آخر الأخبار

(الفتاوى الكورونية) -1-









(الفتاوى الكورونية) -1-

إدريس هانى

ولمّا كثر الجهل وكثر المفتون بغير حقّ وجب الإفتاء بحقّ، وما غلا هؤلاء إلاّ لترك الدين طريدة بين أيديهم، والمطلوب عدم ترك صناعة القول في الدين للمتطرفين، ولن نترك لكم الدين تعبثون فيه، وسنجيب على كل شبهة يتم تداولها هنا بلغة الفتوى والفقه وأصوله دحرا لافتئات المتطرفين واستغلالهم الدين في مآرب غامضة، وذلك دفعا للجهل وجعل الفتوى في خدمة العقل والتنوير والإنسان، اليوم توجد شرذمة من محترفي التضليل الفتوائي من المتطرفين الذين يقدمون تصورات وأحكام خاطئة عن الوباء ويورطون فئة من الناس على كسر الحجر الصحي، ووجب مقارعة الفتوى بالفتوى، وسنلاحق فتاواهم واحدة واحدة عند الاقتضاء:


فالقول سيقع جوابا على الأسئلة التالية:


1- هل ذكرت كورونا في القرآن، في سورة المدثّر؟


2- هل قول الله أكبر والاحتجاج ضد كورونا عمل شرعي؟


3- هل كورونا لعنة على الكفّار؟

4- هل غلق المساجد والمزارات مخالف للدين؟


5- هل الرقية الشرعية تعالج كورونا؟


ــــــــــــــــــــــــــ
-         جوابا على السؤال (1):

هذه أشبه بـ"حدوثة"، ولعب بالألفاظ، لا تصلح تفسيرا لمخالفتها أسباب النزول ولا تأويلا لأنّها لم تمسك بالوظيفة في هذه المماثلة المُغالطة، فالمقصود في السورة هو مشاهد الآخرة، وهذا بديهي، وحبك التمثيل والمقارنة ها هنا فيه شطط معلوم لأهل التفسير والتأويل، فهو مردود، ناهيك عن أنّ الآية لم تكن تصف حوادث تاريخية ستقع مستقبلا بل كانت في مقام التحفيز التربوي من خلال وصف أهوال اليوم الآخر، فشتان شتان.

-         جوابا على السؤال(2):


التكبير مستحب على كلّ حال لكن أصل الحرمة في المقام متوجه إلى فعل الخروج والاحتشاد الجالب للضرر وخرق الإجماع المتعارف عليه عند الجائحة، ولا ينفع التكبير في المكان الحرام، تماما كما تحرم الصلاة في أرض مغصوبة، والقياس هنا ثابت لظهور الوسط وتحقق مناطه ألا وهو الضرر والإضرار، فالخروج خرق لإجماع يقوم على السيرة العقلائية قبل الشرعية، واحتلال الفضاء العمومي في مثل هذه الجائحة هو بمثابة فعل غصبي. ولكن القياس الخاطئ هو أن نقيس التكبير في مقام الجهاد الشرعي في الجبهة الشرعية على محاربة الفيروس، إنه تكبير في المكان الخطأ فلا يجزئ، لأنّ الموقف الشرعي في الجهاد ضد كورونا هو لزوم البيت بناء على المدرك الشرعي القاضي بلزوم البيت حين الطواعين والعدوى وبناء على القاعدة الفقهية لاضرر، والمحدد للضرر في هذه النازلة الصحية هو قول الطبيب، فلا يمكن أن نكبّر ونحن نأتي فعلا حراما، كمن يذهب لقتل نفس محترمة وهو يكبّر، وهذا ما حدث بالفعل.



-جوابا على السؤال (3):


آيات الله تصرف على وجوه شتّى، ولا يوجد إلاّ علم إجمالي لكنه حكيم، ولا يجوز الخلط بين العلل التكوينية والأحقاد الشخصية، وصفات الربّ تقرأ في بعضها البعض وليست تفريدا، فصفاته عين ذاته، فهي هو وهي هي، أي كونه عادل من حيث هو رحيم، جليل من حيث هو جميل، فالأحداث معللة بالعدل، فاقرأ الجوائح في عين اللطف، ذلك لأنّ مقتضى اللطف هو تيسير سبل الهداية للخلق، وفي تاريخ الجوائح والعذاب المذكور في الكتاب إنما ارتبط بفساد الطبائع الإنسانية التي يعول عليها في الإصلاح، فالأمم التي نزلت بها تلك الجائحات وأرخ لها الكتاب من باب العبرة فقدت إنسانيتها وطغت في البلاد طغيان لم يعد معه طمع في الرجوع. ولا بدّ في فهم الأشياء من اتباع الأسباب الظاهرة والخفية والأخفى، لقوله على لسان ذي القرنين:(فاتبع سببا).



-         جوابا على السؤال (4):


الأصل في المنع هو مسمى الحشد والاجتماع الذي هو سبب في انتقال العدوى، وما يقوم به الضرر حرام وهذا بديهي للزوم المقدمة لذي المقدمة، فالحرمة هنا موجهة للازدحام والاختلاط بغضّ النظر عن العنوان، وهذا أمر واجب بينما ما عداه مما ذكرنا مستحبّ، والواجب مقدم على المستحب عند التعارض، هذا ناهيك أنّ الحكم هنا استثنائي وليس دائمي، ومدركه مما ثبت في سيرة المتشرعة ومباني العقلاء في وجوب الاحتياط عند الضرر، والضرر هنا قائم بالوجدان.



-جوابا على السؤال(5):


إنّ مجمل الأدعية المنصوصة سواء ما ثبت منها وما تراخى فيه الذاهبون مذهب التسامح في أدلة السنن يمكن إتيانها من باب رجاء المطلوبية لكنها ليست علّة تامة للعلاج إلاّ من باب دور الاطمئنان النفسي في جلب الصحة، فالدعاء في مجتمع المؤمنين مستحبّ ويساعد على التخفيف على النفوس من سورة الخوف وبعث الاطمئنان فيها لكن للعلاج المادي طريق مقرر في سيرة العقلاء والمتشرعة أيضا وهو اتباع الأسباب وطريقة العلم المتعارفة في عرف العقلاء، فلقد كان للطب دور في عصر النبوات والقرون السابقة وامتثل له الصالحون في كل جيل، فلا مجال لإقحام الدعاء هنا كمزاحم للأسباب العلمية والمادية للعلاج، فهذا مما جرت عليه السيرة والخروج عنه افتئات وبدعة في الدين والدنيا. فالتحفيز إلى التداوي لا يحتاج إلى حكم شرعي، ولكن الحكم الشرعي هنا عزز العرف العقلائي بل جعل التداوي واجبا شرعيا حين تتوقف عليه الصحة وهو وسيلة لتحقيق أحد أركان مقاصد الشريعة، ولا فرق بين العلاج وإجراءات الوقاية فكلاهما واجب في سبيل حفظ النّفس.


والسلام على من اتبع الهدى
ادريس هاني/23/3/2020

إرسال تعليق

0 تعليقات