آخر الأخبار

التعامل مع فيروس كورونا (١١) [دراسة فقهية]











أحمد مبلغى



[تحدثنا في المقال السابق عن قاعدة "تقديم مراعاة الأبدان على الأديان".


نظرًا لأن هذه القاعدة مهمة جدًا (بحيث إذا تم قبولها، فإنها تزودنا في الواقع بفكرة تشريعية أساسية وشاملة، تكون قضايا كورونا إحدى مصاديقها)، فإنه يجب فسح مجال أكثر للتأملات الضرورية حول هذه القاعدة. في هذا الإطار، نتابع الحديث في هذا المنشور وفي المنشور القادم عن هذه القاعدة أيضا].



مستند القاعدة:


هناك نظرتان الى قضية "تقديم مراعاة الابدان على الأديان"، وهما:

النظرة (١) : ترى أن الأحكام التي قُدِّم على حفظها، حفظ الأبدان في الشريعة الاسلامية، هي جملة من الأحكام فقط، وليست كلها ولا أغلبها.


وهذه نظرة صاحب الحدائق، حيث قال:
"والمعلوم من الشارع في جملة من الأحكام، تقديم مراعاة الأبدان على الأديان، ولهذا أوجب الافطار على المريض المتضرر بالصوم وإن أطاقه، والتيمم على المتضرر بالماء وإن لم يبلغ المشقة، والقعود في الصلاة على المتضرر بالقيام، وأباح الميتة لمن اضطر إليها، ونحو ذلك مما يقف عليه المتتبع". (الحدائق ١٨ : ١٥).


وقال في موضع آخر: "دلالة الأخبار في جملة من الأحكام على أن عنايته سبحانه بالأبدان أشد من الأديان" (الحدائق ٤. ٢٨٩).


طبقًا لهذا الرأي، لا يأخذ هذا البيان شكل قاعدة فقهية ، لأنه عندما يتعلق الأمر بمجموعة من الإحكام، فإنه يجب أن نتعرف على تلك المجموعة، فلا يبقى مجال ولا معنى لتطبيق فكرة التقديم على غير هذه المجموعة، بعد أن كان التقديم منحصرا بها.



النظرة (٢): لا ترى أن هذا التفضيل (الذي اعتبرته شريعة الإسلام للأبدان على الأديان) ثابت فقط لمجموعة من الأحكام، بدلاً من ذلك، تعتبر أنه تفضيل تشريعي تبلور وتحرك في الشريعة الإسلامية كاتجاه سائد ومهيمن.


وهذه النظرة لصاحب الجواهر وصاحب المفتاح.


وبحسب وجهة النظر هذه، فإن فكرة "تقديم الأبدان على الأديان" تتبلور كقاعدة فقهية؛ ذلك انطلاقا من أن هذا التقديم ليس لمجرد مجموعة خاصة حتى يقال: نذهب ونتعرف على تلك المجموعة وتنتهي، بدلاً من ذلك، لا بد أن نقول: نظرًا لوجود اتجاه سائد وغالب في التشريع الإسلامي على مراعاة هذا التقديم، يجب علينا تطبيق فكرة المراعاة كقاعدة فقهية في كل مورد، ما لم يتم إخراجه بدليل خاص.



في هذا السياق، يجب ألا نطبق هذه الفكرة فقط على الموارد التي خرجت بالدليل ، أما سائر الموارد والمجموعات، فيجب تطبيقها عليها.


يقول صاحب مفتاح الكرامة ( وهو من أصحاب هذه النظرة):


"والمعلوم من سيرة الشارع تقديم مراعاة الأبدان على الأديان، ولهذا أوجب الإفطار على المريض وإن أطاقه، وأباح الميتة لمن اضطر إليها، وشرب الخمر لإساغة اللقمة، إلى غير ذلك مما لا يحصى" ( مفتاح الكرامة، ١٢ : ٤٣٢).

يشاهد في كلامه أمران يدلان على أنه كان ينظر الي هذه الفكرة كقاعدة:


أولا: تعبيره عن تقديم مراعاة الأبدان على الأديان، بكونه سيرة للشارع ، وهو تعبير قوي يدل على أنه من أقوى القواعد.


ثانيا: انه اعتبر موارد تقديم المراعاة، مما لا يحصى، وهذا يعني أنه قاعدة كبيرة ومهمة.

إما صاحب الجواهر فهو يقول:


"أهمية حفظ النفوس والأبدان عند الشارع من حفظ الأديان" (الجواهر، ٥ : ١٠٨).

بعد شرح وجهتي النظر هاتين، يمكننا الآن الإجابة على هذا السؤال: هل للقاعدة (التي تتشكل على أساس وجهة النظر الثانية) مستند أم لا؟





التتمة للمنشور القادم إنشاء الله



----------
⇭ مرجع دينى إيرانى 

إرسال تعليق

0 تعليقات