آخر الأخبار

مهدويات (1)











عز الدين البغدادي


الإيمان بين العقل والسلم المجتمعي
(القضية المهدوية نموذجا)




عندما نتحدث او نبحث في موضوع ديني فإننا سنجد أنفسنا دائمين بين أمرين: المنهج العلمي من جهة والاعتبارات الدينية- الاجتماعية من جهة أخرى.



فمن الصعب ان تبحث في أمر يثير حساسيات في التدين الاجتماعي، لكننا من جهة أخرى نقول بأن علينا أن نكون موضوعيين ونمتلك الجرأة في البحث والنقد، والباحث المسؤول يحتاج بشكل ما وبدرجة ما إلى أن يوازن بين الأمرين.



الآن سوف أطرح سؤالا، وهو: لو أردت أن أناقش مسألة التثليث في العقيدة المسيحية وبيان خطئها ولا معقوليتها وما إلى ذلك؛ فسيكون موقف كثير من الناس الواعين هو الرفض لمثل هذا النقد. لماذا؟ لأن أمرا كهذا لا يمكن النظر إليه كموضوع علمي فقط، لأنه يمكن أن يثير مشاكل اجتماعية مع شريك هام في الوطن وهم المسيحيون.. فأنا اتعامل معهم -بغض النظر عن صحة أو خطأ اعتقادهم- على أنهم إخوة وشركاء في الوطن والمصير، وقد عشنا معهم وعاشوا معنا كأحسن ما يكون الوفاق، ولا يمكن إثارة قضايا كهذه تؤثر على العيش المشترك لا سيما وأن هذه القضايا هي قضايا خاصة بهم لا تهمنا ولا تؤثر علينا، فما يهمنا وما يفعنا هو ما يعزز قيم العيش المشترك.



إن العقيدة الدينية ليست فكرة فقط كما يعتقد البعض، بل هي انتماء، لذا فإن لا عقلانية التثليت لن تجعل المسيحيين يتركونها لأنها ليست نظرية علمية، بل هي انتماء وثقافة يصعب الخروج منها بعد أن توارثتها الأجيال لقرون، وكتب فيها الكتب وشب عليها الصغير وهرم عليها الكبير..



وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للطائفة المسيحية، فإن هذا ينطبق على غيرها من عقائد الفرق والمذاهب، إذن لكي لا يكون الأمر انتقائيا بحيث يكون كما يقال: باء تجر وباء لا تجر، فعلينا أيضا أن نتعامل باحترام مع عقائد الناس المسلمين.



عندما تتعرض قضية المهدي المنتظر لهجوم عنيف مستمر، وبأسلوب متعسّف تحدّد فيه النتائج قبل البحث، فنحن سنقع في مشكلة كبيرة. لأن من يطرح أمورا كهذه لا بد له أن يعي بأن الطرح الإصلاحي لا بد أن يكون منتجا، وليس مجرد ترف فكري، فنحن نبحث عن حلّ لأزمة بل أزمات وعينا. وبما أننا نتكلم عن حل، فلا بد أن يكون طرحا قابلا للتطبيق العملي.


إن عقيدة كهذه (اقصد عقيدة المهدي) عمرها على الأقل 1200 سنة لا يمكن ازالتها بهذه السهولة. إلا أن الممكن هو تقليم أظافر الفكرة، أو إزالة المفاهيم الخاطئة منها، وتركها في حدود الإيمان الغيبي، وفي حجمها الطبيعي فقط، لأن فكرة المهدي المنتظر استغلت كثيرا وكثيرا جدا بشكل خطير ومدمر، وتم استغلال كثير من الناس تحت هذا العنوان، لكن لا يمكن رفعها من المنظومة الدينية فهذا أمر غير ممكن أبدا. لكن ما هو ممكن هو تهذيبها، وتبقى فكرة يؤمن بها مئات الملايين من المسلمين بل هي ركن أساس في عقائدها، لا تؤثر على وعيهم الحياتي، وهذا يكفي. لا سيما وأن هذه القضية لم تأت من فراغ، بل يقف خلفها كم هائل من الأحاديث النبوية.


عموما هذا هو منهجي في طرح القضية المهدوية في كتاب "المهدي المنتظر بين الرأي والأثر".


إرسال تعليق

0 تعليقات