى السياسة!! فإذا بنا قبل أيام نجد أنفسنا أمام "فكرة وسياسة" أعتقد فى أنها أكثر خطورة من حكاية إعادة بعث الإرهاب الإخوانى.. تتمثل الفكرة فى إعادة بعث "القبيلة" وتضخيم دورها خلف الكواليس, حتى ظهرت المأساة فى قلب القاهرة.. داخل أكبر ستاد فى قارة إفريقيا.. إحتفالية شكلها يلمع, ومضمونها كله ألغام وديناميت!!


تجاوزت مصر مجتمع "القبيلة" منذ عشرات السنوات, لأن الدولة الحديثة منذ عهد مؤسسها "محمد على" إعتمدت على مؤسسات وعلم ومعرفة.. ومهما كان تعرضها لانتكاسات.. إلا أنها ظلت متماسكة فى أحلك الظروف.. فحتى عندما تربص الاستعمار بالوطن.. واجهه "أحمد عرابى" كقائد للجيش.. ورغم هزيمته بفعل خيانة "على خنفس" إلا أن الدولة استمرت تقاوم بظهور "مصطفى كامل" و"محمد فريد" ثم "سعد زغلول" ورفاقه.. وانتهى هذا المشوار الطويل – أكثر من 70 سنة – بعودة الجيش وشباب مصر الذين تقدمهم "جمال عبد الناصر" كقائد وزعيم.. وأعاد بناء الدولة مع اجتهاده لتطويرها وتنميتها, وانتصر كثيرا كما تعرض لانكسارات شديدة عام 1967.. لكن الدولة والمجتمع كانا قادرين على استعادة روح التحدى, التى تجلت عام 1973 فى اكتوبر.
حولنا.. كانت اليمن التى شهدت ثورة مطلع الستينات.. لكنها ارتدت لمجتمع "القبيلة" بظهور "على عبد الله صالح".. ثم كانت "ليبيا" التى انتفضت بثورة فى نهاية الستينات, ثم ارتدت إلى مجتمع "القبيلة"!! ولعلى لا أحتاج لشرح أو إسهاب فى التذكير بنهاية "فكرة وسياسة" الارتداد لمجتمع "القبيلة"!!


هذا يجعلنى أعيش حالة رعب.. لا أقول خوف.. بسبب محاولة إعادة بعث "مجتمع القبيلة" فى هذه اللحظة.. فإذا كانت الأحزاب ضعيفة, وهذا صحيح.. فلا يمكن أن يكون الحل بالعودة للخلف مئات السنين.. وإذا كانت النخبة قد تداعت وتهالكت, وهو صحيح.. فلا يجوز تجاوز تلك الحالة بتقديم العصبية العائلية أو "القبيلة" كبديل للنخبة.. وإذا كان إعلامنا قد تمكنت منه الشيخوخة, وهذا صحيح.. فمن المستحيل أن نستعيض عنه, بالذين يعتقدون فى أن "الموبايل" أو مواقع التواصل يمكن أن يدير مجتمعا بحجم مصر.. أو يحافظ على دولة عريقة وعظيمة بتاريخ مصر.


إذا كان ما حدث مجرد حفل.. فيجب أن نعلم خطورة هذه النار, التى تم إشعالها.. وأن ندرك أن إطفائها يحتاج إلى حكمة وهدوء وصبر, وتحمل تداعيات المحاولة التى ستظهر بعد شهور فى انتخابات مجلس النواب ومجلس الشورى والمحليات.. والحل يكمن فى وضع ملفات الأحزاب والإعلام والثقافة فى مقدمة الملفات التى يوليها الرئيس اهتمامه.. لأننا لن نتدارك اجتهاد وأصحاب "فكرة وسياسة" بعث "القبيلة"!! دون تحرك وفعل سياسى وثقافى وإعلامى سريع وعميق ورصين.. ومهما كانت أعباء الرئيس "عبد الفتاح السسيسى" فإن هذا المثلث.. الأحزاب والإعلام والثقافة.. الذى احتمل تأجيل التدخل فيه بالجراحة الدقيقة والواعية.. قد أصبح الموضوع فرض عين لتجاوز اجتهاد الذين أيقظوا الفتنة من نومها!!

إرسال تعليق

0 تعليقات