آخر الأخبار

قراءة في الفكر الإلحادي إله الفجوات





قراءة في الفكر الإلحادي
إله الفجوات


عز الدين محمد

طرحت للنقاش مسألة أخذي حيّزا هاما من السجال الإيماني- الإلحادي، واشتهرت وعرفت باسم "إله الفراغات أو الفجوات" God of the gaps . ويعني أنّ الإيمان بوجود الله يرجع في حقيقته إلى وجود نقص أو فجوة في المعرفة العلمية، فالشيء الّذي لم يفسره العلم، فإن الإيمان بالله هو الّذي يفسّره. وهذا أمر قديم، فالإنسان عندما لا يعرف سبب ظاهرة ما ولا يعرف تفسيرها فإنه يفسّرها بأنها من الله أو من الآلهة، لكن إذا عرف تفسيرها فإنه يعزوها إلى سببها الطبيعي.


فمثلا كان الإنسان يعزو ظاهرة البرق والرعد أو الفيضان إلى الله، وكما يتصوّر أن سبب نزول المطر هو إله المطر مثلا، أو ملائكة يقومون بذلك. لكن عندما عرف الإنسان سببها الحقيقي؛ لم يعد بحاجة إلى أن يفترض وجود الله.

كثير من المؤمنين يعتقدون بأن الأفضل أن تبقى الفجوات حتى يكون هناك مكان لله، أو داعٍ لافتراض وجوده!! إلا أن الأمر ليس كذلك، إذ مع تطور العلم؛ فلن تبقى هناك فراغات ليختبئ فيها الإله!!

أي إنّ الإيمان بوجود الله ليس حقيقة، بل هو مجرد فرض تسد به ثغرة علمية. فعندما لا نكون قادرين على تفسير شيء ما فإننا نستعين بوجود الله، ومع مرور الزمن وعندما ينجح العلم في سدّ هذه الثغرات ويتمكّن من تفسيرها علميّا؛ فإن فكرة الله ستضعف الحاجة إليها إلى أن تختفي تماما.


إلا أن هذا الطرح يمكن أن يفهم بشكل معاكس، وذلك بمعنى أنّه يثبت حاجتنا لله، فالعلم لا يعرف كلّ شيء، ولا يمكن أن يعرف كلّ شيء. وبالتالي ستبقى هناك فجوات علمية، بل هناك أمور يقف العلم عاجزا أمامها، وهذا ما يثبت حاجتنا للأيمان بالله.


إلا أني أعتقد أنّ من الخطأ تصوّر أنّ الاعتقاد بأن كون الإيمان هو سدّ ثغرات فحسب يعني أنه شيء زائد يمكن أن يُستغنى عنه. وهذا ما يعتقده المؤمن فيرفض هذه النظرية تبعا لذلك، وهو ما يفهمه الملحد أيضا فيراه لصالحه، لأن تطور العلم كفيل بتصفية هذه الفكرة. إلا أن الأمر ليس كذلك، فكلّ فكرة هي سدّ ثغرة، وكونها كذلك لا يعني أنها فكرة زائدة ليس هناك حاجة لوجودها، بل على العكس فهو يدل على أهميتها ووظيفتيها. إنّ الاعتقاد بالله هو فعلا سدّ ثغرة، فإذا رفعنا هذا الفرض فإنه سيترتّب على ذلك نقص في فهم الوجود، لذا لا بدّ أن نفترض وجود الله.


طبعا فلسفة العلم الآن ترفض تصور فكرة أن العلم سيصل إلى درجة معرفة كلّ شيء، فمقولة أنّ العلم يستطيع أن يشرح كل شيء مقولة لم يعد تصديقها ممكنا، وكما قال بيتر مدور : لا شيء يفقد الثقة في العالِم قدر تصريحه بأنّ العلم يعلم أو سيعلم كل شيء.

كما إن مفهوم الحقيقة تغيّر عما كان عليه من قبل، فالحقيقة لم تعد شيئا جاهزا يصل المرء إليه وقضي الأمر. هذا فهم قديم، بل إنّ العلم هو كشف مستمرّ، فما يبدو الآن علما سيغدو جهلا، فالعلم ليس مجرّد تراكم معلومات بل هو صيرورة مستمرة، لذا لا يمكن أن نصل إلى نهاية تجعلنا نقول: لم يعد هناك شيء يمكن أن يكشف بعد الآن!!

ومعنى هذا أننا سنبقى في حاجة للاعتقاد بوجود الله.

إرسال تعليق

0 تعليقات