في ذكرى مدرسة الصبر
شخصية أم البنين بين
الواقع والأسطرة
عز الدين محمد
لقد تمّ –للأسف- تحويل بعض الشخصيات التي كان لها دور مهم في ثورة الحسين (ع)
إلى أقرب ما يكون بالأساطير التي يتم تثبيتها في الوعي كما لو كانت حقائق.
ومن ذلك ما حدث مع المرأة الصالحة الطيّبة أمّ البنين وهي أم العباس واسمها
فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر بن كلاب من بني عامر بن صعصعة.
كانت امرأة شجاعة ذات فصاحة ولسان، ومنطق بيان، ضحّت بأبنائها الأربعة في
واقعة الطف وهم: العباس وهو أكبر أشقائه وعبد الله وعثمان وجعفر"، فلم تضعف
ولم تهن، فكانت مثالا راقيا جدا للصبر وقوة الموقف يصعب أن تجدها عند النساء.
وقد ذكر الخطباء في شأنها قصصا كثيرة تعلّقت بوعي الناس رغم أنه لا أصل
لها، فمثلا روي أن أمير المؤمنين قال لأخيه عقيل وكان نسابة عارفا بالعرب: اختر لي
امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب؛ لأتزوّجها لتلد لي غلاماً فارساً. فدلّها
عليها، فخطبها وتزوجها.
ورغم اشتهار هذه القصة؛ إلا أنّها لا أصل لها.
كما ذكر من شأنها أنّها طلبت من الإمام علي أن لا يناديها باسمها فاطمة،
وعندما سألها عن ذلك قالت: أخشى أن يسمع الحسنان، فينكسر خاطرهما، ويتصدّع قلبهما
لسماع ذكر اسم أمّهما فاطمة.
وهذا كذب ولا أصل له.
ومما يكثر ذكره ما روي من دخول بشير بن حذلم الشاعر إلى المدينة ليخبر بقتل
الحسين (ع) كما يروي: .....
وإذا بامرأة تشق الناس سِماطين وهي
تحمل طفلا على كتفها وتقول: أفرجوا لي افرجوا لي، فانفرج الناس لها سماطين. فقلتُ:
من هذه المرأة المذهولة؟
فقالوا: هذه أم البنين.... أم
العباس وإخوته، فقلت: حُقَّ لهذه المرأة أن تُذهل؛ فلقد فقدت أربعة من الولد
كالأقمار، خشيت أن أخبرها بمصاب أولادها الأربعة دفعةً واحدة فتموت. فسألت عن
الحسين، فقلت: يا أم البنين، عظّم الله لك الأجر بولدك جعفر، فقالت: هل سألتك عن
جعفر؟ أسألك عن الحسين. فقلت لها: عظّم الله لك الأجر بولدك عثمان، فقالت: هل
سألتك عن عثمان؟ أسألك عن نورِ عيني الحسين. فقلت لها: عظّم الله لك الأجر بولدك
عون، فقالت: أسألك عن الحسين، فقلت لها: عظَّم الله لك الأجر بقَمر العشيرة العباس.
يقول بشر: انهدل كتفها وسقط الطفل التي كانت تحمله على الأرض، فقالت: يا
بشر، قطعت نياط قلبي أسألك عن الحسين، فقلت يا أم البنين: عظّم الله لك الأجر بأبي
عبد الله فشهقت شهقة ونادت: واحسيناه واحُسيناه واحسيناه.
والغريب أنّ هذا الخبر لا بوجد في أي مصدر وإن اشتهر بين الخطباء!! وعلى
كلّ، فمثل هذه القصص والمفاهيم تهدف أو تؤول إلى حرف الحدث من واقعه ومن دلالته
ليتحوّل أشخاصه إلى أشبه ما يكون بأبطال قصص أسطورية، للأسف.
وصارت الكثير من القصص توضع لتحرف القضية عن واقعها، فمن كانت لديه مشكلة؛
فما عليه إلا أن يقرأ سورة الفاتحة ويهديها لروح أمّ البنين لينفرج عنه ما يجد من
همٍّ أو ضيق.
0 تعليقات