قصة الفيل.... حقيقة أم أسطورة؟
عز الدين محمد
أثار البعض نقدا على
قصة أصحاب الفيل التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وذلك في سورة الفيل التي تحكي
قصة غزو إبرهة ملك اليمن لمكة بغية تهديم الكعبة، وبحسب الرواية التاريخية، فإن
إبرهة بنى كنيسة ضخمة سماها القُليس أنفق عليها الكثير، وأراد أن يجعلها مركزا
دينيا للعرب. إلا أنّ ما أراده لم يتحقّق، وبقي العرب على طريقتهم في الحجّ إلى
الكعبة. ثم ثارت حفيظته عندما سمع أن أحد الأعراب دخل الكنيسة وقضى حاجته فيها،
وهو ما أثاره حيث عزم على غزو مكة بجيش كبير يتقدّمه فيل.
ووجه النقد هو أنّ
الفيلة لا توجد إلا في المناطق الاستوائية، وأنها لا تعيش في اليمن، فمن أين جاء
بها جيش إبرهة كما يقال؟ ثم إنها تحتاج كميات كبيرة من الطعام والعشب والماء، وهو
ما يصعب جدا توفيرها في أراض صحراوية جافّة كجزيرة العرب.
لكن ما قيل من أنّ
الفيلة لا توجد في اليمن غير معلوم، فقد كانت هناك الكثير من الحيوانات في بلاد
العرب إلا أنها انقرضت، كما إن من المحتمل جدا أنّه جيء به من الحبشة، لأن الأحباش
كانوا يحكمون اليمن وقتها. هذا فضلا عن أنّ جوّ اليمن ليس بعيدا عن جو أفريقيا كما
هو واضح، مما يجعل ظروف معيشتها متحققة بشكل معقول.
وهناك من قال بأن
الفيل الأفريقي لا يستعمل في الحرب، وهذا أيضا ليس صحيحا حيث أن هناك ما يعرف
بالفيل القرطاجنيّة التي استعملت في الحرب ببين قرطاجنة والرومان.
كما إنّ توفير كميات
من الطعام لفيلٍ ليس أمرا بهذه الصعوبة التي تجعل القصة غير قابلة للتصديق كما
يحاول البعض أن يصوّر، فكما يمكن توفير كميات كبيرة من الطعام لجيش يتكون من آلاف
الأفراد يجتاز صحراء يقطع فيها آلاف الأميال؛ فيمكن توفير طعام لفيل؛ وأي عجب في
هذا؟!
ثم إنّ القرآن ذكر
لفظ الفيل، وهو إن كان يحتمل أن يدل على الجنس كما ذهب إليه البعض حتى ذكر أنّ
هناك عددا من الفيلة كانت في جيش الأحباش أوصلها بعض الرواة إلى اثني عشر. إلا أني
أستبعد هذا جدا، ولا دليل عليه، وذلك بسبب كلفة تحريك عدد كبير منها ولعدم الحاجة
إليها أيضا. وأعتقد أنّ هذه من تهويلات بعض الروايات، لا سيما مع ما ذكر من أنّ
اسم الفيل هو محمود!! وهو غريب جدا، ويبدو أنه يصدر عن عقليّة قصصية تعتمد القصص
الشائعة أكثر مما تعتمد مصادر معتبرة. لذا فالراجح عندي أنّ لفظ "الفيل"
في الآية يدل على الوحدة، كما هو ظاهر الللفظ، فهو مثل تعبير أصحاب الجمل، ومعلوم
إنه لا يوجد إلا جمل واحد يومها.
وأما الاعتراض بعدم
ذكر هذه القصّة في المصادر التاريخية الأخرى، فهذا –كما قيل- ليس دليلا قاطعا على
كذبها، فنحن نأخذ تاريخ الصين والهند منهم، ولا نردّ ما يرد منهم بدعوى أنّه لم
يرد ذكره في مصادرنا.
ومع هذا، فإنّ لا
يمنع من دراسة المسألة تاريخيا، فربما يكون هناك فهم غير صحيح للقضيّة. فينبغي أن
لا يكون عندنا تحسّس من أي نتائج يأتي بها العلم، بل يمكن أن نستفيد منها لفهم
أفضل للنص. لا سيما وأن هناك بعض الدلائل على أن إبرهة لم يمت في غزوته تلك، بل
رجع منها سالما، وأنّ وفاته كانت قبل مولد النبي (ص) بما يقارب عشر سنوات.
مع إنّه ينبغي أن لا
ننسى بأنّ هناك اختلافا في عام مولد النبي (ص) ، فرغم أن معظم العلماء ذهبوا إلى
أن مولد النبي (ص) كان في عام الفيل. إلا أن هناك أقوالا تخالف المشهور، فقد ذكرت
بعض المصادر أن مولده كان بعد الفيل بعشر سنوات، أو ثلاث وعشرين سنة، أو أربعين
سنة، وهو رأي ابن عساكر الذي ذكر في كتابه "تاريخ دمشق"، أن الفارق
الزمني بين عام الفيل وإعادة بناء الكعبة، كان سبعين عاماً، مما يعني ما يعني أن
عام الفيل سبق مولد النبي (ص) بخمسة وثلاثين عاماً.
وكل ذلك يفتح مجالا
واسعا للنقاش وطرح الاحتمالات، ويجعل الجزم موقفا غير صحيح لا سيما أن السورة كما
تقرأها مجملة، ليس فيها أي تفصيل يتعلّق بتحديد أصحاب الفيل، وما حصل لهم، ونوع
الطير التي هاجمتهم، وموقع الحدث، وغير ذلك مما اعتمد في تحديده على أقوال مؤرخي
تلك الفترة مع احتمال وجود خلط بين ما يمكن أن يعتمد منها، وما لا يتجاوز قصصا
يتداولها الناس فيما بيينهم.
0 تعليقات