طب الأئمة.... كتاب
ورأي
عز الدين البغدادي
ضمن الجدل القائم والمستمر مع انتشر وباء كرونا، واختلاف الأطروحات في دور
الاعتقاد الدين في ذلك، تحدث الأستاذ الشيخ حيدر حب الله عن كتاب مشهور وهو "طب
الأئمة" وبين بعض الإشكالات عليه.
وحب الله أستاذ معروف صاحب منهج تنويري وله كتب ودراسات كثيرة، وقد رأيت أن
انطلق مما تفضل به للحديث عن الموضوع عموما وعن الكتاب بخصوصه.
وقبل مناقشته سماحة الشيخ أقول:
كتاب طب الأئمة عليهم السلام هو من الكتب التي أخذت شهرة كبيرة في هذا
المجال، وهو من تأليف الأخوين عبد الله وحسين ابني بسطام بن شابور النيشابوري،
ويتناول الروايات الواردة عن الأئمة (ع) في الطب والتداوي بالأعشاب والأدعية،
وأيضا في منافع ومضار الأطعمة.
يتضمن الكتاب طب أكثر من 400 حديث جاءت ضمن 245 عنواناً، تحت كل عنوان
رواية او اثنتان.
وما طرحه الأستاذ حب الله فيه نقاش:
أولا: ما نقله عن البعض التشكيك في المؤلفين صعب بل غير مقبول لأن النجاشي
ترجم لهما وان لم يرد توثيق صريح بحقهما، وخلافا لرأي السيد الخوئي فبرأيي فإن عدم
التوثيق لا يلزم منه التضعيف، بل ان رواياته تؤخذ وترد بحسب المتن والقرائن الأخرى.
مع ان النجاشي ترجم لأبيهما فقال عنه: "ثقة ، وإخوته زكريا ، وزياد ،
وحفص ثقات كلهم" فهما من أسرة محترمة، وبرأيي أن هذا وإن لم يكن فيه توثيق
لهما بالتأكيد إلا أنه يعطي نوعا من الاطمئنان اليهما لا سيما وأنهما لو كان على
خلافا طريقة أبيهما وأعمامها لكان أشير إلى ذلك.
ثانيا: عدم وجود الروايات في كتب أخرى ليس غريبا على طريقة الامامية في
تدوين الحديث، فهم عموما بخلاف محدثي السنة يكتبون أحاديث الفقه في كتب مختصة،
وكتب العقائد في غيرها، وكتب الأخلاق ايضا منفصلة، وكذلك كتب الطب. وبالمناسبة فهو
ما فعله أهل السنة أيضا كما تلحظ في كتب الطب النبوي ككتاب "الطب النبوي"
لابن القيم، وكتاب " المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي" للسيوطي.
ثالثا: من حيث السند، فخلافا لماذكره جناب الشيخ فإن معظم رواياته مسندة
على ما أذكر، لكني اتفق مع ما ذكره فيما يتعلق بمشكلة ضعف الأسانيد في الكتاب
لأنهم عادة يتساهلون ولا يهتمون بها في أمور كهذا، لكن هذا لا يلزمنا، فالسند حجة.
كما أن كثيرا من رواة الأحاديث من الغلاة، وهذا يرجع الى تساهلهم في مثل هذه
الروايات لا سيما وأن كثيرا منهم يهتم ببيان اتساع قاعدة معرفة الإمام أكثر من
التدقيق بالمضمون.
إلا أن المشكلة الأهم في سند الكتاب نفسه أي في طريقه، فهناك من شكك في
وجود طريق للنجاشي إليه وهو رأي السيد البروجردي كما نقل عنه السيد محمد مهدي
الخرسان في مقدمته لتحقيق الكتاب، وهناك من ذكر بأن طريق النجاشي إليه هو عن أبي
عبد الله بن عيّاش عن الشريف أبي الحسين صالح بن الحسين النوفلي، عن أبيه، عن
الحسين وعبدالله ابنا بسطام. وهو طريق ضعيف لأن صالح بن الحسين النوفلي لم يوثّق
فيكون الطريق إلى الكتاب غير معتبر.
وقد قال الشيخ محمد باقر البهبودي عن صالح بن الحسين النوفلي بعدما ذكره في
قسم (الضعفاء) من كتابه "معرفة الحديث": .... ومن مروياته كتاب طبّ
الأئمة، تفرَّد بروايته على ما ذكره أبو عيّاش الجوهري… والكتاب دائرٌ سائرٌ حتى
اليوم، رواه المجلسي في البحار متفرِّقاً على الأبواب، وأورده شيخنا الحر العاملي
في الفصول المهمة، وقد طبع أخيراً بالنجف. وكلها ترَّهات وطلسمات وأدوية مأخوذة من
الطبّ الأساطيري.
رابعا: وهو الأهم، هو أن هذه الروايات حتى ما صح منها ليس فيه حجة تعبدية،
والعجيب أن القدماء على قلة معرفتهم بالطب قياسا بهذا الزمن، ورغم أخذهم بالروايات
كانوا مع ذلك أكثر وعيا وأفهم في دلالة هذه الروايات ومعانيها، فقد قال الشيخ
الصدوق في كتابه "الاعتقادات في دين الامامية": اعتقادنا في الأخبار
الواردة في الطب أنها على وجوه:
منها ما قيل على هواء مكة والمدينة ولايجوز استعماله على سائر الاهوية.
ومنها ما اخبر به العالم على ما عرف من طبع السائل ولم يعتبر بوصفه إذا كان
اعرف بطبعه منه.
ومنها ما دلسه المخالفون في لكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس. ومنها ما
وقع فيه سهو من ناقلية.
ومنها ما حفظ بعضه ونسيي بعضه.
وما روى في العسل انه شفاء من كل داء فهو صحيح ومعناه شفاء من كل داء بارد.
وما ورد في الاستنجاء بالماء لصاحب البواسير ، فان ذلك إذا كان بواسير من
الحرارة الخ.
وقال الشيخ المفيد في "تصحيح الاعتقاد" عن هذا الطب: وقد ينجع في
بعض أهل البلاد من مرض يعرض لهم ما يهلك من استعمله لذلك المرض من غير أهل تلك البلاد
ويصلح لقوم ذوي عادة ما لا يصلح لمن خالفهم في العادة.
وهذا كلام هام جدا، يدل على وعي وادرك لخطأ وخطر حمل هذه الروايات على
التعبدية والقطع بها.
والله أعلم.
0 تعليقات