السلفية الأصولية
وبنية المفاهيم
محمود جابر
يمكن اعتبار القرن الثامن الهجري بداية لتبلور مفهومي " السلفية"
والأصولية" فى الفكر الاسلامى ، حيث استخدم ابن تيمية مفهوم "
السلفية" إشارة الى منهج الالتزام بالقرآن والسنة بفهم ما سموه سلف الأمة،
ومال البعض من الشيعة الاثنى عشرية إلى الإيمان بحد العقل، والتمسك بالنص، والعزوف
عن الاجتهاد، وعرفوا بالإخباريين.
وفى المقابل لجأ البعض الآخر إلى الاجتهاد، وعرفوا " بالأصوليين"،
اى المشتغلين بعلم الأصول، وهو علم يستهدف إيضاح المقاصد القطعية المستقرأة من
الشريعة، والتى تتصل بالكليات الشرعية من ضروريات وحاجيات وتحسينات، وإن جاز عدم
إغفال مراوحة الفقه الاسلامى من قبل ذلك، بين مدرسة أهل الحديث فى الحجاز، والتى
غلب التفسير بالأثر، أى ما ينقل عن النبي والصحابة، وحصره فى التتبع والرواية،
وعلى النظر الى الرأي كحكم بغير دليل، وإتباع الهوى، وتلبسا باستقلالية العقل،
وتهديده استتباعا للنص الشرعي، بإزاء أبى حنيفة ومدرسة الرأي فى العراق، ومالت إلى
التقليل من الأثر، لصالح التأويل وإعمال العقل أمام النص، وتقييد فى فهمه بموجب أحكام
العقل والتعليل، وهو ما نجده لدى " أبى حنيفة النعمان" الذى اتهم بالخوض
فى علم الكلام، لأخذه بمنهج الاستنباط واستقصاء علل الكلام، وسمى أتباعه من بعده
بأهل الرأى.
واستتبع هذا التباين، تقدم مبدأ القياس على غيره من الأدلة عند فقهاء مدرسة
الرأي، فيما أصبحت المصلحة هى المبدأ عوضا عن القياس لدى مدرسة الحديث، وخاصة فى
كل مالم يدرس فيه دليل قطعى استجابة للأوضاع الجديدة وهذه المصلحة تقتصر على
المعاملات دون العبادات، وهى إما مصلحة مباشرة معتبرة بالدليل، او مصلحة مرسلة
تدخل فى مقاصد الشريعة ولكن لا يقوم دليل خاص عليها، وسميت مرسلة لأنها مطلقة عن
دليل مباشر من قبل الشارع، ويشار هنا أن مبدأ تعليل الأحكام والأفعال برعاية مصالح
العباد، مثل مسألة خلافية بين أهل الحديث وأهل الرأي حينما اعترض أهل الحديث على
تصور أهل الرأي أن هذا المبدأ يلزم منه القول باستكمال الله تعالى بهذه الأفعال والإحكام
فى ذاته، وان هذا محال فى حقه تعالى ، فالله تعالى له الكمال المطلق لا يفتقر
لشىء، ولا يستكمل من احد .
ويمكن استبانة المنهجين السابقين مع تزامن نشوئهما معا: الأول نصى اعتمد على النص مع " احمد بن
حنبل" وأنتج تاليا علم الحديث وعلم الفقه والسلفية، والثاني: توفيقى جمع بين
النص والرأي مع الشافعى وحول النظرة السلفية من نزوع وجداني واع لدى التابعين ، إلى
نظرية أصولية مقننة .
ابن حنبل حدد أصولا خمسة لمنهجه السلفى النصى تدور أساسا على النص
والمأثور، وهو نص الوحى ، وما افتى به الصحابة، وتخير ما كان من أقوالهم اقرب الى
النص، والأخذ بالمرسل والحديث الضعيف، والقياس للضرورة حال عدم وجود النص أو قول
الصحابى، أو اثر مرسل أو ضعيف، فهو يأخذ بالتفسير الحرفى فقط للقران والحديث، ورفض
الرأي تماما ، وقصر القياس على الحالات التى لا يكون فيها منصوصا على علته، طارحا الأخذ
بموجب أحكام العقل والتعليل، لما رأى فيها من أحداث رأى وبدعة .
أما الشافعى فقد عمل على إنتاج مدرسة جديدة وفق مشروع البرهان
للتوفيق بين مدرسة الحديث وعلى رأسها مالك بن أنس وبين مدرسة الرأي وعلى
رأسها أبى حنيفة وهدف مشروع الشافعى الى تقنين الشرع بصورة كلية ووضع حد للخلاف
الفقهى وللفوضى التشريعية التى تنذر بتمزيق الأمة بعد اتساع الدولة اكتفى الشافعى
باستقراء القرآن وما صح عنده من السنن وما وصل إليه منها مع إبعاد أقوال الأئمة
على اعتبار أن ما قدموه لا يعدو وجهة نظرهم ووضع وضبط علم المصطلح والأصول كميزان
ضبط لمعرفة الصحيح من الآراء من غير الصحيح وتحديد شروط إنتاج الأحكام التى تميز
الحلال والحرام والمباح والمكروه والبحث عن الدليل الشرعى الكلى من حيث ما يثبت به
هذه الأحكام وتوضيح قواعد الاستنباط والاجتهاد والسبل التى يستعين بها المجتهد فى
استنباط الحكم الشرعى من مصادره.
هذه الشمولية التى حرص الشافعى على منحها للنصوص الشارحة تعنى فى التحليل الأخير
تكبيل الإنسان بإلغاء فعاليته وإهدار خبرته وذلك عن طريق توسيع مجال فعالية هذه
النصوص ومجال تأثيرها عبر تحويل السنة كنص ثانوي الى نص مشرع لا يقل فى دلالته
التشريعية عن النص الأول مع توسيع مع توسيع مفهوم السنة بإلحاق الإجماع بها وكذلك
بعدم التفرقة بين سنة الوحى وسنة العادات وربط مفهوم القياس والاجتهاد ربطا محكما
بهذه النصوص وتضيق نطاقه
ذلك أن الاجتهاد لدى الشافعى له صورة واحدة هى قياس الواقعة على النص ومؤدى
ذلك فى النهاية ان على الواقع أن يتشكل حسب ماهو موجود فى النص ما يشى بان الأمر
لا يتعلق بتوسيع دائرة الاجتهاد أو بإعمال جزئي للرأي بل هو تقييد لحركة الاجتهاد..
وللحديث بقية
0 تعليقات