النقد العلمي
للعلمانية العالمية
علي الأصولي
العالم اليوم عبارة عن علماني الهوى والمزاج والتفكير، بل والتطبيق ،
ذكرت فيما سبق بأننا في العراق تحديدا نواجه نوعا من أشرس أنواع الاحتلال ،
وهو ما استطيع تسميته الاحتلال الحضاري ، فقد نزل الاحتلال الحضاري بثقله الكفري
العسكري والاستخباراتي والاقتصادي والقيمي والثقافي في العراق فكان بالمحصلة
احتلالا حضاريا لم يشهد له التاريخ المعاصر للعراق من مثيل، حجج أرباب السياسة
الأمريكية وصناع قرارها هي لا تتعدى الحجج السياسية البرغماتية في طبيعة نزولهم
الغير مرحب به في العراق ، ولكن في عقيدتي وما املكه من دليل من خلال المتابعة المتأنية
والقراءة العامة لطبيعة الإدارة الأمريكية وللوبياتها الصهيونية اجزم وبضرس قاطع
بإن حجة الاحتلال لا تتعدى كونه تنفيذا لمخطط ديني متشدد على نحو الشراكة بين
اللوبيات الإنجيلية المتطرفة واللوبيات الصهيونية المتشددة ، لغايات ليس هنا مقام
لاستعراضها ،
ما يمكن أن يقال وهذا الموضوع ان طبيعة الاستعمار خلع ثوبه وارتدى للباس
آخر وأن كان من نفس القماش فكانت العلمانية العالمية، فكان الاستعمار الفكري
الثقافي الذي مورس بطريقة مباشرة في ما سبق بيد المنتصر هو الآن بيد بعض أبناء
الداخل وهذا ما نشاهده بوضوح في الكثير من المواقع ذات الصلة ،
والمشكلة أن المنظومة الفكرية التبشيرية التي وظفها أغبياء وأدعياء
العلمانية لم يتم أخذها وطرحها كما هو المعمول به في معاقل العلمانية حيث احترام
الآخر والحيادية في التعاطي مع الأحداث وتقديم رؤية خالية من العقد النفسية ،
بل تم طرح أسوء وأقبح الوجوه المتصورة للعلمانية بمعزل عن محاسنها أن وجدت
لها محاسن أصلا،
امتزاج الغباء مع الجهل عند أدعياء العلمنة جعلتهم يخسرون المراهنة في أول
جولة لهم في الواقع والمواقع، مع ان خصومهم المتأسلمين في الجملة لا يقلون بلاهة
في التعامل مع إدارة الأزمة بصورة احترافية ،
الدعوة إلى حصر المرجعية الثقافية والقانونية وربطها ومخرجات الغرب مع
اختلاف الثقافات والطبائع والأمزجة والعادات والأعراف واستبعاد القيم الدينية من
خلال الحفلات الشتائمية والتهكمية جعلتهم في واد والمتلقي في واد آخر،
وإلا المراقب الرافض للإسلام السياسي وتجربته لا يمكن خداعه بترك الجمل
القيمي الأخلاقي بما حمل تحت ضغط التذمر من فشل الإدارة والحكم بيد خصوم
العلمانيين ،
لا اقل فإن رفض الإسلام السياسي لا يلزم منه رفض الإسلام القيمي الأخلاقي
التاريخي فأي بلاهة أوقع أنفسهم بها أدعياء العلمنة ومتطرفوها،
المسلم الواعي يعرف جيدا بإن سبب تخلفه عن الركب لا تعاليم السماء ولا
عقائدها، بل يمكن حصر كل ذلك بالإدارة والحكم وعدم التخطيط الاستراتيجي في ظل فساد
مستشري في مفاصل الدولة ، هذه هي أسباب كل المشاكل وليس منها الإسلام، العلمانية
المتوحشة تتبنّى أكثر المقولات الاستشراقية افتراء على الإسلام كربط تخلف المسلمين
بتمسكهم بالدين ، وكأن أقطابها لا يقرؤون لا التاريخ ولا الوحي ولا التراث ، بل هم
مطلعون على كل هذا لكن بقراءة تبعيضية نصفية متحيّزة لا مكان فيها للموضوعية أو
الأمانة العلمية ، لذلك لم تُجدهم هذه القراءة في شيء لأنهم ضحايا مزاعم القراءة
المعاصرة للقرآن ، فمنهم من ينكر الوحي أصلا ومنهم من يدعو إلى قراءة نصوصه قراءة
علمانية أي قراءة موجهة ليتلاءم مع الفكر الغربي العلماني ، لذلك يرفضون تراث جميع
الفقهاء والعلماء والمفكرين القدامى والمحدثين لأنهم جميعا متمسكون بالدين في
قراءتهم واجتهادهم بينما يرفض العلمانيون ذلك.
نعم أيها السادة إن هذه العلمانية المتبجحة بالعلم لا تستحي من التناقضات
الواضحة التي تتحرك في أرجائها ، فهي ترفض أن يتدخل الدين في نقد الأعمال الأدبية
والفنية لكنها تبيح لنفسها نقد الدين والوحي والأخلاق والمتدينين والعلماء ، ترفض
المقدس الديني وتصف بعض العبادات كالطواف بالكعبة بالوثنية ولكنها تقدس أتاترك ،
وتضع مراسيم دقيقة وطقوسا ملزمة لتعظيمه ، تتبنى الحرية كقيمة إنسانية مطلقة لكنها
تأبى أن ينعم بها غير العلمانيين ، والذي تؤمن به هو حرية الهدم لا البناء ،
إن غلاة العلمانيين العرب أصحاب أمراض فكرية مستعصية وأصحاب أهواء لا تترك
مكانا للمبادئ والقيم النبيلة ، صرّح أكثر من واحد من أقطابهم أنه يرفض الشريعة
لأنه لا يستطيع الامتناع عن تناول الخمر ، وخلاصة تأصيل المدرسة الأركونية أن
الفكر الغربي المعاصر يمثل نهاية التاريخ وعلى الاسلام أن ينصهر فيه كلية ليبقى
مقبولا ، وهذا هو التجديد الذي بشّر به أركون طول حياته و تروّجه العلمانية في
المنطقة بتمرّدها على الدين والأخلاق
والشعوب ، وتصبح عدوانية ضد الآخر،
العلماني العربي بصورة عامة والعراقي بصورة خاصة إنسان متغرب متخلف فَقَد
اعتباره لذاته ، يخجل من انتمائه ويزدري ذاته ولا يستطيع مواجهتها ، يُعجَب بقاهره
فتظهر حالات التزلف والانبطاح أمام المحتل والدكتاتور والظالم ، يجرّ عُقَد النقص
ويعجب بالمتسلط ويستسلم له في تبعية كلية عمياء ، والطامة أنه لا يكتفي بذلك بل
يريد تعميم هزيمته النفسية وتبعيته الفكرية على الأمة كلها ، إنه إنسان مزيّف
يتظاهر بأنه غربي متحضّر بينما يحمل عقلية عبد من العبيد ، وخلافه ليس مع ما يسميه
” الإسلام السياسي ” بل هو مع الإسلام كما أنزله الله تعالى ، لا يقبل الدين – إن
قبله ظرفيا وتكتيكيا إلا كبنية ثقافية لها مرتبة أي إنتاج بشري ،
لذلك يحب الفكر الارجائي الذي يُخرج العمل من الايمان ، و يتسامح مع
الصوفية خاصة المتطرفة التي حوّلت الدين إلى ترهات وشطحات فكرية وسلوكية ، هذا ما
يمكن بيانه على في هذه العجالة ومن الله
التوفيق،
0 تعليقات