قراءة في الخطاب
الفاطمي السنوي الخامس عشر
( السيدة فاطمة
الزهراء (عليها السلام) تحثنا على اللجوء إلى الكهف المعنوي ) الحلقة الأولى
محمد النجفى
في كل خطاب وكلمة تصدر عن المرجع اليعقوبي يزداد المؤمن الرسالي يقينا بأنه
ليس هناك أكثر متابعة وإحاطة من سماحته بما يجري في الساحة العراقية عموما وما
يقوم به أتباعه خصوصا ...
لهذا نجد التدخل من سماحته سريعا إن زادوا أو نقصوا ونجد تدخله سريعا إن
اقتربوا من مكان الخطر وكيف لا يكون كذلك وجل هم سماحته وكل قائد رسالي بعد أداء
وظيفته هو المحافظة على الثلة المؤمنة التي ضحى من أجلها الأنبياء والأوصياء
والعلماء الصالحون حتى وصلت إليه وحتى يسلم الأمانة لمن يكمل المسيرة المقدسة حتى
تصل إلى من ينشر العدل والصلاح ... بخلاف سلوك القادة المتقمصين الذين همهم
مصالحهم الشخصية فلا يتوانون عن زج اتباعهم في كل فتنة وخطر لأجل تحصيلها أو
المحافظة عليها ...
وقبل البدء بالحديث عن هذا الخطاب المبارك ينبغي أن نضع في بالنا دائما أن
ما يصدر عن المرجع اليعقوبي إنما هو لبنة في بناء الوعي المعرفي والأخلاقي العظيم
الذي شيده سماحته وهذا البناء المعرفي والأخلاقي هو مؤلفاته وخطاباته وكلماته فهي
منظومة متكاملة ولمعرفة ماذا يريد وماذا يقصد علينا ان ننظر للمنظومة كلها وكلما
كان الفرد مطلعا على هذه المنظومة ومحيطا بها وعاملا بها كانت قراءته أدق وأنضج ...
قد سبق وأن تحدث سماحة المرجع اليعقوبي في كلمة له كانت بعنوان ( قُلْ
إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ
تَتَفَكَّرُوا )[ 1 ]
وكانت كلمة مهمة جدا وعميقة ولا يمكن لأي فرد الاستغناء عنها وكيف لا تكون
كذلك ومحورها قبس قرآني أوضح قاعدة عامة لكل قضية ولكل مسألة ابتداءاً من القضية
المحورية الكبرى وهي التوحيد والإيمان بالله تعالى والمعاد يوم القيامة (إِنْ هُوَ
إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) (سبأ/46) عندما يخاطَبْ
المشركون والكافرون بهذه الآية، إلى قضية النبوة والرسالة للمنكرين لها {مَا
بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} [سبأ : 46] إلى قضية الإمامة والولاية للجاحدين بها
إلى سائر القضايا الحياتية الأخرى الصغيرة والكبيرة.
وقد أوضح سماحته هذه القاعدة حيث قال:
ليكن قيامكم ونهضتكم (فرادى) أي مع أنفسكم لكي تخلوا بربكم وتنفتحوا عليه
ويكون ادعى للتأمل والتفكر، واتخذوا أيضاً شخصا أخر (مثنى) أي اثنين اثنين ليكون
رفيقا لكم وناصحا ومرآة (المؤمن مرآة المؤمن) فيعينك على التعرف على أخطائك وعيوبك
وتستشيره فيما ينبغي فعله ويعينك على الخير، وتجنبوا الانسياق وراء العامة وكثرة
الناس مما يعرف بالسلوك الجمعي وقيل فيه (حشر مع الناس عيد) فان هذا الانسياق
مذموم ويوردك مواطن الهلكة والبوار لأنه انفعالي عاطفي يسِّيره أهل المكر والخديعة
والباطل (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ) (الأنعام/116) (وَمَا
أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف/103) (وَمَا يُؤْمِنُ
أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) (يوسف/106).
وهذه العناصر الثلاثة التي تُفهم من الآية كفيلة بصنع البيئة المناسبة
للتكامل والتي تأخذ بيد الإنسان نحو الكمال وقد جمعها الإمام الجواد (عليه السلام)
بقوله (المؤمن يحتاج الى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه)[ 2 ]،
فالواعظ من نفسه ثمرة القيام فرادى والقبول ممن ينصحه ثمرة القيام مثنى والتوفيق
من الله ثمرة القيام لله.
ودعانا سماحته لاغتنام هذه الهدية الإلهية المباركة في كل حياتنا خصوصا في
وقت الأزمات والمحن كالتي تمر بها البلاد ... حيث قال سماحته:
وهذه القاعدة التي يقدمها الله تعالى هدية لنا من خلال كتابه الكريم هي
البداية الصحيحة لكل مشروع، وتقيّم من خلالها كل حركة أو دعوة، وتواجه بها كل
مشكلة، أما اتخاذ المواقف الارتجالية والانفعالية العاطفية فهو فعل غير منتج.
فلنغتنم هذه الهدية الإلهية المباركة في كل حياتنا خصوصا في وقت الأزمات
والمحن كالتي تمر بها البلاد اليوم ... [انتهى]
وهكذا ينبغي أن نتعامل مع خطابات المرجعية الرشيدة بأن نتفكر بها ونتدارس
فيما بيننا حتى نخرج بقراءة ناضجة ومعرفة لما يريده سماحته ...
وأعتقد أن سبب اختياره لهذه الآية وقصة أصحاب الكهف وموقفهم لأن فيها عدة
معاني وتكاليف يريد سماحته أن يوصلها إلى جميع الشرائح لأن الكهف الذي ذكره سماحته
سبق وأن بيّنه في خطاب سابق حمل عنوان (شُـقـّوا أمواج الفتن بسفن النجاة )[ 3 ] حيث
قال سماحته إن ( هذه البلاءات والفتن التي تمر بها امتنا اليوم ليست حالة فريدة
ولا شاذة، بل هو امتداد طبيعي لتلك السنة الإلهية العادلة، ولم يغفل التخطيط
الإلهي للبشرية هذه الحالة بل وضع لهم معالم طريق النجاة من الفتن بالتمسك بحبل
الله الممدود لإنقاذ البشر من التخبط والانحراف والضلال والضياع والتمزق.)
وبيّن سماحته معالم هذا الطريق وحبل الإنقاذ حيث قال سماحته:
ويتمثل حبل الإنقاذ هذا بكتاب الله وعترة نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين
ينقلون بأمانة وتفصيل سنة جدّهم الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال (صلى
الله عليه وآله وسلم) "إني تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما
إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً.
ونبّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أمته في بعض خطبه بأن الفتن جاءتكم كقطع
الليل المظلم وحذرهم من الوقوع فيها كما قال الله تعالى من قبل [وَمَا مُحَمَّدٌ
إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أو قُتِلَ
انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ
يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ] (آل عمران:144)،
وأرشد الأمة إلى أن نجاتها تكون باتباع قادتها الحقيقيين فهم سفن النجاة (شقوا
أمواج الفتن بسفن النجاة)، فهي ليست فتنة واحدة وإنما فتن كثيرة وهي كالأمواج
متلاحقة لا تنتهي واحدة حتى تلحقها أخرى ولا تتخلص من واحدة حتى تأتي أكبر منها كما
هي طبيعة الأمواج.
وقد أدى الأئمة دورهم في هداية الأمة وصيانة عقيدتها وأخلاقها من الانحراف،
ودافعوا عن دولة الإسلام وضحوا في سبيل الله والمستضعفين من الناس وأرشدوهم إلى ما
يصلح حالهم.
وبعد انتهاء عصر القيادة الظاهرة للأئمة جاء دور العلماء المجتهدين الجامعين
لصفات وخصائص هذا الموقع الشريف، ليكونوا سفن النجاة بأمر من الأئمة حيث وصفوا
العلماء بأنهم (أمناء الرسل وحصون الإسلام) فهم الأمناء على مسؤوليات الرسل،
والأولى باستحقاقاتهم وجعلوا قولهم حجة على الناس جميعاً (هؤلاء حجتي عليكم وأنا
حجة الله والرادّ عليهم كالراد علينا).
وقد ورد تسمية مثل هؤلاء الفقهاء الأمناء سفن نجاة في الرواية التالية ... إلخ
[راجع الخطاب للاطلاع على الرواية]
وصحح سماحته فهم الحديث (كن في الفتنة كابن اللبون) في الخطاب نفسه حيث قال:
وفي ضوء هذا يجب أن نفهم الأحاديث الشريفة مثل قول الإمام (كن في الفتنة
كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب) لأنه لو كان تكليف الجميع هو الانزواء
والانعزال فمن الذي سيرد على هذه الشبهات ويرد كيد المضلّين ويحمي الأمة من الضياع
والتخبط، وهي وظيفة العلماء والرساليين الذين حصّنوا أنفسهم وسلحوا عقولهم بالعلم
وقلوبهم بالمعرفة، أما من لا يمتلك الحصانة الكافية فإن عليه أن يحفظ نفسه ودينه
بالسكون والانعزال إزاء الفتن.[ انتهى]
سأبين في منشور لاحق – بحسب قراءتي - بعض التكاليف التي ينبغي للمكلف
القيام بها خاصة في هذا الظرف الحرج وبعض معالم المرحلة القادمة ان شاء الله تعالى
...
الهوامشــــــــــــــ
[ 1 ] خطاب المرحلة ج9 ص50.
[ 2 ] تحف العقول ص290.
[ 3 ] خطاب المرحلة ج4 ص85.
0 تعليقات