آخر الأخبار

نحو معرفة أخرى : رمزية الشيطان






نحو معرفة أخرى : رمزية الشيطان

على الأصولي


يمكن تقديم أطروحة للمفهوم الشيطاني الإبليسي، وأن اعتمدت بعض مقدماتها أو نتائجها على ذوق باطني بالتالي.

الشيطان في المعاجم العربية، هو كائن المبتعد عن الله تعالى، وكلما ازداد تسافلا بالشر والسوء فهو يشط عن الطريق ( لسان العرب، مادة شطن بتصريف مني ).

وإبليس فهو يصبح بعد آيسا من رحمة الله ومنه ابلس ( أقرب الموارد ).

وكيفما كان: أن هذه المخلوقات الكائنة ( على مستوى الشيطان أو أبليس) خلقت في قبال الملائكة لا في قبال البشر.

ومهمتها اختبار البشر والإيحاء إليهم لسلوك الطريق غير القويم،
والحقيقة أن مصدر الإيحاءات لا تخرج عن كونها نفسية موطنها الأصلي النفس الإمارة بالسوء، وبناء على هذه الحقيقة فلا يمكن إخراج الشيطان خارج نطاق النفس وعالمها العميق، نعم إن أدنى مستويات التسافل المعنوي وأعمق نقطة فيه في قبال التكامل، كفيلة بخلق الشيطان أو قل انقلاب الإنسان من كونه إنسانا إلى كونه شيطانيا فهو بهذا الفهم أدنى من الأنعام بل أسفل من أضل سبيلا،
فيكون وجود المتسافل، مستافل الدرجات هو نفس التحصص الوجودي للشيطان الابليسي، فإن كان مبدأ الشيطان هو النفس وعالم المفاهيم فيكون الإنسان المتسافل مصداقا خارجيا للشر والشيطان والنفس الإمارة بالسوء فسادا وإفسادا.

ليس للشيطان دخل في توريط الناس المباشرة وسلوك طرق الشر المتعددة في هذا العالم غايته الإيحاء لهم وتزين أعمالهم وليس عليهم من سلطان، إذن تقتصر مهمة الشيطان على اختبار البشر وكشف عيوبهم وأماكن ضعفهم تجاه الأموال أو الوجاهات أو النساء أو أي نحو آخر، بعملية سميت بلسان الدين باسم ( الوسوسة)

الشيطان أي كان، يتحمل جملة من العقوبات سواء لعصيانه أو لاغواءه، فهو بالتالي يستحق العقاب الإلهي، وبناء على أن العقوبة من سنخ الذنب، فلا عقوبة أشد عليه من الابتعاد عن الرحمة الإلهية، سواء كان هذا الابتعاد هو دنيوي أو أخروي بالنتيجة والمحصلة هو ابتعاد عن ساحة القدس، وهذا ما عبر عنه بأن مصيره جهنم ، جهنم البعد جهنم عدم النظر جهنم كنت نسيا منسيا،
كما لا يستلذ الملائكة بدخولهم للجنة لا يشعر الشيطان بالأذى كونه مخلوق ناري بناء على الفهم الظاهري للنار نار خلق الشيطان ونار جهنم، لان الجزء من الكل بالتالي، إذن ما جدوى ودخوله للنار أصلا ؟!

النار التي يدخلها الشيطان فهي تعبير عن الابتعاد عن رحمة الله من جهة ورجوع الأصل للفرع من جهة أخرى، أو قل أن جهنم هي المكان الطبيعي للشيطان ولا يمكن إيجاد غير النار لبعض المخلوقات كونها تنتمي إليه بشكل أو بآخر.

خذ مثلا الكنيف ما هي فائدته ؟ لم لا يكون البيت كله مكانا للكنيف؟! هل يمكن ذلك ؟!

الجواب إن مخلفات الإنسان مكانها الطبيعي هو الكنيف وأن لم تستعمل الكنيف ولم تهتم لأمره فإنك تساوى المخلفات مع وجودك النفسي والاعتباري ولا فرق بين ما أنت عليه وما يخرج منك !

فكذلك الشيطان مكانه الطبيعي هو جهنم وأي مكان آخر له فهو خلل في الموازين موازين الحكمة والعدل والاعتبارات وهو خلاف البيانات الدينية العامة ، ذهب جملة من المتصوفة وقولهم بالتفريق بين الشيطان وظلاله فالأول لا يعذب لأنه مجبر ومن مشى على خطأه في خط العذاب لأنهم في حالة الاختيار وهذا الطريق، وهذا المذهب لا يساعد عليه لا ظاهر الفهم ولا باطنه والكلام طويل في مظانه، لا شك بإن هناك ارتباط وجودي بين المخلوقات ككل، فالكل محتاج للكل ارتباطا وعلى حسب تعبير السيد الأستاذ المجموع متوقف على المجموع، ومن ضمن هذا المجموع هو وجود الكائنات المادية والمجردة بحسب رتبها الوجودية.

ومعلوم أن أبليس أحد أفراد الشيطان ومصداق من مصاديقه وعلى ضوء كبرى الارتباط المجموعي لا يمكن تصور العالم بلا شيطان،
غير أن هذا الفهم سوف يصطدم بأشكال كيفية تعقل وجود الشر كالشيطان من الخير المحض وهو الله،

نعم الأشكال تام بناء على القول بخلق العالم دفعه واحدة وبرتبة واحدة وبزمان واحد، كما هو مذهب عامة أهل الكلام،

ويسقط الأشكال، فيما لو التزمنا بالقاعدة الفلسفية ( الواحد لا يصدر منه إلا واحد ) ومنه تعرف بأن الصوادر أو الصادرات في آخر الرتب الوجودية وأدناها ليست من مسؤوليات المباشرة للصادر الأول، هذا إذا قلنا بإن الشيطان شر محض لا حظ فيه من خير،
والثابت في محله من الفلسفة بأن الوجود خير في نفسه ولذا نجد أن أبليس قد انتفع ردحا من الزمن واتخذ مسلك العبادة، إلا أن سقط في اختبار تكليف ( فاسجدوا لآدم ) !

وما زال الكلام في الشر الجزئي للشيطان لا الكلي الوجودي، لك ان تلاحظ قول الإمام زين العابدين(ع) في صحيفته وكيفية الخطاب ومنه تعلم إذ قال ( أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم ) وكان بإمكانه أن يقول ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) غير أن قيد ولم يطلق، قيدية الشر من جهة واحدة لا من كل الجهات،

بعبارة فلسفية ، بعد إيماننا بأن الوجود خير محض نسبة للحق تعالى بالإفاضة ولا شر إلا كونه عدم، عدم الكمال، ولا يقال أن النقص حاصل وهو مساوي للشر،

فهذا توهم ، إذ أن النقص الإمكاني غير غير الشر لاختلاف المقولات، فكما أن النار لا يتم كمالها بمنافعها لطهو الطعام فهي أيضا قادرة أن تحرق ثوب الإنسان، والإحراق راجع لنقص وعدم قدرة الثوب والصمود تجاه النار، وكيفما كان أن قلت بأن إحراق الثوب شر بالتالي،

فيقال ، أن الشر عرضي لا ذاتي ففي عالم التزاحمات والتضادات القهرية توجب فساد هنا أو فساد هناك، وهذا الفساد جاء في العرض لا بالذات،

وعليه فالشرور الصادرة من الشيطان هي نتيجة عرضية للشيطان لتخليه وعالم الكمال،

ومن هنا أجد أن الأثر الفقهي يمكن، استفادته من الإفادة أعلاه وهو أن الاستعاذة من الشيطان صيغتها هكذا ( أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم ) كما يمكن الاستفادة من قول ( فإذا قرأت القرآن فأستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) وقد بينا الفرق الدقي الفلسفي الباطني أعلاه فلاحظ.

وورد في الروايات بأن كبير الشياطين وهو إبليس سوف تكون نهايته الوجودية على الأرض في يوم الوقت المعلوم ، وذهبت السنة على أن المهلة تنتهي يوم القيامة ، بينما الاتجاه الشيعي ذهب إلى كون اليوم الموعود يأتي بعد قيام الدولة العادلة، وأن اختلفت الروايات ومن سوف يقتله.

ما بين قول الإمام المهدي(ع) وما بين القول بأن رسول الله (ص) هو المعني بقتله - طبعا لا يكون وهذا الفرض إلا بعد الرجعة - وكيفما كان، إن تصور القتل إما انه يحمل على المعنى المادي، أو على المعنى الرمزي، وعلى أي الاحتمالين فإن كان ماديا أي القتل فلازمه وجود كائن مادي متمثلا على هيئة ما ، ولا أقرب من التصور إلا كونه أشبه بالإنسان ظاهرا شيطان وإبليس وباطنا، وأن كان القتل معنويا، فلازمه أن إنهاء مادة الفساد والإفساد والآلة التي يتم بها قتل الشيطان من سنخها،

وعلى أي حال، لا يستقيم معنى القتل وما ذكرناه في هذه الأطروحة إلا على المعنى القتل المادي والتصوير الآدمي غايته متسافل الدرجات،

لا يقال أن أبليس من نار ولا معنى وتصويره آدميا ترابيا، فيقال أن التمثيل بالآدمية والتشبيه بها غيرها ، من قبيل أن الموت يتمثل في نهاية المطاف على شكل كبش ويؤمر بذبحه على أعتاب الجنة حيث الخلود، والكلام يحتاج إلى مزيد من التفصيل،

إذن وفق أدبيات الدين على المستوى المسيحي أو الإسلامي بأن للشيطان نهاية حتمية وهو يقتل على يد ( المسيح أو الإمام المهدي أو نبي الله محمد - صلوات الله عليهم- ).

ما أريد بيانه قبل الختام، ووفق هذه الأطروحة أن الشيطان هو نفس الإنسان ما قبل التكامل، فإن شاء طريق عدم التكامل وبالتالي التسافل ( إذ في أدبيات العرفان أن الوقوف على مقام ما، تسافل بلحاظ التصاعد الكمالي أو التكاملي، ومن وقف سيرجع قهقهري ) هكذا قرروا .

وعليه الإنسان قبل كماله شيطان، وبعد أن يكون إنسان فهو قابل للرجوع للشيطنة وعالمها فما استطاعوا مضيا، وهم في هذه المقامات التسافلية.

بالنتيجة، حسب الفهم العقلي وقواعد المنطق، أن الشيطان بصفته المخلوق والموجود الإمكاني، لا يخلو إما أن يكون وجوده كليا أو جزئيا ولا ثالث.

أما الأول، فهو يرجع للمفاهيم والمعاني الكلية التي لا حقيقة لها خارج مصاديقها،

وأما الثاني، لا مصداق له خارجا لا على مستوى المكان أو الجهة، وإلا دلوني أين الشيطان على الأرض؟!

ولا جواب إلا بالتزام النظرية أو الأطروحة الرمزية وإلى الله تصير الأمور.

إرسال تعليق

0 تعليقات