مشروع النهضة... أو
الاندثار الحضاري
عز الدين محمد
لا زالت حالة اجترار الماضي هي السائدة والإصرار على منهج قديم في التعامل
مع الواقع، أو الأصح تجاهل الواقع. أنا من دعاة الإصلاح الديني، ورغم الحاجة بل
الضرورة إلى أن نثري معرفتنا من كل جوانب المعرفة إلا أني أعتقد بأن الإسلام كدين
وفق فلسفته ومبادئه، ووفق نصوصه يمتلك قدرة كبيرة على تجديد ولا يحتاج أن تفرض
عليه رؤية تزيحه من خارجه، لذا كنت ولا زلت أعتقد بأن أي إصلاح لا يمكن أن ينجح ما
لم ينطلق من المؤسسة الدينية، فهي من تمتلك القدرة على التغيير كما أنها سبب
التخشّب والتخلف الذي نعيشه.. وكنت أضرب مثلا على ذلك بمارتن لوثر فرغم ظهور عشرات
بل ومئات من الكتاب والمفكرين ممن حاولوا نقد المؤسسة الدينية وخرافاتها إلا أن
تأثيرها بقي محدودا حتى ظهور لوثر وخروجه من رحم المؤسسة، حيث أحدث تأثيرا كبيرا
تاريخيا.
إنّ من الخطأ أن تتصور المؤسسة الدينية بأنها في وضع مستقر، وأنها تقوم بما
يجب عليها وانتهى الأمر. الوضع خطير وخطير جدا، ومن لا يستطيع إدراك ذلك فهو في
وضع خطير جدا.. لقد انتشر الإلحاد، وعمّ التحلّل، وتمزق النسيج الاجتماعي. وكل ذلك
أو معظمه يعود إلى خطأ المؤسسة الدينية عموما في مناهج تعاملها.
نحن بحاجة إلى إصلاح، إصلاح حقيقي وليس تجميليا، وأهم مفاصل هذا الإصلاح:
1- تحديد موضوع الإيمان بحسب النصوص القرآنية المؤسسة وهي الإيمان بالله
وكتبه ورسله وملائكته وباليوم الآخر، وعدم تعظيم الفوارق العقدية الأخرى، وعدم الإصرار
على استعمال المناهج الكلامية القديمة التي صارت قديمة وغير مقنعة لا من حيث
منهجها ولا من حيث لغتها.. وعدم التعامل مع نظريات علم الكلام كما لو كانت أمورا
عقدية ثابتة.
2- العمل على بناء فقه جديد يحترم ويلبي حاجات الإنسان الحقيقية، فقه جديد
يحترم الدولة، ويلبي حاجات الإنسان الحقيقية، وعدم الإصرار على حصر كل النظرية
الفقهية بفكرتي حلال وحرام وذلك من خلال فهم أعمق لأهداف الشريعة، وهو ما سوف
يساعد على تطوير العقل المسلم في تعامله مع الأمور، وتنمية الضمير الأخلاقي.
وكذلك تطوير منهج الدراسة، ومنهج الاستنباط الفقهي، بما يساعد على حل مشاكل
ضعف المنهج وبالتالي ضعف ناتج العملية التعليمية.
3- إعادة القيم الى اعتبارها ومكانتها، والتأكيد عليها وعدم الالتفاف عليها
تحت حجج الصناعة الفقهية، وتقديم طرح صحيح عن مفاهيم "الشرف" و" الفساد"..
وفهم طبيعة السلوك البشري بما يجعلنا أقدر على التعامل مع مشاكل الشباب أو قضية
الجنس بكل أبعادها لا سيما في هذا الزمن. ولا يعني هذا إطلاقا إطلاقا تنازلا عن
نظرة الإسلام وتعامله، بل هو إحياء لمنهجه الحقيقي في التعامل مع هذه الأمور،
والتي غابت بسبب غلبة النظرة الاجتماعية الضيقة.
4- التعامل مع الغلو كمشكلة خطيرة، والعمل على عقلنة العقل العام وحل إشكالية
العقل- الإيمان، لا سيما وأن هذه المشكلة خطيرة جدا لها تأثيرها على الوعي العام
والسلوك العام.
5- تطوير أصول الفقه بما يعطي للمصلحة دورا أكبر في التشريع، وعدم التعامل
مع علم الأصول تعاملا مذهبيا.
6- قراءة النصوص وفق منهجي علمي يعتمد النظر في السند والمتن معا، وفهمها
بحسب ظرفها الاجتماعي، وعدم تحميلها بأفكار عقدية متصلبة لا تنسجم مع طبيعة الحياة
والإنسان.
7- معالجة قضية التقليد وإرجاعها الى وضعها العقلائي وهو رجوع الجاهل (بعلم
ما) إلى العالم به، وعدم إضافة أي شيء يزيد على ذلك من أحكام مخترعة لا أساس لها،
وعدم إرهاق الفقيه والمكلف العامي بما لا أصل له ولا أساس.
8- معالجة مشكلة تضخم الطقوس من خلال مفهوم البدعة، ورفض اعتماد الشكليات
التي تؤثر على ضمير الإنسان وتجعله يعيش حالة من النفاق والازدواجية.
9- تطوير منهج علمي للتاريخ، معزول عن العقيدة، منهج ينطلق من دراسة
التاريخ لغرض فهم التاريخ لا العيش فيه.
10- تطوير الخطاب المنبري، وتخلصيه من الخرافيات والأكاذيب، وعكس الجانب
الحضاري في الإسلام، وقيمه العليا.
11- التأكيد على الوحدة، وأمن وسلم المجتمع، ورفض فكرة أو كذبة الفرقة
الناجية، وما يشبهها والتأكيد في مقابل ذلك على فكرة العمل الصالح.
12- كشف أخطاء وأوهام الإسلام السياسي، وبيان اشكالياته لا سيما بما يتعلق
بفهمه لتطبيق الشريعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحاكمية وولاية الفقيه،
ونظرته للتعددية ولقضايا المرأة والثقافة (كتب الضلال مثلا) وما إلى ذلك. ورفض
الأفكار الفقهية التي تؤكد على طاعة السلطان، أو جواز سرقة أموال الدولة أو
النظرية الفقهية في الجهاد، وغيرها كثير. وتأسيس رؤية فقهية تعترف بالوطن، وتقدّر
المواطنة كأساس تترتب عليه الحقوق والواجبات.
وأخيرا:
أوجه كلامي هذا لمن يشعر بالمشكلة، وأما من لا يشعر بها ويرى أن الأمور على
أحسن ما تكون فبالتأكيد لن يحل مشكلة لا يشعر بها. شخصيا لا زلت أعتقد ليس من
منطلق عاطفي، بل من منطلق رؤية علمية حقيقية أنّ هذا الخلل يمكن حله من رؤية
اجتهادية تكسر النمطية، وتزيل أوهام الصناعة الفقهية، وعلم الكلام الهندسي،
والطائفية ووهم امتلاك الحقيقة.
وما لم نصلح حالنا، فسوف تكون عواقب الأمور خطيرة جدا، وسوف تتحمل المؤسسة
مسؤوليتها أمام الله والتاريخ....
هذا رأيي والله
المستعان وهو المعين
0 تعليقات