د. عبد
الصمد الدغيمى
اعتاد طلاب علم
الاجتماع في مادة علم الأديان على أسئلة أستاذهم الافتراضية، والتي يسعى بواسطتها
إلى تحريك مستنقع الأفكار والعقائد المتوارثة والراكدة في العقول منذ قديم العصور.
لطالما تسببت أسئلته
صدمة فكرية تشل عقول طلابه، لأنها تمس أقدس مقدساتهم وتهز مسلماتهم، فيشعرون وكأن
الأرض توقفت عن الدوران ليتوقف الزمن لبرهة، قبل ان تبدأ عقولهم تغلي وتضج
بالأفكار كالمراجل.
n
ماذا لو كانت جميع الأديان والأنبياء والرسل خرافة و أساطير؟
سؤال قضى الكثير من
الناس حياتهم دون التفكير باحتماليته، فهم لم يقرؤوا سوى الكتب التي تؤيد
معتقداتهم الغيبية وترسخها. بينما كانت قراءة كتب المخالفين في نظر مجتمعاتهم جنحة
لا تؤمن عواقبها؛ ولكن عصر الاتصالات جعل العالم بحر متلاطم الأمواج من الأفكار
التي أخذت تتماهى فيما بينها وتتجانس مشكلة موجة واحدة جارفة ستغير وجه البشرية.
أننا في لحظات المخاض
الأخيرة، قالها ذات مرة شارحا لطلابه إن كل عصر من العصور التاريخية كانت سنواته الأخيرة
صراعات وتجذبات. تماما كأوضاعنا اليوم. لذا فإن التغير قادم لا محالة..
بدأت بعض الأيدي
بالارتفاع ليبدأ النقاش والحوار، شاهد بينهم يد ذاك الشاب الذي سبق وسأله عن
تفسيره أن سير جميع الأنبياء كتبت بعد وفاتهم وبمئات السنين، مما تسبب في الكثير
من الخلافات والاختلافات الفقهية والمذهبية والطائفية؟
حينها وضح له أن
الأديان كانت وما زالت مطية لتحقيق مآرب سياسية، يستغلها كل طامع في سلطة وحكم، ليجمع
الناس من حوله، فيجعل لهم مذهبا جديدا مستعدين للموت في سبيله، حسب سذاجتهم، ليصل
هو الى السلطة. الحكماء … أو كما تُسميهم العامة: الأنبياء…
لم يكونوا سوى أناس
متنورين صالحين، عظّمهم الناس بعد وفاتهم مبالغين في محاسنهم وقدراتهم، ليجعلوا
منهم أسطورة تفعل المعجزات والخوارق. فذاك يشق البحر وآخر يشق القمر، وذاك يعيد
الأموات أحياء وآخر أنقذ البشرية جمعاء من الغرق.
إن الله خلق الكون
بلغة الرياضيات، كما قال اينشتاين.
لا يوجد معجزات ولا
خوارق لأحد، كل البشر متساوون في القدرات والإمكانيات، وما هو ممكن لغيرنا في مكان
وزمان ما … ممكن لنا.
نحن يا سادة ضحية
اكبر عملية تزوير تاريخية. فالقضية كانت دوما مجرد استبدال صنم بآخر. صنم حجري
بآخر فكري قابل للتحجر.
وقف الطالب لتتحول كل
النظرات إليه معجبة بشجاعته ومتراقبة لإجابته:
n
إن تكون الأديان الإبراهيمية والشرقية خرافة يعني ان كل الخلافات
والمشاحنات الدينية والطائفية والمذهبية( أرثوذكس وكاثوليك - شيعة وسنة - إسلام
وهندوس....)على مدى التاريخ ليست سوى معارك مبنية على أوهام فكرية وشعارات خداعة
أدت الى تخلف البشرية لمئات السنين.
أعاد الأستاذ طرح
افتراضه لتعود الأيدي وترتفع من جديد. وقفت طالبة هذه المرة:
n
لو افترضنا أن الأديان خرافات وأساطير، فإن ذلك لا ينفي وجود خالق لهذا
الكون، ولكن عبادته لن تكون خوفا من نار مزعومة أو طمعا بجنة موعودة . إنما حبا
وامتنانا.
أجاب طالبا آخر :
--عندما يكتشف الناس
أن الأمور الغيبية مثل قصة الخلق والجنة والنار واللوح المحفوظ والملائكة
والشياطين والجن والقضاء والقدر ما هي سوى قصص خيالية وفنتازيا، لن يتكاسلوا في
طلب الرزق ويلقوا اللوم على قضاء الله، ولن يقبلوا بتسلط حاكم ظالم على انه قدرهم،
ولن يتنازل أحد عن حقه في المساواة والحياة الكريمة، سواء كان رجل أو إمرأة.
اعتقد إنها ستكون
ثورة اجتماعية فكرية ثقافية سياسية اقتصادية ستغير وجه العالم الى الأبد... ونحن
على دربها نسير.
يُتبع…
0 تعليقات