آخر الأخبار

حديث الكساء بين الحقيقة والوهم





حديث الكساء
بين الحقيقة والوهم



عز الدين محمد


حديث الكساء حديث معروف يذكر فيه أن النبي (ص) دخل بيت فاطمة وهو متعب، فتدثر بكساء يماني فجاءه الحسن والحسين فدخلا معه، ثم جاء علي وفاطمة ( عليهما السلام) فدخلا معه، فنزلت عليهم آية التطهير ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)،)، وعندها قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهبْ عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ فلم يسمح لها بالدخول وقال لها: إنك إلى خير..


وفي هذا الحديث كرامة عظيمة لآل بيت النبوة (ص) رواها المحدثون على اختلاف مذاهبهم ومناهجهم. إلا أن الحديث المشهور الآن على الألسن الذي صارت العادة ان يقرأ في المساجد والحسينيات يوم الاربعاء والذي ورد فيه: فقال الله عز وجل: يا ملائكتي ويا سكان سماواتي إني ما خلقت سماء مبنيّة ولا أرضا مدحيّة ولا قمرا منيرا، ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور، ولا بحرا يجري، ولا فلكا يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء.


ثم اختتمه بما يأتي: فقال على لأبي: يا رسول الله أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله؟ فقال النبي (ص): والذي بعثني بالحق نبيا واصطفاني بالرسالة نجيّا، ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا إلا ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة، واستغفرت لهم إلى أن يتفرقوا. فقال على عليه السلام: إذن والله فزنا وفاز شيعتنا ورب الكعبة.....


الخبر بهذه الصيغة كذب قطعي، ولم يروه أي من المحدثين، وأول من ذكره الطريحي المتوفى سنة 1085 هـ في كتابه "المنتخب" عن جابر الأنصاري المتوفى سنة 78 ه وبينهما كما ترى أكثر من ألف سنة بغير سند، وهذا كاف لبيان قيمته علميا، فضلا عما في متنه من نكارة.


وإنه لأمر عجيب أن يقرأ هذا الحديث دون أن تجد من ينتقده أو يرفضه بشكل صريح حتى يعتقد الكثير من الناس أنه حديث ثابت! نعم، أصل حديث الكساء ثابت، لكن ليس في هذه الزيادات، فقد روي عن أم سلمة أن النبي (ص) جلّل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهبْ عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: إنك إلى خير.

وفي خبرٍ: ...... فألقى عليهم النبي (ص) كساءه ثم رفع يديه ثم قال: اللهم هؤلاء آلي فصلّ على محمد وعلى آل محمد وأنزل الله عز وجل: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).


ورواه بهذه الصيغة أهل السنة، وكبار محدثي الإمامية كالكليني، والطوسي، والمفيد، والطبرسي، وابن شهر آشوب وغيرهم.

وقد نبّه المحدث الشيخ عباس القمي على أنه ليس له وجود قبل كتاب " المنتخب"، فقال في كتابه (منتهى الآمال) حول الحديث الشائع، وقال: أما الحديث المعروف بحديث الكساء الشائع في عصرنا بهذا الشكل فلم يلحظ في الكتب المعتبرة المعروفة وأصول الحديث والمجامع المتقنة للمحدثين. وجاز لنا أن نقول: إنه من خصائص كتاب "المنتخب".

والمؤلف وإن كان عالما فاضلا زاهدا، إلا أنه متساهل جدا في الرواية على طريقة كثير من اهل الزهد ممن يغلب عليهم الطيبة كما هو معروف من شأنهم، وعموما فإن كتابه هو من أهم كتب الأكاذيب والوضع في القضية الحسينية. ولهذا ان الشيخ عباس القمي لم يذكره في كتابه مفاتيح الجنان إلا أن الطبعات المتأخرة اضافته رغم انه دعا على من يضيف على كتابه شيئا لم يكتبه، فقال كما هو موجود في الطبعة الفارسية: ... وأفوّض وأسلّم من يريد أن يتصرّف في كتاب مفاتيح الجنان إلى لعنة الله القهّار، ولعنة رسوله والأئمّة الأطهار “ع”». [مفاتيح الجنان، الطبعة الفارسيّة: ص572].

نعم ورد الحديث مسندا في هامش كتاب "العوالم" تأليف الشيخ عبدالله البحراني عن السيد هاشم البحراني إلا أن السند المذكور فيه اشكالات كثيرة، حيث ذكر في الهامش المذكور أن هذا السند وجد بخط السيد هاشم االبحراني، وهذه الطريقة في نقل الحديث تسمى "الوجادة" اي ان يقرأ شيئا مكتوبا ولا يسمع الحديث مباشرة، وهي طريقة ضعيف جدا لتحمل الحديث، فضلا عن أنّه يوجد في السند القاسم بن يحيى الجلاء الكوفي وهو غير معروف، فيكون الحديث ضعيفا قطعا. هذا مع العلم والغريب أنه لم يأت له ذكر في كتب البحراني رغم اهتمامه بذكر الأخبار الغريبة ورغم امتلاء كتبه بكل شاذ وغريب.

مع أن وجود السند في الهامش بحد ذاته يثير الشبهة، لوجود احتمال بكونه أضيف لاحقا إلى الكتاب. والنتيجة ان الصيغة التي تقرأ في المساجد والحسينيات والمساجد هي صيغة موضوعة، ولا أصل لها لا في كتبنا ولا في سائر كتب الفرق الإسلامية.

إرسال تعليق

0 تعليقات