إسفاف القيمة وتعرى
الكلمة ...
محمود جابر
فى جلسة ودية مع بعض الأصدقاء تناولنا فيها الدراما التلفزيونية، والأغنية
بشكل عام والأغنية الشعبية ... وكيف أنهم
أصبحوا يعانون الحرج البالغ حين يجلس احدهم مساء مع أسرته وأبنائه لمشاهدة الدراما
التلفزيونية التى لم تعد مادة للتسلية والترويح عن النفس ولكن استخدام الألفاظ
النابية والخادشة للحياء أصبح أمر زائد عن الحد بقدر يخجل منه رب الأسرة إذا ما
جلس أمام الشاشة الصغيرة هو وأسرته فى أمسية ليلية ...
وكذلك الأغنية والاكثر سوء أغاني المهرجانات..
وللعلم هؤلاء الأصدقاء ليسوا ممن يتابعون أخبار الفن، ومهرجانات السينما ،
ومسرح مصر كنموذج !!!
حيث أنهم بعض من معلمي الأزهر الشريف وجميعهم يكتفي من موضوع الدراما على
ما يشاهدونه من مسلسل يومي أو عدة مسلسلات بعد أن يعودون من أعمالهم الإضافية بعد
اليوم الدراسي ...
مسرح مصر :
ابتكر الفنان أشرف فهمى شكلا فنيا يقدم على أحد القنوات المصرية أطلق عليه "
مسرح مصر" ....
وكانت الفكرة فى كشف مواهب جديدة وتقديم لون جديد للمسرح الذى لم يعد له
جمهور ولا يقف ورائه منتجين جعل المسرح يعانى أزمة خانقة تدفعه للانهيار ... ولكن
المهتمين بالفن والمسرح ربما فرحوا جدا بهذه الفكرة، والجميل فيها أنها سميت مسرح
مصر ولعل الفكرة اعتبرها البعض - مثلى - أنها إحياء وتحفيز لإحياء المسرح ...
ولكن لم يلبث وقت طويل إلا وتحول هذا البرنامج الى أحد الأشكال البهلوانية
فى تقديم الاسكتشات ..... فهذا اللون المقدم الآن تحت هذا الاسم لا تعتمد على نص
مسرحي محكم .... أو سيناريو لمسرحيه تقدم قصه أو مفهوم أو رؤية واضحة. بل هى مجرد
اسكاشات لفظيه فقط تعتمد على الارتجال .... والتلاعب الفظي بكلمات .. وألفاظ. بذيئه.
تصل أحيانا لخدش الحياء وكأننا نجلس داخل .. غرزه ...أو مستنقع .. للألفاظ البذيئة
.........
مهرجانات السينما :
كان مهرجان القاهرة السينمائي واحد من أهم فاعليات الإبداع الفنى التى كنا
نشاهد أعمالها ونطمح الى الأفلام التى سوف تعرض فيه ... من حيث تقنية التصوير
والقصة والسيناريو والممثلات والممثلين المبدعين وأدوارهم وهكذا كما هى عادة
متابعة مثل هذه المهرجانات ...
ولكن واستكمالا لحالة الإسفاف والبذاءة وعرى الكلمة وسفاف القيمة ان يحول
مسرح مصر الى عمل بهلوانى بذئ وتتحول كلمة القاهرة الى مسابقة فى الملابس الأكثر
خلاعة وكأننا أمام مهرجان لمصممي الأزياء الحديثة أو الأكثر تعرى ...
على الرغم أن مهرجان كان وغيره لم نرى فيه سوى مبدعين لا يهتمون بما يلبسون
بقدر ما يهتمون بماذا يعرضون من عمل ابداعى وفنى وقيمى وفقا لأصول الإبداع
السينمائى وليس ديفيلية للملابس النسائية دون ان يضع الكتاب والنقاد والمبدعين
يدهم ويشيروا إلى جودة العمل الفلانى أو روعة تصوير الفلان العلانى ولكن ... الحديث
حول فستان رانيا .... ولباس منى ... وأندر وير سامية ...
أرجوكم هذا الانحطاط هو جزء من أزمة كلية نعيشها وهى أزمة تسليع الإنسان
والقمية واستعراض الأشياء المادية المثيرة للغرائز والشهوات لا المواد المادية
التى تحمل قيم وإبداع وتخطب العقل والوجدان ...
ولكن هذا الاستثمار فى الجسد بدلا من الاستثمار فى المنتج الابداعى، فهذا
عرى عقلى وإسفاف فى التعاطى مع القيم الإنسانية ....
ومن المسرح ومرورا بالمهرجان السينمائى صولا للكلمة والغناء حتى نصل الى
الحالة الأكثر إسفافا وهى المهرجانات ... هذا اللون الغنائى الجديد الذى أخد طابع
العشوائية فى الكلمة وفى اللحن وفى الصوت أو الأداء، وانا لست مع رقابة الرقيب مع
هذا اللون او غيره ولست مع مبدا "دعه يعمل ده يمر"، فكما ان واجب
المجتمع دعم كل ابداع وكل فن، على الفن والإبداع ان يتسع ويتقبل النقد والتطور حتى
يتحول الى قيمة حقيقية تعلو بالمجتمع، ويكون بالفعل أداة تعبير حقيقية عن وجدان
الفنان كلمة ونص وموسيقا وأداء، وإلا تحول الى قيمة تجريبة لا تحمل قيمة بل تحمل
هدما وتعزز تجربة العشوائيات الابداعية، رغم انى لا أؤمن بهذا المصطلح .
ورغم كل سلبيات المهرجانات الا أن تجربة حسن شاكوش وعمرو كمال فى أغنية
" بنت الجيران" تجرية تستحق الالتفاف والاهتمام، و أن هناك إبداع يمكن أن
نسمعه من خلال اغانى المهرجان .
0 تعليقات