آخر الأخبار

أعقلها وتَوَكَّـلْ !!!!!







أعقلها وتَوَكَّـلْ !!!!!



بقلم: عبدالعظيم المهتدي البحراني

نوصي بقراءة هذا المقال المهم.


* موقفنا من تعقيم الكعبة المشرفة والمسجد الحرام والأضرحة الشريفة هو موقف فقهائنا الأجلّاء الذين أفتوا بوجوب تطهير تلك البقاع الطيّبة إذا ما جرى عليها شيء من النجاسات الخَبَثيّة كالدمّ والبول مثلًا. فالتعقيم من الفايروس هو تطهير مما هو أسوء من هذه النجاسات.


·   إنْ قال قائل أليس الإمام علي (عليه السلام) قال: {قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله): إذا نزلتِ العَاهَاتُ والآفات، عُوفِيَ أهلُ المَساجِد}. فلماذا تمنعون المرضى من الدخول إلى المسجد الحرام والعتبات؟


قلتُ: إن معنى أهل المساجد في هذا الحديث هو المؤمنون الذين يسجدون وليس المكان. وإلا فلماذا هاجر النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) من مكّة لما أراد المشركون قتله.. ولم يلجئ إلى المسجد الحرام علمًا أن الله يقول: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا)؟! وهاجر سبطه الحسين (عليه السلام) من المدينة ولم يلتجئ الى المسجد النبوي الشريف كيلا يصله خطر قاتليه؟! ثم ترك المسجد الحرام إلى كربلاء؟! وكذلك هاجر المراجع والعلماء من النجف ومن كربلاء لمّا خافوا من مجرمي حزب البعث.. فلم يلوذوا بحرم علي (عليه السلام) ولا حرم الحسين (عليه السلام).. وقد أخذ صدّام كثيرًا ممن لم يهاجروا فأعدمهم وبعضهم أخرجوهم من داخل الحرم الشريف إلى ساحات الإعدام. فليس اللجوء المقصود إلى المساجد إذن هو المعنى الظاهري للكلمة.


* البعض مع الأسف يفترض أن التداوي بالمجالس والدعاء يعني ترك الأسباب الطبيعية التي قدّرها الله تعالى. إن بركات مجالس الدعاء بديهية ومن البديهي أيضًا الشفاء في التربة الحسينية التي قال فيها الإمام الصادق (عليه السلام): {في طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كل داء وهو الدواء الأكبر}.. لكن هذا لا يعني ترك الوقاية وترك العلاج الطبيعي.



إن في الموقف هنا مسؤوليةً شرعية، فلو تهاوَنَ المصاب عمدًا وأمات غيره بالعَدوىٰ فإنه محاسَب عند الله حساب القاتل بدليل قول الرسول (صلى الله عليه وآله): {لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الإسْلَام}. وهو ما أسّس عليه فقهاؤنا قاعدة "اللاضرر" واستنبطوا منها ولازالوا أحكامًا تكليفيّاً.


* هناك مَن يريد المعجزة.. ولكن المعجزة من صنف الاستثناء لا يأذن الله بها في كل مورد.. بل في موارد قليلة دون. فمثلًا لما رمى بعض الطغاة الكعبة المشرَّفة بالمنجنيق وقتلوا المسلمين حولها في المسجد الحرام لم يتدخّل الله بالدفاع الإعجازي لا عن بيته الحرام ولا عن دماء ضيوفه.. ولكنه في قصة أصحاب الفيل تدخّل بقوّة الإعجاز.

فالمشكلة هنا أن هذا البعض لم يميّز بين القوانين الغيبيّة لله وهي حالات استثنائية وبين القوانين الطبيعية التي هي من سننه في الحياة وهي الأكثر.



فلو افترضنا -حسب إفادة أحد علمائنا الأجلّاء- أن مريضًا بمرض مُعْدٍ قبّل جدار الكعبة وكان فمُه يقطر دمًا فتنجّس جدار الكعبة ثم جاء مؤمن آخر ومن الأتقياء فقبّل نفس المكان برطوبة من فمه.. هنا تحصل الأمور الثلاثة التالية معًا:


1/ يتنجس فمُه وعليه أن يغسله امتثالًا للحكم الفقهي.
2/ يتمرّض، وذلك بأثر المرض المُعدي، وهذا جريانٌ لسنة الله في القانون الطبيعي للعدوىٰ.
3/ يحصل على البركة المادّية والمعنوية تأثيرًا للسبب الغيبي الذي قدّره الله عليه.



وأمّا لو أراد الله بالمعجزة أن يعطّل قانونه الطبيعي العام لصالح هذا المؤمن كما في قصة النار التي لم تحرق ابراهيم فهذا استثناء.. والاستثناء ليست حالة متكرّرة لكل شخص وفي كل زمن.

* إذا استوعب الموالون الأعزّاء هذه الحقائق سيفرّقون بين مرضٍ يشفيه الله ببركة الرسول والإمام المعصوم وبين مرض يريد الله منه أمرًا آخر.. ويترتب على وعيهم لهذه الحقائق التزامُ ما يلي:

• الوقاية قبل العلاج...

• العلاج بعد الإبتلاء...

• الدعاء باستمرار...

• التوسّل بمحمد وآل محمد...

• عدم التهاون مع المرض المُعدي فإنّ أمره يختلف عن غير المُعدي...

·   وهنا نأتي إلى موضوع تعليق أنشطة الحسينيات لمدّة اسبوعين عندنا في البحرين وفي بلدان أُخَر حتى يتبيّن مدى خطورة الوباء.. فهو عملٌ وقائي احترازي أوجبه الإسلام في مساريْن اثنين:


• المسار الأوّل.. هو احتمال الضرر، وقد أفتى المراجع مثلًا اذا احتمل المكلّف بالضرر العقلائي من صيام سقط وجوبها بل لو تأكد منها الضرر بطل صومُه وأثِم، وكذلك الغُسل يتبدّل إلى التيمم لو احتمل التضرّر بالماء. وعليه فنحن لما نحتمل أن دخول شخص واحد مصاب في الحسينيات -وهو احتمال أيّده العلماء والأطباء والعقلاء وأثبتْته كثرة الموتى حسب النشرات الخبرية المشهودة- أليس الشرع يحكم هنا بعدم توفير بيئة التلاقي بين الناس؟! مَن يضمن لنا أن من بين الجالسين في الحسينيات رجالًا ونساءً لا يوجد مصاب واحد وهو لا يدري عن نفسه أو متساهل في العلاج؟!


• المسار الثاني.. نحن في الحسينيات نشكّل الحلقة الأضعف في محيطٍ من التحريض الطائفي البغيض.. فإذا لا سمح الله ظهرتْ فيها حالة واحدة فسيشنّ الطائفيون هجومهم الإعلامي وتنفّذ الجهات الصحية الحَجْر على روّاد تلك الحسينية وإغلاقها!! هذا الاحتمال عقلائيٌّ جدًّا في ظلّ الأوضاع الراهنة.. فلماذا نُعرِّض الناس والحسينيات الى هذه النتيجة ثم لا تنفعنا الندامة؟!


ولا يوجد هذا المسار الثاني فيمَن يفتح بيته للمجالس الحسينية.. لذلك نؤيد تلك المجالس خاصةً في فترة الطوارئ مع أخذ التدابير الوقائية.. كالتعقيم بالحرمل وعدم المصافحة والمعانقة وتَبادُل السُّؤْر.



·        يقول البعض لماذا إذن لا تُغلَق الملاهي وهي أوْلى؟!

أقول تلك يجب أن تُغلَق بشكل دائم سواء في حالة الأمراض وغيرها ولكن لها أصحابها ولا يُسمَح لعلماء الدين التدخّل فيها. وإذا كانت جهات تخالف أحكام الشرع لا يعني أن نخالفها نحن أيضًا.

* وأخيرًا: نؤكّد بشدّة على الارتقاء بالوعي الجماهيري نحو ما قاله رسول الله لصاحب الناقة الذي سأله: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ فقَالَ له (صلى الله عليه وآله): {إعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ}.

لتطبيق هذا الحديث الشريف أرجو من المؤمنين والمؤمنات اتباع فتاوى مراجع الدّين وما يبيّنه لهم العلماء الربّانيّون وعدم تشتيت أنفسهم بالآراء الشخصية ورسائل "الواتس أب" المجهولة المصادر.

فلنفقه ما ورد عن مولانا الصادق (عليه السلام) قوله: {إنّ نبيًّا مِن الأنبياء مَرَض. فقال: لا أتَداوىٰ حتّى يَكونَ الّذي أمْرَضَني هو الّذي يَشـفِـيَني. فأوْحىٰ اللهُ إليه: لا أشْفِيَكَ حتّى تَـتَداوىٰ، فإنّ الشّفاءَ منّي}.

دمتم سالمين في دينكم ثم في أبدانكم وأموالكم وأوطانكم بجاه محمدٍ الكريم وأهل بيته الطاهرين.

عمِّم الفائدة بالنشر

إرسال تعليق

0 تعليقات