آخر الأخبار

محاضرات أصولية : مبحث الضد (1)







محاضرات أصولية : مبحث الضد (1)


علي الأصولي

هذه محاضرات ( أصولية ) تتناول ( مبحث الضد ) وهي غير ما تطرحه الصفحة منذ فترة من ( المقالات الأصولية ) المسماة ( حجية العقل الأصولي ) فذاك بحث مشروع كتاب حول الحجية العقلية، وأن كان بحث فيه مبحث الضد بشكل موسع نوعا ما، ولكن بالتالي لم يعقد الكتاب لخصوص مبحث الضد، وأما ما نحن فيه فهي أبحاث ومحاضرات أصولية لا تلتزم بالصيغ الشكلية والفنية للكتاب، من حيث الترتيب الصياغتي والفني، بل هي تأخذ مجرى المحاضرات الدراسية على الأغلب، وقد بدأتها بمبحث ( الضد ) ويمكن أن تكون شارحة لما موجود في الكتاب ويمكن أن تطرح فيها مسائل ونكت قد غفل عنها الكتاب قصورا أو تقصيرا، والعصمة لأهلها على كل حال، فنقول وبالله نستعين، ( مبحث الضد )

في مبحث الضد جرى كلام بينهم،

في أن الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده العام ؟

أو لا ؟ هذا من جهة،

ومن جهة أخرى وقع الكلام بينهم أيضا حول الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضدّه الخاص ؟

أو لا ؟

طبعا، من الضروري في هذا المقام، أن نعرف ماذا يعني من قولهم ( الضد العام ) حتى نكون الصورة عن المعنى المقصود،

فنقول ( الضد العام ) معناه ( الترك ) ومن هنا تعرف معنى قولهم، أن الأمر بالشيء ( الصلاة ) هل يقتضي النهي عن الضد العام، ( وبينا معنى الضد العام وهو الترك ) فتكون العبارة هل الأمر بالصلاة يقتضي النهي عن ترك الصلاة،

لأحظ: المعنى جيدا، بصياغة أخرى لتقريب الصورة،

هل الأمر بالصلاة يدل أو بنفس مرتبة قول لا تترك الصلاة،

اعتقد أن الصورة الآن من الوضوح بمكان،

هذا النهي هل يدل ويلازم النهي عن ترك الصلاة،

والأمر بالصلاة هل يدل ( لاحظ ) على النهي عن الضد الخاص، مثل الأكل على سبيل الفرض أو النوم مثلا،

فإذا عرفت هذه المقدمة، فاعلم بأنه وقع بين علماء الأصول حولها كلام،

وهنا ملحوظة هامة لا ينبغي إهمالها في المقام، وهي: صحيح أن الكلام وقع بينهم فيما ذكرت أعلاه، وهو أن الأمر بالشيء ( صلاة أو إزالة ) ما شئت فعبر من أمثلة، هل يقتضي النهي عن ضد ( الصلاة أو الإزالة ) أو لا ؟

إلا أنه يوجد اتفاق بينهم على ما نبه بعض الأساتيذ، مفاده أن الأمر بالصلاة ليس بثابت بل يسقط،

بعبارة أخرى: أن الأمر بالضد يكون ساقطا بعد النهي عن الإزالة، والكلام كل الكلام هو ( بالإضافة لسقوط الأمر ) هو يوجد نهي بالصلاة أو لا يوجد؟

وبناء على ذلك قد يقول قائل:

إذا كان البناء على عدم الاقتضاء ( أي عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده ) يعني الأمر بالإزالة لا يقتضي النهي عن الصلاة، وعليه فالصلاة بناء على ما ذكر تقع صحيحة،

ويرد عليه: هذا الفرض لا يصحح الصلاة ( أي فرض عدم القول بالاقتضاء ) لان مرجع الصحة أما ترجع للأمر أو للملاك،

وحيث لا أمر في المقام، ( لانتفائه بحسب الفرض )

ومع سقوطه فلا معنى كاشف عن الملاك، ( لان الكاشف وهو الأمر منتفي بحسب الفرض )

بعبارة أخرى: انتفاء الأمر بالصلاة ناتج من الأمر بالإزالة ولا يمكن تعقل وتصور أمرا بالضدين معا،

نعم: قد تتمسك بفكرة الترتب لتصحيح الفكرة،

فيقال: هذا بحث آخر يأتي في محله،

ما يهمنا في هذا المقام، هو هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام؟ وهل يقتضي النهي عن ضده الخاص؟

أو لا يقتضي بهذا وذاك ؟

وبعد أن عرفنا أن وجود الأمر يعني سقوط الأمر الآخر كما في ( الإزالة والصلاة ) ولا يمكن بينها ( أي بين الأمرين الاجتماع ) بلحاظ الضدين، حتى مع القوم بعدم الاقتضاء فالكلام في مقامات ثلاثة:

المقام الأول: في أصل الاقتضاء،

المقام الثاني: في الثمرة،

المقام الثالث: في الترتب...

المقام الأول: في الأصل ( أصل الاقتضاء )

بما أن الضد قد تم تصويره بالضد العام والضد الخاص، فقد لحظ وقوع الاقتضاء بلحاظ الضد العام وبلحاظ الضد الخاص،

صاحب ( الكفاية ) الملا الشيخ كاظم الخرساني الملقب بالآخوند، قدم في بحثه الأصولي، الضد الخاص فكان الضد العام متأخر في التقديم،
وهنا نقدم العام على الخاص تبعا للضرورة البحثية المنهجية القاضية بتقديم العام على الخاص، لان كل مباحث الضد الخاص متوقفة على الضد العام، والعكس غير صحيح،

وعليه يمكن تصوير إشكال فني منهجي على صاحب ( الكفاية ) من هذه الناحية،
ما يهمنا الآن: هو الاقتضاء بالضد العام، ومع أنه أصل الاقتضاء بلحاظ العام لا يحتاج إلى كثير تأمل فهو إلى المسلمات أقرب، وإنما الكلام في كيفية هذا الاقتضاء ؟

هل هو بنحو العينية أو الالتزام أو التضمن؟

وحسب المثال السابق: هل الأمر ( بالصلاة أو الإزالة ) هو عين النهي عن ( الصلاة أو الإزالة ) أو هو جزء الأمر أو لازمه ؟

يعني أن الأمر بالشيء هل هو عين الترك أو جزء ( يعني النهيان ترك الصلاة أو الإزالة ) جزء أو هو للازم للأمر ( بالصلاة أو الإزالة )
قد تتصور، بان ( الأمر ) بالشيء معناه لا تترك الشيء، لان من يأمرك بالشيء فهو ينهاك عن ضده العام، يعني ترك ذلك الشيء،
والكلام في المقام هو أن الاقتضاء بإشكاله الثلاثة واضح البطلان، والكلام هو هل هو باطل بنحو العينية؟

وهذا الجواب من البداهة بمكان، لفساد لازمه،

إذ أن الأمر بالشيء ( لو كان وهذا الفرض ) يقتضي النهي عن ضده العام فيلزم وجود تكليفين،

ولا يمكن تصور أن الأمر ( بالصلاة ) هو تكليفان، أولهما الأمر بالصلاة وثانيهما هو النهي عن ترك الصلاة، ومع عدم ( الصلاة ) فسوف يخالف المكلف مخالفتين، ويترتب على ذلك عقوبتين، أحدهما، مخالفة ( الأمر ) وثانيهما، مخالفة ( النهي ) أي العقوبة الأولى، هو لمخالفة الأمر بالصلاة والثانية لمخالفة النهي عن ترك الصلاة، وهذا ما لا يمكن أن يلتزم به عاقل فضلا عن فاضل، ولذا قالوا عنه هذا الكلام باطل وهو من الواضحات،

وهنا لابد من معرفة أن الأمر الصلواتي بمجرده كاف لتقريب الصلاة والبعد عن الترك ( أي ترك الصلاة ) ولا حاجة لنهي آخر لأجل إبعاد المكلف عنها، وإذا جاء نهي فهو إما للغو أو تأكيد ولا ثالث، كقول المولى على سبيل الفرض ( صلّ صلَّ )

فالأمر الثاني للصلاة لا يحمل إلا على اللغوية أو التأكيدية،

والكلام في النهي هو الكلام في الأمر بالتمام،

ولا يمكن تصور أن الأمر بالشيء هو عينه ( عين النهي عن ضده ) يعني الأمر هو عين النهي، لاختلاف كل من الأمر والنهي بالمقولات فلاحظ،

نعم: ثمة محاولة أصولية لتصحيح معنى العينية وهو بتوجيه معناها غير ما ذكر أعلاه،

إذ قالوا: لا مشكلة أن تم توجيه العينية ويقصد بها في مقام التعبير،
فعلى المعنى الأول، يكون للصلاة تعبيران أولهما : ( صل ) أو ما يقوم مقامها ( تجب عليك الصلاة اطلب منك الصلاة ) ونحو ذلك، وثانيهما: ( لا تترك الصلاة ) أو ( اطلب منك عدم ترك الصلاة ) ونحو ذلك، فيكون التعبير الأول هو عين التعبير الثاني، وأي تعبير يقوم مقام أداء التعبير الآخر،

ومع وجاهة هذا التوجيه فلا يتفاعل معه أهل الفن لان فيه نوع غموض والتفاف وغير ذلك،

وأما بناء على التضمنية، يعني أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الترك بدلالة التضمن، وهو مبنى صاحب ( المعالم )

بعد أن أفاد بمقدمة ومفادها، أن الوجوب مركب من جزأين، هما: طلب الفعل والمنع من الترك، ومنه تعرف وحسب مبناه أن الأمر بالشيء دالا بالدلالة التضمنية، على المنع من الترك باعتبار أن المنع من الترك هو جزء من مدلول الوجوب،

ولكن، نوقش بأنه من قال، أن الوجوب مركب من جزأين؟

فلا اللغة ولا العرف يساعد على هذا الفهم،

ولم يلحظ بأن صاحب ( المعالم ) قام بعرض إثبات مدعاة،

وكيف كان: قالوا، إن الوجوب ليس من المركبات الحقيقية،
وإنما هو اعتبار ولا تركيب في الاعتباريات...


إرسال تعليق

0 تعليقات