آخر الأخبار

(الفتاوى الكورونية) -2-











إدريس هاني

وسنتابع النزال حول شبهات قوم ما فتؤوا يفتئتون فتوائيا ظانّين أنهم على شيء يخوّلهم العبث باسم الدّين وهم إلى الحشوية أميل وإلى الرواية بلا دراية ولا رويّة أقرب، وأنّ المتطرّفين لا فقه لهم ولا أصل ولا أصول لهم ولا ذوق ولا إحساس لديهم، ووجب طردهم من المجال الرّوحي وركلهم خارج الحقل الدّين، لاعتقادنا أنّ المتطرّف سواء أقاس مُغالطة أو لم يقس فهو خال الأبالسة.


ويقع القول اليوم جوابا على الأسئلة التالية:


1- لماذا تختلف الفتاوى فيما يتعلق بالموقف الشرعي من الاحتراز من فايروس كورونا لا سيما ما يتعلق بغلق المساجد وأماكن التجمعات الدينية، هل ذلك الخلاف ناشئ من تضارب الأدلة أم أنه ناشئ من اختلاف آراء المجتهدين؟


2- في حال طبّق الإنسان رأيا مخالفا لما عليه الأغلبية في موضوع الاحتراز من الوباء، من هو المسؤول والمخوّل في مثل هذه الحالة لمنعه من ذلك؟


3- هل يمكن للدين أن يساهم في الوقاية من كورونا؟

4 – هل تسقط الأحكام مع وجود الجائحة؟


5 – هل يعد من مات تحت تأثير كورونا شهيدا، ومات على من توفيّ في الحجر الصحي والاحترازي؟


ــــــــــــــــــــــــــ
-         جوابا على السؤال (1):


يتعيّن هنا التحقق من جملة أمور ومنها: هل إنّ صاحب الفتوى مصنّف في خانة المجتهدين أم لا، فالاجتهاد له شروط وطرق إثبات مقررة، فلا يعتدّ بفتوى غير المجتهد اجتهادا مطلقا أو مجتزئا، على أن شرط الاجتزاء المعتبر هنا عُلقته بمعرفة أو حسن التفاعل مع الموضوع تشخيصا وبأحكامه استنباطا، بل إنّ التصدي للفتوى من غير إحراز شروطها تلك يعتبر إخلالا بعدالة الشخص وعُدوانا. ثمّ إنّ الخلاف الذي يقع اليوم لا سند له من الاعتبار لأنّ مناط الاحتياط فيه محسوم، حيث الاحتياط هنا واضح في اللّزوم فهو احتياط في الحدّ الأدنى وجوبيّ لا استحبابيّ، كما يمكن للمكلّف الأخذ بسيرة العقلاء التي ترى التداوي والوقاية من الأمراض من بديهيات التّصرّف، كما أنّ المكلّف هنا هو أمام أمر أشبه ما يكون بالاعتقاد، وكما لا يخفى فالتقليد في الاعتقاد غير مجزي فوجب التحقيق والتّحرّي والأخذ بالأوثق فالأوثق، وكل بحسبه، كما أنّه في حال غمّ الأمر على المكلّف فإنّ الأخذ بالاحتياط يغني عن التقليد والاجتهاد، فالاحتياط هو موقف ثالث يعفينا من التردد لما تشتد الجوائح، وكما أنّ الشرع حفّز للاحتياط في الدين – أخوك دينك فاحتط لدينك – فإنّه في الصّحة أولى: فاحتط لصحّتك، فهذا مقتضى حفظ المقاصد.

وفي مثل هذه الجائحة لا يمكن الحديث عن اختلاف المباني، لأنّ لا خلاف حول الاحتياط فيما كان مجرى للعلم الإجمالي في مقام الشبهة الحكمية أو الموضوعية. وكما سبق وذكرنا فإنّ حكم إخلاء المساجد والتجمعات الدينية في هذه النازلة استثنائي مقيد بظروف الجائحة، وبأنّه ليس حكما خاصا بتلك الأماكن بل هو حكم عام متوجه إلى الاحتشاد والتجمع بغضّ النظر عن عناوينه، فالحكم في هذه القضية هو فرع لحكم عام، ولا يمكن الاستثناء هنا إلاّ بدليل، ولا يوجد دليل الاستثناء. والحكم في الفتن والبلاء هو التّحلّس في البيوت والمُكث في أجوافها، والحاصل: لا يوجد ما يبرر الخلاف في هذه النازلة، بل من خالف السيرة العقلائية في المقام خرج عن مقتضى المدارك الشرعية والعقلية معا.


-         جوابا على السؤال(2):

إنّ حفظ النظام العام هو من أساسيات مقاصد الشريعة وزبدتها لا بل هو غايتها وكذا شرط شروطها، لأنّه مع اختلاله تنهار المقاصد الخمسة المقررة، فحين يسود الهرج وتحلّ الفتن والفوضى فإنّ الناس تفقد القدرة على حفظ مصالحها، كما يتعذّر حفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسل، وعليه فإنّ التّصدّي والمنع مُقرّر في حقّ من خرج عن مقتضى ما جرى به العرف ومبنى العقلاء وما من شأنه حفظ النظام العام بالوسائل المشروعة والمقررة والمتعارف عليها في إطار الاختصاصات والمؤسسات المخولة بحفظ النّظام العام في حدود ما يتحقق مع الردع دون الشّطط. وفي الشريعة تكون مسؤولية حفظ النظام العام على الجميع كل بحسبه وكل من موقع اختصاصه.


-جوابا على السؤال (3):


نعم، كل شيء يُحفّز على الاطمئنان والصحّة النفسية هو مساعد على العلاج، كما أنّ كل التعاليم التي تحفّز على التداوي وتخلق موقفا إيجابيا من الحياة والعلم والصحة تستطيع أن تساهم في مواجهة كورونا شريطة أن نميّز بين التعاليم الدينية وخطاب التطرف الدّيني، إنّ التأويل الفاسد للتعاليم يشبه التأويل الفاسد لكل شيء، والمطلوب تجنيد كل شيء محفز في محاربة كورونا، ولا شكّ أنّ الدين إذا تحرر من التأويل الفاسد سيكون نعم العون على الإجراءات الوقائية، وهذا يقتضي البحث في الإمكان الديني أي الوجه الإيجابي من التأويل باعتبار أن كل تأويل هو بمثابة دين، فحين يلبس الدين لبس الفرو مقلوبا فإنه حتما سينتج أسوأ تأويل، وهذا مصداق قوله تعالى:

 (فيَتّبِعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وَابتغاء تأويله).

 إنّ الدين متى أصبح نقيضا للسيرة العقلائية والقواعد العقلية بات شقيّا للمأثور: فقد العقل شقاء.



-         جوابا على السؤال (4):


تقدّر الجائحة بقدرها، وهي جائحة بالمعنى المصطلح الحديث وليس بالمصطلح القديم، ذلك لإنّ التدابير المتبعة والتي تمكّن الناس من الأقوات والعلاج والتنظيم تسلب عنها مفهوم الجائحة بالمعنى القديم الذي يصبح شبهة دارئة للأحكام، ولكن ثمة ما يتعلق بتلك الإجراءات وما تقتضيه من التخفيف من بعض الجوانب البيروقراطية المحرجة، وهو كافي ومقبول يفرض على الناس التزاما ويُؤكّد مسؤوليتهم الكاملة، هذا ناهيك عن أنّ ما يحصل ليس من قبيل الفوضى بل هو في صلب التنظيم الاجتماعي وإدارة الأزمة بالوقاية، فليست الفتنة إلاّ عدم الالتزام بالقيود الوقائية المقررة، فالكل مسؤول في هذه الجائحة ولا تسقط المسؤولية عن أحد.



-جوابا على السؤال(5):


نعم وحسب ما جاء في السنن فالميت في الطواعين شهيد وكذا من تحلّس في البيوت صابرا محتسبا، للخبر عن الشهداء خمسة وذكر منهم المطعون، والأخبار كثيرة في هذا الباب، وهو من التحفيز المعنوي الذي منحته الشريعة للوقاية من الأمراض والعدوى وحثّ الناس عن التداوي، وهو ما يعضد جهود العلماء والأطباء، ويصبّ في التزام الحجر الصحي الوقائي.


والسلام على من اتبع الهدى




إدريس هاني:24/3/2020

إرسال تعليق

0 تعليقات