آخر الأخبار

العسكر و الجيش الوطنى






العسكر و الجيش الوطنى

د.أحمد دبيان

حين يتكرر استخدام كلمة العسكر ، لوصف الجيش الوطنى فهو استخدام ردئ واستدعاء لفترات تاريخية قاربت على الألفين وخمسمائة سنة منذ سقوط آخر فراعين مصر ابسماتيك الثالث .

فى هذه الفترات ومنذ سقطت مصر وحكمها الفرس فالاغريق فالبطالمة فالرومان فالعرب ، فالمماليك ، فالعثمانيون لم يكن الجيش الذى يدافع عن مصر أبداً من المصريين ، ( فكانت الفلسفة الشعبية لظلمهم حين يجورون هى كلمة العسكر ).

ظلت إرهاصات المقاومة الشعبية للسيد البدوي وأتباعه فى حملة لويس ، أو نضال حسن طوبار ، أو نضال الشيخ الجوسقي وأتباعه ضد الفرنسيس نموذجاً أن هذا الشعب يستدعى روح الجندية لديه حين يتم تهديد الوطن .

إرهاصات أول جيش مصرى بدأت مع شيخ العرب همام وأعقبه جيش من المتعاونين مع الفرنسيين ، ممثلاً فى المعلم يعقوب مع التحفظ على السياق التاريخي والهدف من تكوين هذا الجيش .

أول جيش نظامى من المصريين بقادة غير مصريين كان جيش محمد على بعد أن حاول أن يجعل قوام جيشه من الانكشارية ففشل ، وحاول مع السودانيين ففشل فلم يجد أمامه غير المصريين .

كانت النظرة السائدة أن المصرى فلاح ، وانه اذا تعلم الفلاح أو صار جندياً فانه قد يثور ، ويزيح الطغاة .

فوجئ محمد على بكفاءة الجندى المصرى وصبره وجلده ، وانتبه ابنه بالتبنى ، إبراهيم باشا والذى لم يكن الأثير لديه وكان ابن احد زوجاته والتى كانت زوجة لأحد المماليك الذين قتلهم فى القلعة .

لكفاءة وجلد الجندى المصرى ، فكان جيش مصر الحديث الذى أقض مضاجع العثمانلى فى الآستانة .

( إبراهيم باشا تولى الحكم فعلياً حين أصيب محمد على بالجنون ، بسبب أملاح الفضة التى كانت تستخدم فى علاج الدوسنتاريا وهناك قول آخر بسبب مذبحة القلعة ) .

رغم هذا كانت نبؤة الباشا التى تنبأت بزوال حكم أسرته فى عنصريته الاستعلائية ان اليوم الذى يصل الفلاح الى رتبة اليوزباشى سيكون يوم زوال حكمنا.

كان إبراهيم باشا أول إرهاصات القومية العربية ، وكان حلمه ان يوحد كل بلد ناطق بالضاد وكان مشروعه لتقويض العثمانلى اكبر مهدد لمصالح الدول الأوروبية التى آثرت الاحتفاظ بالرجل المريض ( الدولة العثمانية ) لتقسيم تركته لاحقاً .


كان الفلاح ولعدم فهمه لأسباب الحروب فى عهد محمد على وإسماعيل من بعده يلجأ الى البدلية اى دفع مبلغاً من المال مقابل الإعفاء أو لبتر أصبع من أصابعه كى لا يصلح للجندية .

بعد تقليص الجيش وانحسار إمبراطورية إبراهيم باشا ووفاته ووفاة محمد على ، وتولى الحاج عباس الاول الحفيد ، المؤمن الأول فى تاريخ المحروسة ، تقلص الجيش وسَرِّح معظمه وظل محصوراً فى الشركس والانكشارية حسب بنود معاهدة لندن ١٨٤١ حتى تم اغتيال عباس الأول على يد أسرته .

جاء سعيد والذى تم فى عهده تعديل بعض بنود معاهدة لندن بموافقة العثمانلى ، فكان اعادة تأسيس الجيش المصرى ودخول مصريين مرة أخرى فى قوامه.

كان هذا الجيش هو جيش عرابى

الذى تأثر بتعاليم الافغانى والشيخ محمد عبده وكان الطليعة لأول محاولة ثورية فعليةً ضد الإقطاع وحكم الأجنبي وإقامة حكم برلمانى وتم قمعه وعلى غرار كومونة باريس بتحالف الإقطاع والأرستقراطية مع الأجنبى المحتل .

سقطت مصر تحت براثن الاحتلال وتم حل الجيش المصرى بأمر خديوي من توفيق الخائن .

وكان جوهر الأمر هو التخلص من جيش عرابى

وإقامة جيش متعاون خاضع للاحتلال من العناصر الأرستقراطية والترك والانكشارية.

احتاج الأمر حتى عام ١٩٣٦ حين لاحت نذر الحرب العالمية الثانية واحتاجت بريطانيا للتفرغ والتحضير لجبهات القتال المُحتملة فوافقت على التوسع فى الجيش المصرى ما سمح بدخول عناصر الطبقات المهمشة والمتوسطة للجيش المصرى ، وهم من قاموا فعلياً بثورة ٢٣ يوليو الوطنية والتى أنهت الاحتلال الإنجليزي وأطاحت بعرش محمد على وأسرته .

إرسال تعليق

0 تعليقات