وفاة عيسى المسيح / ع
بقلم / نصير ال نصر السهلاني
يذكر القرآن الكريم أن عيسى ولدته مريم بنت عمران، وتعتبر ولادته معجزة
إلهية، حيث إنها حملت به وهي عذراء من دون أي تدخل بشري، بأمر من الله وكلمة منه .
وحكمة الله وإعجازه ، كانت لدى عيسى القدرة على فعل بعض المعجزات كسائر المرسلين
والأنبياء مع خصه بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بأذن من الله تعالى ...
من أغرب العقائد التي راجت بين عامة المسلمين، وأكثرها إساءة للإسلام
ولرسوله محمد ( ص ) هي عقيدة حياة عيسى بن مريم عليه السلام في السماء. فلقد تسربت
هذه العقيدة من المسيحية إلى الإسلام ولاقت رواجاً كبيراً ... كما يرفض الإسلام
فكرة الثالوث ، أن عيسى هو إله متجسد، أو ابن الله أو أنه صلب أو قيامة يسوع.
ويذكر القرآن أن عيسى نفسه لم يدعي هذه الأشياء . مسألة النزول واستمرار
الحياة في السماء لا دليل عليهما من القرآن الكريم مطلقا ...
كذلك فإن عيسى مسلم مثل كل الرسل في الإسلام، أي خضع لأمر الله ، ونصح
متبعيه أن يختاروا الصراط المستقيم ...
قال تعالى ...
• وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ( 156) وَقَوْلِهِمْ
إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا
قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا
فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ
وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ( 157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ
عَزِيزًا حَكِيمًا ( 158 ) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ
بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ( 159
سورة النساء ) ...
فإن ما ذكره الله تعالى في الآية الواردة أعلاه يؤكد نفي قتل الذي زعمه
اليهود وأقرهم عليه المنحرفون عقلا ومعتقدا من المدعين باطلاً . فقد نفى الله
تعالى قتل عيسى فقال عز من قائل وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم . فقد جزم
القرآن الكريم بأن عيسى ( ع ) لم يقتل ولا صلب كما زعم اليهود والنصارى ...
• إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ
وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ( 55 / سورة ال عمران )
...
هاتان الآيتان الكريمتان وردتا فيها مفردتين بل رفعه الله إليه ومتوفيك
ورفعك إلي ( رفعه الله ، ورفعك إلي ) وقبل الإجابة على هذا التساؤل لابد من الرجوع
إلي أصل معنى المفردتين وكيف تضبط هاتان المفردتان المتشابهتان ...
الرِّفْعَةُ : الشَّرَف وارتفاع القدر والمنزلة رِفعة الباشا / صاحب
الرِّفعة : من ألقاب التعظيم ...
رَفَعَ : (فعل)
رفَعَ يَرفَع ، مصدر رَفْعٌ ، رُفْعانٌ ، فهو رافِع ، والمفعول مَرْفوع
رفَعَ الشَّيءَ : أعلاه وطوَّله أو زاد فيه ، عكسه وضعه أو خفَضه ، رَفَعَ
النَّاسُ : أَصْعَدُوا في البِلادِ ... رَفُعَ فلانٌ رِفعةً ، ورِفاعةً :
ارتَفع قَدْرُه وشَرُف ... هذا ما جاءت به قواميس اللغة العربية ...
وأيضا يمكننا القول بأن المقصود من الرفع هو العمل الصالح الذي يرفع إلي
الباري عز وجل كقوله تعالي ...
• مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ
يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ
يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ
يَبُورُ ( 10 / سورة فاطر ) ...
أما ما يخص رفع الجسد الطاهر لنبي الله عيسى على ما أظن انه خارق إلي النظم
السماوية وأين نجد ذلك في قوله تعالي ...
• أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ
وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ
قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا ( 93 سورة الإسراء )
...
فأذن أن المعاجز الإلهية لها قواعد ومقتضيات وأسباب ومعطيات ... أو ترقى في
السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه . فإن أرادوا منه ذلك بما أنه
بشر فأين البشر من هذه القدرة المطلقة غير المتناهية المحيطة حتى بالمحال الذاتي،
وإن أرادوا منه ذلك بما أنه يدعى الرسالة فالرسالة لا تقتضي إلا حمل ما حمله الله
من أمره وبعثه لتبليغه بالإنذار والتبشير لا تفويض القدرة الغيبية إليه وإقداره أن
يخلق كل ما يريد ، ويوجد كل ما شاؤوا، وهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يدعي لنفسه
ذلك فاقتراحهم ما اقترحوه مع ظهور الأمر من عجيب الاقتراح .... ( مقتبس من تفسير
الميزان )
الذي أود قوله انه لا دليل قراني على صعود عيسى عليه السلام الي السماء مع
الملاحظة نحن لا نستطيع أن نجزم بذلك والله العالم ...
القرآن الكريم يصرح بكل وضوح أن المسيح قد ترك قومه بالوفاة ، وأنه منذ ذلك
الوقت لم يعلم ماذا حل بقومه ، ولم يعلم بأنهم قد اتخذوه إلها ... قد ذهبت بعض الآراء
عن النبي عيسى بأنه لم يمت وان مفردات التي وردت ( متوفيك ، يتوفى ، توفيتني والخ )
كما وردت في سورة الزمر بأن لها معاني عدة ومنها ( النوم بالليل والوفاء) والخ ولا
أريد أن أسهب كثيراً في هذا ، لذلك قالوا أنها لا تعنى الموت الحقيقي وأستدل البعض
بقوله تعالي ...
• اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ
فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ
الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ ( 42 سورة الزمر ) ...
• مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ
رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا
تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ ( سورة المائدة 117 ) ...
نرجع إلي ماورد في الآية 158 من سورة النساء ...
• حَكِيمًا ( 158 ) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ
بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ( 159 ) سورة
النساء ...
أيضا أضيف هاتان الآيتان الكريمتان وردتا فيها مفردتين
• وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ
أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ
عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ ( 144 سورة ال عمران ) ...
• وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ( 32 ) وَالسَّلَامُ
عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ( 33 ) ذَلِكَ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ( 34 سورة مريم )
...
استمرار حياة النبي عيسى ( ع ) لا دليل عليها من القرآن الكريم . وقد ظن
البعض أنهم بتمسكهم بحياة المسيح يدافعون عن الإسلام ومصداقيته ، ولكنهم في حقيقة
الأمر قد نحتوا هذا الفهم من عند أنفسهم ، وأدى هذا الفهم الى نتيجة عكسية أصبحت
خطراً على الإسلام ...
وأن الخلاصة بقوله تعالي ...
• كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ( 57 ) وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ ( 58 سورة العنكبوت ) ...
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين
الطاهرين، والحمد لله رب العالمين ...
٢٢ / ١ / ٢٠٢٠ ...
0 تعليقات