عندما انسحبت الدولة
خالد الأسود
الانسحاب الأول ( الضياع ):
انسحبت الدولة من تأدية مسئولياتها الاجتماعية، تركت الغلابة للجمعيات
الخيرية، مابين رسالة وصناع الحياة والجمعيات السلفية أصبح الغلبان مدينا لهم
بالراتب، والطعام، والشراب، والوظيفة، والعلاج، والدوا، والمأوى، وأحيانا الكفن
كمان..
النتيجة أصبح عندنا قطاع كبير انتماؤه للجماعة والجمعية لا للوطن، غالبية
المنتمين لجماعة الإخوان وجماعات السلفيين لم
يسمعوا عن الحاكمية والولاء والبراء ولا يعون المقصود من تلك المفاهيم،
ارتباطهم بتلك الجماعات عضوي قائم على تلبية حاجاتهم ومصالحهم لا عن وعي وعقيدة
وانتماء..
الانسحاب الثاني ( الوعي ):
انسحبت الدولة من المشهد الإعلامي، تركت الإعلام بين القنوات السلفية
وفضائيات أصحاب الأعمال، تم انتهاك الوعي الوطني، تفسخ الانتماء بين المنتمين
لدولة الخلافة وبين المنتمين لأفراد وجماعات، حتى لما فاقت الدولة كان الوقت فات،
توحش السرطان..
الانسحاب الثالث(الأخطر):
الانسحاب من التعليم، ظلت الدولة تنافق المزاج الشعبوي، ترعبها أصوات شمامي
الكلة، تمسك مبارك بشعار مجانية التعليم، استمر التعليم مجانا، أصبحت الدولة تقدم
شهادات ورقية بلاقيمة في سوق العمل، تكونت طبقة من الأغبياء الفاشلين الموهومين..
هؤلاء الأغبياء من حملة الشهادات العليا هم الكتلة الحرجة للغضب والثورة،
أوهمناهم أنهم متعلمون يحملون أعلى الشهادات، لا يصدقون أن قيمتهم السوقية في سوق
العمل لا تلتفت لشهاداتهم، واجهوا إحباطهم بحيلة نفسية، نسبوا فشلهم وعجزهم للنظام
والدولة، والحقيقة أن الدولة فعلا مدانة بتفجير طموحاتهم، بخداعهم، باستسلامها
للمزايدات الشعبوية وأصبحت الشهادة الجامعية كشهادة الميلاد وشهادة الوفاة حق لكل
مصري مولود على أرض مصر..
في المقابل أصبح التعليم الحقيقي
أو شبه الحقيقي بمصاريف عالية، انطلقت المدارس الخاصة، قدموا تعليما مقبولا، ظهرت
مدارس الانترناشيونال ذات المصاريف الباهظة والتعليم الجيد نسبيا..
استمر التعليم الديني يدعم الغلابة ويستغلهم في بناء دولة الدراويش، لنصل
لمرحلة قداسته الذي يرسل تحياته مع الزكاة ليهب أبناؤه داعمين قمصاته وتشنجاته
وحربه الضروس دفاعا عن الاقتصاد الشريف.
الانسحاب الرابع(المدمر):
انسحبت الدولة من دورها الرئيس في
نقل الأفراد والمواصلات العامة، ظهر سائقو الميكروباص، سائقو التناية، حتى وصلنا
للعنة الكبرى: التوكتوك وسائقيه، يعتمد المصريون جميعا على سيارات الميكروباص
والتوكتوك في تنقلاتهم، منظومة كاملة من مجاميع بشرية بدون تعليم، بدون تقاليد
مهنية، بدون قانون يحكمها غير قانون القوة، تكونت ثقافة واسعة عشوائية سوقية أخذت
في الانتشار والتسيد.
الانسحاب الخامس ( البلطجة ):
انسحاب رجال الشرطة من الشارع، استسهلوا تركه للمخبرين وأمناء الشرطة..
رجال الشرطة أشهد لكل من تعاملت معهم تقريبا بالرقي والتهذيب، تبقى فئة
أمناء الشرطة الذين تكيفوا مع طبقة سائقي الميكروباصات والتكاتك، ساهموا جميعا في
صنع زمن البلطجة والسوقية؛ فساد الرعاع والجرابيع، فرضوا ثقافتهم على الشوارع؛ لاذ
الأثرياء بكمباونداتهم المغلقة وشواطئهم الخاصة، انعزل غير الأثرياء وأغلقوا
أبوابهم وحيواتهم في عزلة..
الانسحاب السادس (الدور )
انسحبت مصر من محيطها الحيوي، سواء في أفريقيا أو المنطقة العربية، صارت
دولة تابعة بعد أن كانت دولة قائدة، خسرت كثيرا وخسرت المنطقة كلها..
تأييدي للسيسي ينبع مما أراه وعيا بتلك الانسحابات، أراه يرفض الانسحاب،
يأبى تراجع دور الدولة الاجتماعي والتعليمي والإعلامي والسياسي، يصر على الحلول
الجِذرية والمواجهات الحاسمة حتى لو كانت غير شعبوية تخصم من رصيده الشعبي كرئيس
مُنتخب..
رغم تعثر البدايات وصعوبتها دوما فإننا نبدأ على الطريق، نفعل الصواب
أخيرا، يصر البعض على أن يدفع المصلح فواتير زمن الانسحابات، يصر البعض على إنكار
البداية ويحاسبون الرجل بمسطرة الكمال..
0 تعليقات