النزاع على القيادة
علي الأصولي
إن أصل المشاكل التي دارت رحاها بين أنبياء الله ورسله مع أقوامهم ( ملوكهم أو كهنة معابدهم ) هي مشكلة الرياسة
والقيادة الروحية وبالتالي الطاعة ، بل والمشاكل التي جرت على أئمة الدين (ع) كانت
أيضا لنفس السبب ،
يمكن أن تأخذ مثالنا يصلح شاهدا في المقام ،
الكثير منا يعرف قصة نوح (ع) وقصة الطوفان وما حدث لابنه بعد العصيان ، ابن
النبي نوح (ع) ليس له مشكلة مع التوحيد ولا مع الموحدين في زمانه بل يظهر أنه
أحدهم علاوة على أنه ابن نبي ، لنتأمل هذه الآيات القرآنية أولا ،
بسم الله الرحمن الرحيم ..
( ونادي نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ..قال
سآوي الى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال
بينهما الموج فكان من المغرقين .... )
ونادي نوح ابنه ، ، ، ، ،
مع أن التقرير الإلهي النهائي أنه ليس من اهلك !!
فإذا كان أنه ليس من أهله لم ناداه بني !!؟؟
يمكن تقديم أطروحة في المقام لتوجيه المسألة
وحاصلها : أن المناداة يابني لا يمكن لنا أن نجزم بها في ذلك التاريخ إذ قد
يكون ناداه باسمه ، وعليه فهو لم يذكر أنه ابنه ولكن سياق الآية لا يساعد على هذا
الفهم بملاحظة ( يا بني اركب معنا )
قد يقال لا مانع بمناداته بالبنوة المادية الجسمانية وأن كان منقطعا عنها
اي البنوة الروحية التربوية ،
لكن هذا التوجيه لا يحل مشكلة لا اقل في التقرير الإلهي ليس من اهلك !؟
إذن كيف لنا أن نوجه هذه المسألة !
ببساطة ، إن نوح (ع) لم يكن ملتفتا إلى نية ابنه المبينة برتبة سابقة فهو
مع أهله ومع المؤمنين ظاهره الصلاح ،
ومن هنا كانت المناداة إلا أن جاء وقت الامتحان وإظهار ما تضمره النفوس
، فبانت حقيقته التي تحصن خلفها بظاهر
الإيمان ،
ولذا لنا أن نتوقف على الدلالة الرمزية ومعنى المعزل والمأخوذة من العزلة
وجذرها ( ع ز ل ) فهي تفيد لبيان المعنى
الدلالي لمعنى الصفقات السرية في الغرف المظلمة وسقائف المؤامرات وسقيفة بني ساعدة
عنا ليست بعيدة
بل وسقيفة الزوراء الأولى والثانية في مرمى البصر !
وما يعزز قناعتنا كون ابن نوح مؤمن ولو ظاهرا نفس السياق القرآني الناص على
إيمانه وهي آخر ورقة استعملها نوح (ع) بغية ثنيه عن قراره المهلك ( اركب معنا ولا
تكن مع الكافرين ) إذ لو كان كافرا لذكر النص والحوار ( ولا تكن من الكافرين ) فلاحظ
الفرق بين معهم ومنهم !
وهذا ما التفت إليه أيضا المفكر الراحل عالم بسيط النيلي في كتابه أصل الخلق
،
نعم على ما يبدو أن لابن نوح جماعة وسفينة خاصة وقد أبحر بها ولم يكن مع أبيه
مع أن الأب قد حذره من البحر وهيجان أمواجه ( أمواج الفتن ) إلا أن الابن لوح
بالجبل كخيار استراتيجي عقلائي ( والاستناد إلى ركن وثيق ).
لكن نوح (ع) كان يعلم مآلات النتائج فحذره ( أن لا عاصم اليوم من آمر الله )
ولو تلاحظ ( السين ) ( ساوي ) وليست
( سوف أوي ) مع ملاحظة ( وحال بينهما الموج ) تتضح أن المحاورة جرت على وجه السرعة
وهم في البحر وكان الجو ممطرا على ماذكرت القصص والينابيع والآبار تفور، بالتالي
لا يعقل أن أحدهم يسبح في عرض البحر في هذا الجو ويقدم إليه عرض مغري ويرفض !!
إلا اللهم كان في مأمن مؤقت وهو في حال المحاورة إلا أن جاءت الأمواج
العاتية ( وحال بينهما الموج ) وانتهى النزاع والصراع بين القيادة الحقة والقيادة
المنتحلة ،
والله أعلم ،
0 تعليقات