التعامل مع فيروس
كورونا (٩)
[دراسة فقهية]
أحمد مبلغي⇭
القاعدة الرابعة: قاعدة "سقوط أكثر الواجبات بظن الهلاك".
مفاد القاعدة:
وفقًا لهذه القاعدة ، يتم سقوط أكثر التكاليف الشرعية، فيماإذا كان هناك ظن
في أن القيام بها سيؤدي إلى موت الانسان.
وكما هو معلوم، تركز هذه القاعدة على عنصر الظن، لا عنصر اليقين، فلا تقول
القاعدة: حتى إذا كان هناك يقين بأن الموت سيحدث بسبب الإتيان بالتكليف فهو يسقط
شرعا، بل تقول: إذا كان هناك ظن بأن الموت سيحدث بسبب تنفيذ التكليف، فهذا التكليف
يسقط، أي: أن الظن يكفي في سقوط التكليف؛ وذلك انطلاقا من أهمية الحياة البشرية في
الشريعة الإسلامية.
أول من طرح القاعدة:
لقد قام ببلورة هذه القاعدة لأول مرة - حسب ما يظهر- صاحب الجواهر في كتابه
(أنظر: الجواهر، ٢١ : ٦١).
وكما هو معلوم أنها قاعدة كمنت في صميم الفقه الإسلامي، ويمكن مشاهدة
تجلياتها في ثنايا الشريعة، إلا أن دور صاحب الجواهر هو أنه بلورها وأبرزها
وعنونها، واستدل بها بشكل شفاف.
وأمثلة سقوط التكاليف بظن الهلاك منتشرة في الفقه، وقد جاء في كلمات صاحب
الجواهر، الإشارة إلى أهم هذه الأمثلة، منها: حرمة أكل الميتة، وحرمة أكل الدم،
ووجوب الصوم، والحج والصلاة و... ( الجواهر، ٣٦ : ٣٦٩ ، ٥: ١٠٨ )
مستند القاعدة:
مستند هذه القاعدة هو مجموعة الشريعة، سياقها وروحها وأدبياتها والمنطق
السائد على حركتها. فنحن عندما ننظر الى هنا وهناك من الشريعة، نجد أنه أينما ومتى
يتعلق أمر مّا بحياة الإنسان، فقد أخذت الشريعة جانب الحفاظ عليها ورفعت عن الإنسان
التكليف المنتهي الى زوال هذه الحياة، بل ذهبت هذه الشريعة الغراء أبعد من ذلك
وقالت: حيثما يحصل حرج (أو يظن بحصوله) بسبب تكليف ما، فهو مرفوع عنه.
وصفوة القول: أن المنطق المتبلور في الشريعة يقول: إنه إذا كان الإحراج (أو
ظنه) سببا لرفع التكليف من ناحية الشريعة الإسلامية، فما هو وضع التكليف المظنون
بكون الإتيان به سببا لهلاك الإنسان. وهذه الروح سارية في أجزاء الشريعة وجزئياتها.
وهناك نصوص أيضا تدل على ذلك نوكل ذكرها الى محلها.
الاستناد الى القاعدة تجاه قضية كورونا:
أهمية هذه القاعدة والاستناد إليها تجاه مرض كورونا تتجلى وتظهر في تعيين
الحكم الشرعي بالنسبة الى الاجتماعات الدينية؛ مثل إقامة الجماعات في المساجد أو
زيارة المشاهد المشرفة، وذلك عبر البيان التالي:
ان الواجبات إذا سقطت بسبب وجود الظن بالهلاكة فماذا عن وضع المندوبات
والمستحبات في الشريعة؟ فهي يتم سقوطها بطريق أولى، بل الأمر اكثر من هذا، فانه
يلبس المستحب لباس الحرمة الشرعية إذا كان سببًا لموت الإنسان، او حتى فيما إذا
يظن بسببيته له.
والشيء العجيب هو أنه في هذه الظروف التي يلقي فيها كورونا بظلاله على
المجتمع ويهدد حياة العديد من الناس، يوجد أناس هنا وهناك يصرون على تشكيل اجتماعات
دينية، بحجة أن الدين سيظل مواجها للخطر بسبب تعطل هذه الاجتماعات أو بحجة أشياء
أخرى! فالسؤال من أي موضع من الدين، اتخذوا هذا المنطق الذي يطرحونه وراء تشكيل
هذه الاجتماعات ووراء الذهاب الى ضرورة هذه التجمعات ووراء الإصرار عليها ؟! وعلى
أساس أي تحليل مقبول اجتماعي يتجهون نحو هذا المنحى؟!
⇭ مرجع دينى إيرانى
0 تعليقات