العراق و حركة تموز
1958م (1)
محمود جابر
بعض من الجدل ونحن نقلب فى ايامنا، هذه سمة الحياة دائما، نختلف فى تقيم الحدث والظرف، ولكن حتى ونحن نختلف لابد ان نقر أن هناك أسس يقوم عليها الخلاف والتباين فى التحليل والرأى، وحركة تموز 1958م هى أحد الفصول التى سوف نتناولها هنا فى هذه الدراسة التى سوف ننشرها على حلقات .... ويسعدنا متابعة القارىء الكريم ...
حركة 14 تموز 1958 وتعرف أيضًا بانقلاب أو ثورة 14 تموز 1958، وهي التي
أطاحت بالمملكة العراقية الهاشمية التي أسسها الملك فيصل الأول تحت الرعاية
البريطانية، وقتل على إثرها جميع أفراد العائلة المالكة العراقية ومنهم الملك فيصل
الثاني وولي العهد عبد الإله ورئيس الوزراء نوري سعيد.
قام الانقلاب بتأسيس الجمهورية العراقية. وبقي العراق دولة اشتراكية ذات
حزب واحد بحكم الأمر الواقع من عام 1958 إلى 2003. تبع هذا الانقلاب انقلاب آخر
أطاح بعبد الكريم قاسم، واعدم في انقلاب 8 شباط 1963.
وقد اختلف المؤرخون في تقييم نظام الحكم الملكي كما اختلفوا في تسمية
الحركة ما بين الانقلاب والثورة.
وفق التحليل التاريخي للأحداث هنالك دائماً عوامل مباشرة وأخرى غير مباشرة
والتي لعبت أدواراً مختلفةً تسببت بقيام حركة 14 تموز 1958، فهنالك أسباب غير
المباشرة تمثلت في أزمة الحكم الملكي في العراق والتي تتلخص في طبيعة البنية
التحتية التأسيسية للحكم الملكي والتي ولّدت تيارين متناقضين في الإيديولوجية
والمرجعية الوطنية والسلوك السياسي في مواقفهما تجاه ما كان يعصف العراق والمنطقة
العربية من أحداث جسام كالحروب العالمية والمعاهدات مع الدول الكبرى والأحلاف التي
كان الغرض منها جر المنطقة العربية إلى سياسة المحاور والاستقطاب الدوليين، وآخر
تلك الأحداث هو تأسيس الدولة اليهودية في فلسطين.
العوامل غير المباشرة لقيام ثورة تموز 1958:
هنالك جملة من العوامل التاريخية التي تراكمت وتمخض عنها قيام حركة تموز 1958 م . منها إجهاض ثورة رشيد
عالي الكيلاني وإخفاق الحكومات العربية في حرب فلسطين عام 1948 م، ثم دخول حكومة
نوري السعيد في سلسلة من المعاهدات وآخرها حلف بغداد التي كبلت العراق ببنود هيمنة
جائرة على سيادته وموارده وقراره السياسي، وبعد بروز المد الوطني والقومي العربي
المعادي للهيمنة البريطانية والفرنسية والأمريكية، والتأييد الجماهيري الكاسح لهذا
المد الذي تزعمته القيادات الثورية الشابة في بعض بلدان الوطن العربي والتي كانت
رائدتها حركة تموز 1952 في مصر، وتصاعد المد الجماهيري المؤيد للحركات الثورية
الوطنية والقومية ليشمل دولا عديدة مثل الأردن الذي رفض الدخول في حلف بغداد،
وأضحت حكومة نوري السعيد ورقة محروقة متهمة بما سمي "بالعمالة"
لبريطانيا.
ومن وجهة نظر الدول الغربية فإن سلسلة المعاهدات مع العراق وبعض الدول
العربية وآخرها حلف بغداد ما هي إلا صفقة إستراتيجية الغرض منها هيمنة بريطانيا
وفرنسا ومن ثم لاحقاً أمريكا على المنطقة لدواعي إستراتيجية أهمها الوقوف بوجه
الإتحاد السوفيتي والسيطرة على منابع النفط واستيلاء الولايات المتحدة على إرث
بريطانيا وفرنسا خصوصاً بعد حرب السويس أو ما سمي بالعدوان الثلاثي على مصر، ووقوف
حكومة نوري السعيد بشكل معلن مع دول العدوان.
العوامل المباشرة المسببة لقيام حركة 14 تموز:
يجمع المؤرخون على أن العوامل المباشرة للحركة كانت بسبب ردة الفعل
الجماهيرية الغاضبة على احتلال بريطانيا للعراق بعد إسقاط ثورة رشيد عالي الكيلاني
عام 1941 وإعدام الضباط الأحرار والوطنيين من الضباط المشاركين في الثورة، وكذلك
من العوامل الأخرى، هزيمة الحكومات العربية في حرب فلسطين إبان حرب 1948، علاوة
على جملة من العوامل الداخلية الأخرى كتردي الأحوال المعيشية والاجتماعية والتي
يمكن إجمالها بالتالي:
مر الحكم الملكي بجملة من الإخفاقات أدى تراكمها إلى ظهوره بمظهر الحكم
العاجز عن تلبية تطلعات الجماهير وتحقيق أهدافها وأن الحكم الملكي ظهر بمظهر
النظام المرتبط بمصالح البريطانيين ضد مصالح الشعب. وهم يرون أن فرضيتهم هي من
العوامل المسببة لقيام "الثورة". والتي يجملونها حسب التسلسل الزمني
بالاتي:
الاعتقاد بالهيمنة البريطانية على السياسة والأحلاف ومعاهدات الانتداب، حيث
يرى البعض أن هم بريطانيا هو إلحاق العراق بالسياسة البريطانية وان يكون تابعا لها
ومنفذا لاستراتيجياتها بواسطة ربطه بمعاهدة 1922 ثم معاهدة 1926، ثم معاهدة 1930
ومعاهدة 1948 ثم تلى ذلك حلف المعاهدة المركزية – السنتو المعروف بحلف بغداد والذي
كان يضم العراق وإيران وتركيا وباكستان. وكان الشارع العراقي معبأً ضد الحلف
والحكومة العراقية خصوصاً الخلاف بين مصر وسوريا من جهة والعراق من جهة أخرى، حول
حلف بغداد، بسبب تعبئة إذاعات دمشق والقاهرة والتي كانت تهاجم الحكومة العراقية،
وكان بعض العراقيين يرددون ما تذيعه دمشق والقاهرة من أفكار.
هيمنة الشركات الأجنبية على الاقتصاد بضمنها شركات النفط التي لعبت دوراً
كبيراً في تقويض الاقتصاد العراقي لاسيما بعد ربط الاقتصاد العراقي بالكتلة
الاسترلينية مما أدى إلى تضخم العملة العراقية وغلاء الأسعار.
أدى احتلال العراق من قبل بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية وإسقاط
حكومة ثورة مايو 1941 بزعامة رشيد عالي الكيلاني، وما لقيه الضباط من التنكيل
والإعدام، إلى ارتفاع درجة السخط بين صفوف الشعب الذي انعكس على أبنائه في القوات
المسلحة.
حملات تقويض الجيش العراقي حيث تنبه الإنجليز إلى حالة السخط والغليان بين
صفوف الشعب والجيش بشكل خاص بعد الضربة الموجعة بعد احتلال العراق إبان الحرب
العالمية الثانية وإسقاط الثورة الشعبية التحررية التي قام بها رشيد عالي باشا عام
1941، وتنبهوا إلى ذلك فاشعروا السراي الحكومي بضرورة تقليص عدد وحدات الجيش
العراقي، وتسريح أعداد كبيرة من الضباط ونقل الضباط الآخرين إلى وحدات نائية،
وأشغال أفراده بالتدريبات، طوال فصول العام. بدأت خلايا سرية من الضباط في العمل
بين صفوف الجيش، ومحاولة التكتل لإنشاء تنظيم سري للضباط.
انعكست نتائج حرب 1948 على شكل إحباط جماهيري عام، فالعراق الذي شارك بخيرة
قطعاته في القتال وحقق انتصارات مهمة على الجبهة بقيادة الفريق راغب باشا الذي حقق
انتصرات لامعة مطوقا تل أبيب واصبح على مشارف البحر إلا أن تدخل القائد البريطاني
كلوب باشا الذي كان يرأس القيادة العامة للحرب لم يصدر الأوامر بالتقدم في ساحات
القتال، حتى شاعت على الألسن باللهجة العراقية العامية "ماكو أوامر"
ورجع الجيش العراقي من فلسطين بعد أن أعلنت الهدنة سنة 1949 وكان لهذه العودة
أثرها السيئ في نفوس الشعب.
أدى نجاح حركة الضباط الأحرار في مصر، خلال "ثورة" 23 يوليه/
تموز 1952 التي أدت إلى تقويض النظام القائم في مصر، وثورة 1948 في اليمن ضد الحكم
الملكي الأمامي والتي قادها الضابط اليمني العراقي جمال جميل رغم إسقاطها بعد
نجاحها وإعلان الجمهورية ومقتل الإمام، أدت إلى تشجيع الضباط العرب عموما
والعراقيين بشكل خاص بالثورة على نظام الحكم.
كما وقع العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل
بسبب تأميم مصر لقناة السويس، وقد شجبت الحكومة العراقية العدوان ومع قيام الاتحاد
العربي – الجمهورية العربية المتحدة بدأ الشعور القومي لدى فئة من العراقيين
بالظهور.
وفي 14 فبراير 1958 تم إعلان الاتحاد العربي الهاشمي بين العراق والأردن؛
فيما يراه البعض ردًا على قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسورية. وقابلت
الأوساط القومية الاتحاد العربي بالاستنكار، واعتبرته مفرّقاً للصف العربي. داعين
إلى الانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة بدل هذا المشروع الذي رؤوا فيه حلفا
أكثر منه وحدة.
موقف الجيش العراقي كمؤسسة عقائدية وطنية
لقد عرف الجيش العراقي بأنه منظمة عسكرية ذات عقيدة وطنية يتملكه الحس
العربي والانتماء للقضايا العربية والمصيرية. وذلك بسبب بنيته التأسيسية، حيث تأسس
من مجموعة من الشخصيات الوطنية المعروفة بانتمائها العربي والتي سبق مساهمتها في
الثورة العربية الكبرى مع الشريف حسين أو أسهمت بشكل فاعل في الجمعيات السرية التي
دعت إلى استقلال العراق وتحرر العرب من الدولة العثمانية. ولقد كانت أغلب عناصر
الجيش العثماني من الضباط ذوي الرتب الرفيعة في الجيش العثماني أو القوة الخاصة
العثمانية ذات الكفاءة والمهنية العالية المسمات بالجيش الانكشاري، أي مايعرف
اليوم بقوات الصاعقة أو الحرس الجمهوري أو الملكي.
وبعد فرط عقد الدولة العثمانية انخرط معظم هؤلاء الضباط في الجيش العراقي
وكانت لديهم مسبقا مواقف سياسية متأتية من مواقفهم في الثورة العربية الكبرى من
جهة وبسبب اعتناقهم لأفكار الجمعيات الوطنية السرية التي كانت تدعوا للاستقلال
والتحرر ووحدة ولايات الدولة العثمانية.
ونظرًا لأن السياسة العراقية كانت تمالي بشكل أو آخر سياسة بريطانيا
العظمى، فكانت بعض الحكومات العراقية غير جادة أحيانا بتنمية الجيش وتقوية قدراته
القتالية والتسليحية، ولهذا أججت بسبب ذلك مشاعر ضباط الجيش خاصة أصحاب الرتب
الصغيرة والمتوسطة الذين هم عماد الجيش ونواته الأساسية. اما العمل الفعلي لأحداث
"الثورة" فقد بدأ داخل الجيش منذ عودته من حرب فلسطين الخاسرة لما رآه
الضباط من عدم جدية القتال لدى الحكومة وضعف تسليح الجيش المرسل للقتال، وأن
للحكام دورا في ضياع فلسطين.
وهذا ما أنتج تنظيم الضباط الأحرار...
0 تعليقات