آخر الأخبار

خطبة الشيخ






خطبة الشيخ



محمد بكري


تدور الأحداث حول محور وحيد هو تقدم الشيخ الأزهري علام الجيزاوي لخطبة إحسان، المرأة المتعلمة تعليمًا مدنيًّا وتعمل معلمة، ويصيبها التردد إزاء القبول أو الرفض، ومن ثم تلجأ إلى صديقتها ببعض الرسائل كي تستشف رأيها، كما تتحاور مع والدها عبر رسائل أخرى من دون أن يفرض عليها رأيًا. وبدوره يتشاور علام الجيزاوي مع صديقه زهران فتح الباب، طالب مدرسة القضاء الشرعي (القسم العالي)، ثم تنقطع الرسائل فجأة قبل حسم قرار إحسان بالموافقة أو الرفض، وقبل الإجابة عن كثير من الأمور المعلقة بالرسائل المتبادلة بين الأبطال جميعًا.

تقدم الرواية ما يمكن القول إنه تصورات طه حسين نفسه بشأن المتوقع من تصرفات وآراء الشخصيات، فإحسان امرأة متعلمة مثقفة منفتحة الأفق على قضايا المرأة وحقها في التعليم والعمل واختيار الزوج ومناقشة الأب، والخطيب علام الجيزاوي شيخ أزهري منغلق التصورات يتسم بالانتهازية وينتقد سلوك إحسان وعائلتها لكنه يرغب في الزواج منها طمعًا في ثروتها، وصديقه أكثر انغلاقًا منه ويحذره من الزواج ممن قد يكون التعليم قد أفسدها.

وعلى النقيض، فأسماء صديقة إحسان مفرطة في التحرر، وتحذر صديقتها من مؤسسة الزواج، ومن الاقتران بأزهري قد يغل حريتها ويقهرها ويلغي رأيها وإرادتها، فيما يمثل الأب سيد رحمي والد إحسان الوسطية، حيث يوازن بين إفساح الحرية لابنته في التعلم والعمل والقدرة على اتخاذ قرار، وبين رغبته في إتمام زواجها بسلام من رجل يبدو له ملتزمًا دينيًّا.


مؤشر الصراع الذي تبرزه الرسائل يشي بأنه لا يزال في حالة الصعود حتى الرسالة الأخيرة، الخامسة عشرة، فحيرة البطلة لا تزال متأججة، وهواجسها إزاء الأزهري المتزمت تكبر يومًا بعد يوم، كما أن الحيلة التي اتفقت مع صديقتها عليها لم يتم تنفيذها بعد، وهي أن تخبر إحسان خطيبها “بالكذب” بأنها ستتنازل عن ثروتها كاملة، كي ترى رد فعله من إتمام الزواج منها أو زهده فيها، وقد انقطعت الرسائل قبل اكتمال هذه الخطة.

التقنية الجديدة في كتابة الرواية (أسلوب الرسائل)، التي اعتمدها طه حسين من الأدب الفرنسي آنذاك، لم تعصمه من بدائية تلبيس الشخصيات جميعًا معطيات روحه وأفكاره هو، وإنطاق الشخصية أحيانًا بما لا يتسق معها معرفيًّا وفكريًّا ولفظيًّا، إلى آخر هذه السمات التي شابت الروايات العربية الأولى التي كانت مرآة لنقل ما يخص المؤلف نفسه.

في هذا الإطار، من الصعب للغاية تصور أن يترك طه حسين النهاية مفتوحة على هذا النحو، وألا يُعالج الكاتب المحور الوحيد للرواية بمزيد من التوضيح أو الحسم، كما أن الرواية بهذا الشكل قصيرة ومبتسرة، لا تزال في طور النمو، وأغلب أطروحاتها وتساؤلاتها المنثورة بالرسائل لا تزال معلقة، الأمر الذي يجعل فرضية أن الرواية لم تكتمل هي الحقيقة شبه المؤكدة، خصوصًا في ظل انشغال طه حسين بدراسته الجامعية، وابتعاده عما سواها في هذه الفترة.

“خطبة الشيخ”، مشروع رواية حديثة الشكل، غير مكتملة البناء والأداء الفني، تطرح قضايا مجتمعية تنويرية، وأفكارًا طليعية مجردة وعميقة بخصوص التعليم والعمل والحرية وحقوق المرأة وفساد شيوخ الأزهر، في فجر النهضة المصرية منذ قرن من الزمان..

نقلا عن : جريدة المدن

إرسال تعليق

0 تعليقات