آخر الأخبار

هكذا تكلم اليعقوبى






هكذا تكلم اليعقوبى








محمود جابر

ربما يأتى اليوم أو لا يأتى، ولكن وجدت من المهم نشر هذه الخاتمة من كتاب " هكذا تكلم اليعقوبى "، وهى دليل على متغيرات لعلها لم تحن بعد ولكن أرى أنها حتما قريبة... من هنا فإن نشر خاتمة هذا الكتاب هو تواصل بينى وبينكم أيها القراء الاعزاء ...

الخاتمة 



نظرا لطول ما لحق بالعراقيين طوال حكم البعث البغيض، ووجود مشاريع إقليمية جاذبة ومستقطبة، وتوالى الظلم على العراقيين حتى بعد سقوط البعث، مما جعل الهوية العراقية على محك التجريف الشديد، والتنكر لأساسها العربي الإسلامي، وهذا ما جعل العديد من القيادات والكوادر يهاجرون شرقا وغربا خارج العراق، فى قطيعة من هويتهم وثقافتهم.

بيد أن اليعقوبى وارث المدرسة الرسالية الذي رفض فى أحلك الظروف أن يترك العراق عامة والنجف الاشرف خاصة، فهو الذي يؤمن بـأن " الهروب إلى بلد آخر ليس فيه من الشجاعة إذا كان يقدم نجاة نفسه على حساب استمرار الحركة الإسلامية الواعية إذا كانت الحركة متوقفة عليه. فالمكوث ومواجهة الظالمين هى الشجاعة".

فالحفاظ على الموروث الثقافي الإسلامي العربي عموما والعراقي بشكل خاص، كان وما يزال هو شغله الشاغل واهتمامه الذي لا يضاهيه اهتمام ولعل برنامج (( الدين الجديد)) الذي يقدمه المفكر الشيخ عباس الزيدى عبر تلفزيون النعيم هو واحد من أهم البرامج الثقافية التى تطلع بقضية هوية العراق الثقافية والتاريخية وما يربط العراق بقضايا قرآنية ومستقبلية، فما يقدمه سماحة العلامة هو غيض من فيض الشيخ اليعقوبى وبناء على توجهاته وباعتبار أن مرجعيته ليست من المرجعيات الكلاسيكية التي تعتمد على شخص المرجع دون غيره، ولكن جزء من الحركة الرسالية هي بناء الثلة المؤمنة والقيادة الجماعية الواعية .

هذا الاهتمام بالموروث الثقافي العراقي والإسلامي العربي، هو تأصيل لهوية العراق وربطها بمحيطها الإسلامي والعربي، وبالإبعاد المستقبلية فى الصراع الدائر فى الشرق العربي بين من يبحثون عن مستقبل مشرق فى دولة العدل الإلهي وبين من يصدون عن آيات الله ويبغونها عوجا.

لهذا فقد اليعقوبي الى الاهتمام الجاد بوضع الجاليات العراقية والعربية في الدول الغربية بوضع خطط وبرامج تسهم في حفظ الموروث الثقافي الإسلامي العربي عموماً والعراقي بشكل خاص في بلاد المهجر .

جاء ذلك لدى استقبال سماحته للكاتب والإعلامي المغترب الأستاذ محمد سعيد الطريحي صاحب مجلة (الموسم) المعروفة في مكتبه في النجف الاشرف، وقال سماحته إن الهوية الإسلامية والعراقية مهددة بالذوبان والتلاشي في بلاد الغرب مالم تتخذ خطوات سريعة وفعالة وبآليات تتناسب مع حركة التطور الحاصل للحفاظ على الهوية بكل أبعادها وخصوصياتها وما تحمله من ملامح.

فالحفاظ على الهوية العراقية يجب أن يتبلور فى صورة مشروع وطني بعيدا عن التخندق الطائفي مع ضرورة جمع المشتركات الوطنية لكل أطياف النسيج الوطني العراقي ونبذ الخلافات المستعصية؛ حفاظا على التماسك الوطني والتراب العراقي .

وهذا المنهج فى بناء الهوية الجامعة والحفاظ على الهوية العراقية نابعة من تعاليم آل البيت سلام الله عليهم التي عاشها صاحب هذا المشروع من خلال نشاطه الفعلي المتصدي لكل مشاكل الواقع العراقي، لا الذي هربوا منه، أو الذي اتخذوا من الدين مطية، فصدو الناس عن منهج آل البيت رغم ادعائهم بأنهم حريصين عليه، فخدمة المجتمع والتصدي لمشاكله من قبل المرجعية الرشيدة لا تعنى بحال من الأح تسييس العقيدة واتخاذها جسراً للوصول إلى الأهداف والمصالح الدنيوية مما يستفزّ الآخرين ويحشّدهم لمقاومة هذه الحركة المباركة، وهذه جناية يرتكبها الأتباع قبل الأعداء في حق هذه المدرسة المباركة والناس الذين سيحرمون منها.

فمن بقى بالعراق في ظل سلطة القهر والعسف والاستبداد، ورفض الخروج منها، ومن يبث البرامج والتوجيهات والدروس لتأكيد هوية العراق، بكل تأكيد يخشى على العراق من التقسيم والمشاريع التفتيتية، لهذا فقد انتاب سماحته القلق البالغ اثر دعوة بعض أعضاء مجلس محافظة صلاح الدين إلى إعلان المحافظة إقليما،خوفا على وحدة العراق أرضاً وشعبا، التي سعى الكثير من أعداء العراق وشعبه الأصيل الكريم لتمزيقها وتفتيتها بعناوين متعددة كالطائفية وتشكيل الأقاليم وأمثالها.

لهذا حذر سماحته منذ اللحظة الأولى من أن البعض يريد إدراج الأقاليم فى الدستور، تفجيرا للوضع وإدامة للصراع بين أبناء البلد الواحد كان رفضه الشديد للدستور المتضمن هذه المادة.

وحينما تحمّست بعض القوى المهيمنة على البرلمان لإقرار قانون تشكيل الأقاليم عام 2008، كان المعارضة لهذا المشروع محسوبة على سماحته، ولانه كان يؤمن ويؤكد على منح سلطة وصلاحيات واسعة للحكومة المحلية وبقاء العراق وحدة واحدة .

فسماحته يؤكد على إن قوة الدولة وعزة شعبها وكرامتها منوطة بوجود نظام سياسي قوي أمين في العاصمة، كما ناشد سماحته الناس والمسئولين فى المحافظات العراقية المختلفة أن لا يكونوا ممن يعمل على إضعاف العراق وتفتيت شعبه.


هذا المؤمن بالعراق ووحدة شعبه وترابه لم يكتف فقط برفض مشاريع الاقاليم، التي تنبع فى الغالب من ضعف الخدمة، ولكنه عمل بجهد ودأب على تقريب وجهات النظر بين الحكومة المركزية وممثليها وبين المحافظات وحكومتها مع التأكيد على الوحدة الوطنية بين الجميع.


وحدة العراق أرضا وشعبا، هو الخيار الوحيد فى فكر اليعقوبى ومدرسته الرسالية، وهذه الوحدة لا تقوم الا عبر الشراكة الحقيقية المنصفة للجميع، وأن التنازل مع شركاء الوطن ليس منة من أحد بل هو فرض واجب ديني ووطني مع تنازلات عن بعض السقوف العالية بغير حق، وان مشاريع التقسيم مرفوضة لأنها سوف لاتبقي شيئاً اسمه العراق وتدعهُ لقمة سائغة تبتلعها حيتان دول الجوار والقوى الكبرى، وان الشعب كله – عدا بعض أصوات النشاز المأجورين لأجندات خارجية – يقف وراء قواته المسلحة وكل مشروع وطني فيه عزة وكرامة العراق وشعبه .

ويمكن أن نلخص رؤية سماحته من خلال سؤالٍ عن المشتركات التي على أساسها يريد شيعة العراق بناء الدولة مع الآخرين مثل (السنة، الأكراد، العلمانيون، والأقليات)، أجاب اليعقوبي إننا ندعو إلى قيام الدولة على أساس المواطنة وان العراقيين جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات وهذا الأساس هو الذي يوحّد العراقيين ويذّوب التعصبات القومية والطائفية، والشعب العراقي بطبيعته يحب هويته الوطنية وركزنّا على هذا المعنى في خطاباتنا وذكرتُ أننا صرنا ننتظر فوز المنتخب العراقي ببطولة ما ليتوحد العراقيون بفرحة وطنية بعد أن فشل السياسيون بشكل مأساوي في حفظ وحدة العراقيين.

فسماحته يرى أنه على الجميع أن يكونوا جزءا فى بناء الدولة لأنهم شركاء فى التاريخ والجغرافيا والهموم والمشاعر، ولا استقرار ولا امن ولا ازدهار للعراق من دون الحالة التكاملية لمكوناته وان يحصل الجميع على استحقاقاتهم ويشعرون بكرامتهم ومواطنتهم ويجب حفظ حقوق الجميع في المشاركة في إدارة البلاد، والاستئثار والتفرد هو سبب الصراعات،ثم يقول – اليعقوبى - ولي خطاب شرحت فيه كلمة أمير المؤمنين (عليه السلام) في تحليله لسبب الثورة على الخليفة عثمان بقوله (عليه السلام) (استأثر فأساء الأثرة).

اليعقوبي في جوابه على سؤال آخر حول عدم مطالبة الشيعة بـ " حكم شيعي " كما يطالب الأكراد بتأسيس دولة لهم، اذا كان المقصود بالحكم الشيعي حكماً ينفرد الشيعة بإدارته ويكون مفروضاً على الآخرين فقد فهو مرفوض، وإذا كان المقصود به على أساس الفصل بين المكونات وتقسيم العراق وفرز مساحة يحكمها الشيعة وأخرى للسنة ونحو ذلك، فهذا مرفوض لأمور لان الشيعة بطبعهم يحبون التعايش بسلام مع الآخرين مهما كانت بينهم اختلافات دينية او مذهبية او قومية والشواهد التاريخية والحاضرة أكثر من أن تحصى، لاحظ مثلا عندما حصل التهجير القسري من محافظات شمال العراق بعد سقوط الموصل فتحت النجف وكربلاء أبوابها للنازحين من دون تمييز بين المسلم والمسيحي والآيزيدي، وهذه من الأدبيات التي تعلموها من ائمتهم (عليهم السلام).
القارئ لفكر اليعقوبى يجد انه يؤكد على مفهوم التعايش والتنوع، باعتباره مصدر غنى وسعادة للجميع أما التكتلات والتخندقات والتعصبات والتقسيمات فتذكي الكراهية والصدام والتقاطع مما يسبب هدر الطاقات والموارد والأوقات الثمينة، فتقسيم العراق لا يحل المشكلة وإنما يكون سببا لصراعات من نوع أخر قد تستعصي على الحل، باعتبار ان المختلفين حينما يكونون في بلد واحد وبرلمان واحد وحكومة واحدة فانه يساعد على الحوار والوصول الى الحل.


فاليعقوبى يعتبر أن الذين يتحدثون عن تخندق طائفى لا يعرفون العراق، لان الشعب العراقي بسنته وشيعته ومسيحييه متداخل ومتشابك العلاقات وليس منعزلا في كانتونات حتى يمكن تصور إمارات قومية او طائفية.

وهكذا يقول اليعقوبى بشجاعة:"ان الحال في العراق لن ينصلح إلا بوجود قوة مصلُّحة ومخلصة وشجاعة قادرة على إلزام السياسيين بمسؤولياتهم وطرد الفاسد منهم ولا يقدر على اداء هذا الدور غير المرجعية الدينية التي تملك زمام الأمور، اما ما نحتاجه فهو وجود إرادة مخلصة جديّة لدى السياسيين للإصلاح والتغيير نحو الأفضل، وحوار شفاف منفتح، وتغليب للمصالح العليا، والاستعانة بالخبرات والكفاءات في جميع المجالات لوضع خطط مدروسة وناجحة، ونهضة فكرية يشارك فيها العلماء والمثقفون والإعلاميون والكتّاب لتأسيس ثقافة صالحة لحياة سعيدة وإزالة العقد الفكرية والاجتماعية التي ساعدت على تأزيم المواقف، وأمور اخرى".

لافتا" إلى ان تفكك الصلات الوثيقة التي كانت بين مكونات الشعب العراقي لم تكن بسبب  عقائدي لان التنوع في العقيدة كان موجوداً ولم يؤدّي إلى هذا الانفصال وإنما بالصراعات السياسية وسوء تصرف السياسيين الذين وجدوا ان الشحن الطائفي والتخندقات القومية والمذهبية  تخدم مصالحهم وتطيل بقائهم في السلطة فأثاروا الخلافات واجّجوها ولازالوا يعتاشون عليها ومن ورائهم مصالح الدول الإقليمية والخارجية التي يدورون في فلكها وينفذون أجنداتها، وهكذا ذابت قيم التوحد والتعايش ونشأت على أنقاضها قيم الكراهية والعنصرية والتمزق وذهب ضحيتها الشعب المسكين الذي لم يحصد منها الا الموت والخراب."

إرسال تعليق

0 تعليقات