كل شيء بين الشمولية
والتخصيص
علي الأصولي
ذكر السيد الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (رض) في كتابه القيم - منة المنان
في الدفاع عن القرآن - ج١/ ما نصه :
أن القرآن يمكن أن يكون محتويا على اللحن بالقواعد العربية ومخالفتها
وعصيانها كما هو المنساق من بعض آياته ، وذلك لأن مقتضى قوله تعالى ( ما فرطنا في
الكتاب من شيء ) هو احتواء القرآن الكريم على كل علوم الكون ظاهرا وباطنا، ومن
المعلوم أن هذا الكون الذي نعرفه يحتوي على النقص كما يحتوي على الكمال ، وفيه
الخير والشر، وفيه القليل والكثير إذن فيمكن التمسك بإطلاق تلك الآية الكريمة على
كل ما في الكون بما نحسبه من النقائص والحدود ولا ضير في ذلك ما دامت هذه الصفة
تعد كمالا من حيث الاستيعاب والشمول واللاتفريط فكما يحتوي القرآن على الفصاحة
والبلاغة وهذه الصفة الأساسية فيه فقد تحتوي أيضا بل من الضروري أن يحتوي على ضدها
.. انتهى كلامه ( رض).
وفيه : مع أن هذا الكلام كبير ومن الجراءة بمكان لان يفيد بوجود اللحن في
مطاو القرآن واللحن هو الخطأ والميل على ما أفاد أرباب العربية ، ولي على ما أفاد (
رحمه الله ) مناقشة عامة ،
أولا : أن السيد أفاد في كلامه الإمكان على نحو الاحتمال بدلالة - أن القرآن يمكن
أن يكون محتويا - ومعلوم في مظانه أن التوسل بالاحتمال دليل فقد الدليل ، فلا
مستند له وأن حاول أن يقرب الاحتمال بكبرى مسلمة وهي النقص الكوني .
ثانيا : أن التسليم بما أفاد يلزم منه التسليم كبرى حاكمية اللغة على القرآن وهذا
لم يذهب إليه أحد حسب حدود اطلاعي .
ثالثا : مع التنزل بوجود اللحن القرآني إلا أنه (رحمه الله ) لم يمثل له بآية
واحدة لدعم مدعاه .
رابعا : ما فرطنا في الكتاب من شيء ، لا تفيد الإطلاق بلحاظ المتعلق فهو من قبيل
اللفظ العام الذي يراد منه الخصوص ، وهو غير عزيز في للغة العرب نحو قولنا أن المائدة
- مائدة الطعام - فيها كل شيء - لا يعني وجود أشياء خارج عن سنخ الطعام ومنه تعرف أن
كل شيء القرآن هو ما يخص الهداية ونحو ذلك .
خامسا : إن إقحام النقص في الكون - كبرى - وتطبيقه على القرآن - صغرى - بلحاظ
اللحن يبدو لي انه من سهو قلمه الشريف ، فالنقص كبرى أو صغرى من الأمور العدمية
والعدم لا شيء بحسب العرف والفهم الفلسفي ... فلاحظ
بالتالي لا يمكن وصف اللاشيئية وحسبها تساوق الشيئية في مطاو القرآن الكريم
برتبة الوصف الوجودي .
سادسا : أن ما ذكره بوجود النقص الكوني وعده كمالا ( رض) خلاف ما قرره الفلاسفة الإلهيون
بأن الشرور ومنها النقائص عدمية وأن وجدت فهي من باب المزاحمة ، وكيفما كان لم
يعدوا النقائص من حصة الكمال !
سابعا : على ما ذكر أحد السادة لو كان معنى شيء هنا كما أفاد الأستاذ الشهيد
لكان نفس معناه الذي ورد في ألواح موسى (ع) وهذا يعني ان شريعة موسى تحتوي كل شيء
والتالي باطل فالمقدم مثله ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ
مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ
يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ) (145)).
0 تعليقات