آخر الأخبار

قراءة فيما قبل " كورونا" واحتمالات ما بعدها ..









مجدى شعبان


ما كان يدور في ذهن التاجر الأمريكي نحو المنطقة هو إبرام عقد تصفية من طرف واحد دون الأخذ في الاعتبار رأي أو حتى مشاعر الطرف الآخر من خلال فرض نفوذ دولة عظمى بطريقة فجة بالاتفاق مع قوى إقليمية لكل طرف منها حساباته ومصالحه الخاصة.



فالأمريكي صاغ خطته بطريقة ترضي الجميع ليس من باب إحقاق الحق لاسمح الله وإنما من منطلق : “أطعم الفم تستحي العين” بالمفهوم الأميركي وليس الشرقي طبعا..!



فالأمريكي يعرف جيداً من أين تؤكل الكتف .. حيث يجتهد هنا وهناك في مساعدة الشعوب والأمم الأخرى لكن من جيوب تلك الشعوب ..


فالصفقة كما صاغها تقوم على أموال وثروات عربية وبنودها الأساسية تمت صياغتها بتمويل محلي ورعاية أميركية وغطاء إقليمي ويمكن تلخيصها كالتالي :


-    تتنازل شركة فودافون للاتصالات عن السوق المصرية لشركة STC السعودية التي ستستحوذ بموجب الصفقة على حصة المجموعة البريطانية والتي تبلغ أكثر من ٤٥ بالمئة من السوق المصرية أي ما يعادل حوالي ٨٠ مليون مستخدم مقابل ٢.٤ مليار دولار في صفقة غريبة ومثيرة للشك شكلا ومضمونا وتوقيتاً....



٢- تتوسط الولايات المتحدة بين مصر وإثيوبيا لضمان إنهاء مفاوضات سد النهضة المتعثرة مع تفضيل المصالح المصرية نظراً لضرورة المرحلة...




٣- تضمن الولايات المتحدة تبرئة ولي العهد السعودي أمام المحافل الدولية من تهمة التدبير والتكليف باغتيال جمال خاشقجي وغيرها من الملفات التي ارتبط اسمه بها.



٤- يحصل الأردن على امتيازات اقتصادية و”وضع عربي أفضل” مقابل الموافقة على التخلي عن غور الأردن ..وهي مساحة لا بأس بها من الضفة الغرببة.



٥- يتم تجاهل تحركات تركيا واستفزازاتها ...لا بل حتى السماح لها بتوسيع نفوذها جنوب المتوسط عبر بوابة ليبيا لتعويض خسائرها المتواصلة في سوريا بالإضافة الى وعد مبدئي بعدم إفساح المجال للأكراد بإنشاء دولتهم على الحدود التركية.




٦- غض النظر عن مشروع إسقاط النظام في سوريا والضغط على إيران وتكبيلها بالعقوبات لإفساح المجال لنفوذ شبه مطلق لروسيا على الأراضي السورية .





٧- إغراق لبنان في الأزمات والديون والانتفاضات لإخضاعه بالكامل ومنعه من الالتحاق بقطار الدول النفطية، ومن ثم إلزامه بشروط تعجيزية وصولاً لتوقيع مراسم التوطين
وما يتبعه من “لم الشمل” لتخفيف عبء الديموجرافيا على المستوطنات...




٨- تعتبر الوعود الأمريكية للشعب الفلسطيني بالرخاء والتنمية والازدهار من الأمور البديهية كبناء مطار والحق في استعمال الموانئ وتأمين فرص عمل وغيرها يمكن تصنيفها بكونها حد أدنى من مستوى المعيشة لأي شعب في العالم.

على أية حال أمريكا لن تدفع لتحقيق تلك الوعود إنما تمويل المشاريع يقع على كاهل دول الخليج النفطية.




٩- توافق بريطانيا كقوة كبرى ضمنيا على خارطة الطريق مقابل السماح لها بعقد صفقة جانبية مع عملاق الهواتف الصيني “هواوي” التي عملت أميركا جاهدة لمحاولة عزله تماما عن الأسواق العالمية بالإضافة الى منحها امتيازات تجارية وجمركية لتعويض خروجها من السوق الأوروبية.




١٠- فيما يخص أعضاء مجلس التعاون الخليجي، الإمارات، البحرين وسلطنة عمان، فكان حضور سفرائهم في واشنطن ومباركتهم خارطة الطريق الجديدة “مجانية” وهي نتيجة التطبيع والعمل الدؤوب للإدارات الأمريكية في تسخير الاقتصاد لصالح السياسة الخارجية.


علماً أنه قد تم توقيت الصفقة في وقت ملائم جدا ...

فالأوروبيون مهتمون بشؤونهم الداخلية ولديهم ما يكفيهم من ملفات وتحديات شائكة كوقف الهجرة غير الشرعية وتأمين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأقل أضرار ممكنة ..




والصين غارقة في محاربة المرض القاتل الذي ظهر من العدم بقدرة قادر..وبتوقيت مشبوه ..!



أما روسيا المنهمكة بترتيب البيت الداخلي فلا تزال منتشية بمقتل قاسم سليماني الذي كان يشكل شخصيا هو وفيلقه عقبة أساسية أمام بسط النفوذ الروسي بالكامل في سوريا، وبتصفيته كانت أمريكا قد قدمت هدية مجانية للروس وبدون شروط مسبقة، وروسيا معتادة على رد الهدايا حتى المجانية منها ..



فكان المشهد الذي رأيناه بمناسبة إحياء ذكرى ضحايا المحرقة بحضور الرئيسين الفرنسي والروسي وولي العهد البريطاني ونائب الرئيس الأميركي، و الوفد العربي الذي تقدمه وزير العدل السعودي السابق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمـد بن عبد الكريم العيسى الى معسكر الإبادة النازي في أوشفيتز/بولندا بمناسبة مرور 75 عام على تحريره بما يرمزإلي مباركة وإجماع عربي ودولي لـ”سايكس بيكو” القرن الحالي..


وها هم العرب مرة أخرى على أرضهم وأمام جمهورهم تجدهم لا حول لهم ولا قوة وكأنهم أصبحوا مجرد متفرجين ومصفقين لا بل وبعضهم مستمتع بلعبة الأمم.


ويبقى الطرف الأضعف في لعبة الأمم تلك هم العرب أنفسهم رغم عددهم وضجيجهم وعلو أصواتهم ..


ألم نقل أنهم مجرد ظاهرة صوتية ؟!


والآن ننتظر لنري كيف ستسير الأمور بعد إعصار "كورونا" ..

إرسال تعليق

0 تعليقات