كرونا.. وفضيحة
الخطاب الديني
عز الدين البغدادي
هناك حديث نبوي يقول "إن لله في كل محنة منحة" أي إن كلّ محنة
تنزل بالإنسان يكون معها أمر ايجابي أو منحة للإنسان، أي فائدة يكسبها.. وهذا
الأمر ينطبق على هذا الوباء الذي حل في البلاد وزرع الرعب فيها.
لقد كان لهذا الوباء فضل في كشف كثير من أوهامنا التي كنا مرتاحين لها
لأنها كانت تشعرنا بالاطمئنان والثقة دون أن تجعلنا ندفع ثمنا تجاه إيماننا
واعتقادنا بها.
سنقف هنا أمام نقطتين:
الأولى: تتعلق بما روي عن مدينة قم، والتي جاء فيها بأنّ " البلايا مدفوعة
عن قم وأهله " وفي خبر " إذا عمّت البلدانَ الفتنُ بعليكم بقم وحواليها
ونواحيها، فإنّ البلاء مدفوع عنها".. لكن ما حصل كشف عن عدم صحة هذه الدعوى
وبينت ما فيها، فهذه المدينة حماها الله وأهلها كغيرها من المدن يمكن أن يصيبها
البلاء والوباء، بل إن المفارقة في أن البلاء ظهر منها وانتشر إلى غيرها!!
والنقطة الأخرى وهو معروفة تتعلق بقضية الاستشفاء بتربة أبي عبدالله
الحسين (ع)، ومن المعروف في الفقه الشيعي خصوصا تحريم أكل الطين بشكل قاطع إلا أن
هناك روايات جاءت باستثناء وهو أكل اليسير أو بمقدار حمصة من تربة قبر الحسين (ع) لغرض
الاستشفاء، وقد جاءت بذلك روايات فيها مبالغة من قبيل: "فإنه شفاء من كل داء"
وأنها " لا تمرّ بداءٍ إلّا هضَمَته"، وغير ذلك.
ومع أن ما في متنها يغني عن النظر في السند، إلا أنها من حيث السند ضعيفة
كلها، وهو ما صرح به السيد تقي الطباطبائي القمي في شرح الشهير على منهاج الصالحين
( مباني المنهاج ج10 ص 749 ) حيث قال عنها: "كلها ضعيفة سندا".
ولا يمكن ترميم ضعفها بالقول بأن كثرة الروايات كافية لجبر الضعف، فهذه من
الدعاوى الفاسدة التي بينت سابقا ضعفها لا سيما عندما يكون مضمون الخبر غريبا أو
مخالفا للأصل.
ومن حيث المتن والمضمون؛ فإن مفهوم الشفاء موضوعي، أي ان أثره لا يكون لفرد
دون فرد، ولو فرضنا فعلا وجود من شفي بتناول التربة كما يروى من قصص فان هذا لا
يكفي لوصفها بالدواء فقد يكون الشفاء بسبب قوة الاعتقاد، وقد يكون توهما ( ويسمى
علميا تأثير بلاسيبو).
وبأي حال، فإن هذا الطرح بان واتضح ضعفه وعدم معقوليته الآن بشكل واضح، وهو
ما يبين أهمية رجوعنا إلى منهج العقلانية الذي هو منهج الإسلام الحقيقي، والابتعاد
عن الخرافة وتبريرها بالإيمان.
عموما الفكري الديني المغالي يمكن أن يبرر ذلك، وأن يجد حججا لإقناع جمهوره
على أن ما حصل لا يخل بأصل الدعوى.
بأي حال؛ الأمر لا يتعلق بالخطاب الديني الشيعي، فيمكن أن تجد الكثير
الكثير من الدجالين وضعفاء العقل والكذابين الذين يعتاشون على أمور كهذه، بل ويمكن
أن تجد ذلك في الأوساط الدينية الأخرى كالمسيحية واليهودية والهندوسية وغيرها من
الديانات... نسأله تعالى أن يلطف بنا وأن يبعد هذا البلاء وأن يفتح أبصارنا
وبصيرتنا..
والله المستعان وهو
المعين.
0 تعليقات