الجزائر والملف
الليبي
فادي عيد
منذ الأيام الأولى لتولي عبد المجيد تبون رئاسة الدولة الجزائرية وهو عقد
العزم على الحضور في ملفات الجوار كليبيا ومالي، وانتظرنا كيف ستكون بوصلة عبد
المجيد تبون تجاه ليبيا، ولكن وجدنا أن الأمر لم يختلف كثيرا عن بوصلة عبد العزيز
بوتفليقة أن لم تكن البوصلة اتجهت للأسوأ، بعد أن أقترب المشير خليفة حفتر من
تحرير العاصمة طرابلس، وشاهدنا كيف صرح رئيس وزراء ايطاليا جوزيبي كونتي من قلب
الجزائر بعد لقائه بالرئيس الجزائري عن احتمالية نشر قوات أوروبية في ليبيا بحجة
حفظ السلام هناك، فأي سلام سيأتي ممن دمروا ليبيا في 2011م ؟!
.
وهنا يطرح السؤال نفسه لماذا الجزائر السابقة والحالية (بوتفليقة وتبون) والقادمة
أيضا ترفض التعاون مع المشير خليفة حفتر ؟ بل وكثيرا ما هددته في حال تحرير غرب
ليبيا، ولكم الإجابة التفصيلية
أولا : الجزائر ومنذ بداية الحرب على ليبيا في 2011م وهي فضلت سقوط ليبيا ودخولها
في نفق الفوضى لأن هذا يمنح الجزائر السيطرة التامة على حوض غدامس النفطي الواقع
على الحدود الليبية الجزائرية، ومن هنا رأت في سيطرة الجيش على كامل التراب الليبي
خطر على مصالحها في حوض غدامس النفطي، وهو الأمر الذي تجلى مؤخرا عندما أرسلت
الجزائر شحنات غذائية أكثر من مئة طن كدفعة ثانية من المساعدات لليبيين.
وفي الحقيقة كل ما قدمته الجزائر من مساعدات لليبيا مؤخرا كان مقتصرا على
مدينة غدامس فقط دون غيرها من المدن الليبية، مع العلم أن لا غدامس أو غيرها من
المدن الليبية واقع تحت حصار يسبب لها نقص في الغذاء أو غيره، وفي الأصل غدامس
خارج ساحة الصراع بين الجيش الوطني الليبي ومليشيات حكومة الوفاق الأساس.
.
ثانيا : للإعلام القطري تأثير رهيب في الرأي العام الجزائري، فتبقى قناة الجزيرة
القطرية المناهضة لحفتر ولمن يدعمه وفي المقدمة مصر والإمارات هي الأكثر مشاهدة
ومتابعة من الشعب الجزائري على مستوى القنوات الإخبارية، ولذلك المزاج الشعبي فى
الجزائر لا يميل لدولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك مع مصر برغم تاريخ النضال
والكفاح المشترك بينهم.
.
ثالثا : أن كانت المشكلة في تونس هي الإسلاميين وقيادات أخوان تونس وعلى رأسهم
راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة والحاكم الفعلي لتونس، فالمشكلة في الجزائر ليست
بالإسلاميين الذين هم بالطبع رافضين لحفتر ومن يدعمه أيضا، فهم ليسوا في مؤسسات
صنع القرار الجزائري، ولكن المشكلة في شخصية الدولة الجزائرية نفسها، التى ترى في أي
انتصار للجيش الوطني الليبي هو انتصار للمنافسين لها، ومن هنا ترفض الجزائر أن يصل
المشير خليفة حفتر بجنوده الى الحدود الجزائرية عبر تحرير طرابلس، كي لا تكون مصر
على الحدود الجزائرية.
.
فشخصية الدولة الجزائرية لديها حساسية تاريخية تجاه ثلاث دول، وهم المستعمر
القديم (فرنسا)، والجار اللدود (المغرب)، وعقدة الزعامة (مصر)، ونضيف لهم مؤخرا
منافسها الإقليمي الجديد (الإمارات).
.
فمنذ انطلاق عملية الكرامة في مايو 2014م بقيادة المشير خليفة حفتر لتحرير
ليبيا من الإرهابيين وصبيان الناتو، والجزائر تنظر للمشير خليفة حفتر على أنه أمير
حرب وتتعامل معه بذلك المفهوم، ولذلك حفتر لم يهدد بنقل الحرب الى الداخل الجزائري
في العام قبل الماضي من فراغ.
فما كان لشخص مثل رجب طيب أردوغان أن يزور الجزائر للمرة الثانية (26يناير
الجاري) في أقل من شهر من أجل الملف الليبي دون غيره، الا بعد أن تأكد أن الجزائر
لن تكون داعمة للجيش الوطني الليبي، وأنها ستكون ثغرة جديدة أمامه لاختراق الجسد
العربي.
.
أخيراً وليس آخراً نكتب ذلك المقال بشديد من الأسى، نكتب ذلك المقال ونحن
نُمنّي أنفسنا أن نرى في الغد جزائر نوفمبر .. جزائر الثورة.. جزائر العروبة.
أن نرى جزائر بن باديس (جزائر الإسلام) وليس جزائر باريس (جزائر العصابة).
فأن لم تساعد الجزائر القوات المسلحة العربية الليبية في محاربة الإرهاب
اليوم، فسينتصر الإرهاب في الجزائر نفسها غدا.
0 تعليقات