الشعب مش عايز يفهم!!

الشعب مش عايز يفهم!!

نصر القفاص

سمعت هذه الجملة من "سليمان وهدان" وكيل مجلس النواب, خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي الذى لا يكف عن الصراخ والأكل..

شعرت بحالة اختناق من فرط غضبى!!

فإذا وجه أحدهم من عوام الناس الانتقاد أو السباب للشعب, انصرف عنه متمنيا له أن يتعلم ويفهم.. أما أن يفرغ وكيل مجلس النواب هذا الكلام من جوفه فى وجوهنا عبر شاشة ليست مصرية.. وفى مساء اليوم نفسه الذى تحدث فيه الرئيس "عبد الفتاح السيسى" مقدرا ومحترما للشعب.. فذلك غير مقبول ويستحق مراجعته وفرض الاعتذار عليه للشعب.

الشعب المصرى يصبر.. لكنه قادر على العقاب وقت الحساب.. وبعد أن ينتهى "زلزال كورونا" سيعلمكم أنكم لا تفهمون.. فقد تكونت القناعات على نار الأزمات طوال سنوات مضت.. فالشعب أدرك أن الحرية ليست كفرا.. وأن التفكير لا يمكن أن يكون جريمة.. وتأكد من أن الاختلاف مستحيل وصفه ووصمه بالخيانة.. وفهم أننا نحترم الحاكم ونقدره ولا نعبده.. وكلها قناعات تختلف تماما مع النائب وأقرانه, من الذين يعتقدون أن مصر بعد "زلزال كورونا" كما كانت قبله.

الشعب "فاهم" أن برلمانه عاجز عن إصدار قانون انتخابات, وأنه ترك البلاد بلا مجالس شعبية محلية للعام الخامس فى عمره.. والشعب "فاهم" أن نوابه ضاعفوا ميزانيتهم لتصل إلى مليار ونصف المليار جنيه سنويا, وهو إنجاز بالتأكيد!! و"فاهم" أن أغلبية النواب لا يحضرون الجلسات, تركوا القاعات لبضع عشرات يشغلون بعض المقاعد.. والصور كانت تنقلها الشاشات.. و"فاهم" أنكم لا تكفون عن شكر الحكومة والتصفيق لها, فى مقابل خدمات هى حق للناس ومصالح شخصية.

الشعب "فهم" أنكم كنواب تملكون الحيلة – ولا أقول الاحتيال – لكى تحتلوا مقاعد لا تستحقونها.. لذلك لم يجروء أحدكم على تقديم سؤال, عن سبب تعيين وزير أو محافظ يتم ضبطه متلبسا بتقاضى رشوة..

غير العشرات من كبار المسئولين الذين تساقطوا ويتساقطون متلبسين بالرشوة دون أن تحاولوا محاسبة المسئول عن اختيار هؤلاء لمواقع المسئولية.

الشعب "فاهم" أن الدستور يحظر على النائب تغيير صفته الحزبية بعد انتخابه, وأنكم بدلتم أحزابكم مثنى وثلاث ورباع حسب شرعكم.. لأنكم لا تحترمون ما أقره واستقر عليه الشعب.. بل أنكم أعدتم رجال المال للواجهة, ولمقاعد البرلمان ونصبتموهم قادة سياسيين طمعا فى "فكرهم وثقافتهم".. تملكون جرأة هذا القول والادعاء, طالما أنكم جرؤتم على القول "الشعب مش عايز يفهم"!!

الشعب "يفهم" أن مصر تنزف رصيدها من الثقافة.. وحفرت سابقا تاريخا مشرفا فى الصحافة والإعلام.. ولديها أحزاب هى والعدم سواء.. ويحدث ذلك لأن برلمانها "مش عايز يفهم", أن المجتمعات تنظمها القوانين.. تضبط إيقاعها القوانين.. تحكمها وزارات قادرة على فرض احترام القوانين.. لن أطيل فى الشرح لحقائق أصبحت واضحة.. لكننى سأقص على وكيل مجلس النواب حكاية "جمال الدين الأفغانى" عندما ذهب للقاء السلطان "عبد الحميد" فى "الآستانة".. وبعد اللقاء عاتبه رئيس الديوان السلطانى لأنه كان يلعب بحبات مسبحته خلال جلسته مع السلطان.. فرد عليه "جمال الدين الأفغانى" قائلا: "سبحان الله.. إن السلطان يلعب بمستقبل الملايين من الأمة على هواه, وليس منهم من يعترض.. أفلا يحق لجمال الدين الأفغانى أن يلعب بمسبحته كما يشاء"!!

حدث ذلك قبل أكثر من قرن.. وكان "الأفغانى" واحدا من الشعب "اللى كان عايز يفهم"!! وللأسف تصدى له نواب على هذه الشاكلة, ثم وقفوا تحت قبة البرلمان ليذبحوا الشيخ "على عبد الرازق" حين قدم كتابه "الإسلام وأصول الحكم"..

ففتحوا الباب لشيطان اسمه "الإخوان" لكى يخرج من القمقم.. وأمثال سيادة النائب كفروا "طه حسين" حين أبدع كتابه "فى الشعر الجاهلى" وطاردوه لأنه اختار أن يفكر بعد أن تعلم.. وواصل هؤلاء مسيرتهم المظفرة حتى وصلنا إلى زمن يقول فيه وكيل مجلس النواب "الشعب مش عايز يفهم"!!