آخر الأخبار

الشدة المستنصرية عندما أكل الناس لحوم البشر..











خالد الأسود


لم يكن الخليفة المستنصر حاكما فاسدا أو مستبدا، عم الرخاء أغلب حكمه، عُرِف بالعدل والتقوى، فتح القصر السلطاني أبوابه للشعب، من يرد الطعام أو الدواء يجده عنده السلطان..



في عام ١٠٣٦ ميلاديا، بخل النيل للمرة الثانية على مصر، سبع سنين عجاف، عز فيها الخير، عم الجفاف، ماتت الأرض الطيبة..



قبلها بسنوات زار الحسن بن الهيثم القاهرة، أشار العالم الشهير على حكام مصر ببناء سدا على النيل يقيهم السنوات العجاف..



قوبلت النصيحة العلمية بالرفض من الخلافة..



جاءت السنين العجاف في فترة اضطرابات سياسية وعسكرية، جيش الخليفة جمع أشتاتا من الجنود، بربر وسودان وأتراك، استبد عسكر الترك بالبلاد ، عاثوا فسادا ونهبا..



قبل بناء السد العالي كان نقصان منسوب مياه النيل يمثل كارثة تحل على مصر وشعبها..



تصحرت الأرض، هلك الناس، نهب الترك مخازن الحبوب والغلال، تخطف الناس الخبز من الخبازين..

استمر الجفاف..

شهدت مصر سنينا من أشد السنين قسوة على شعبها، مات أكثر من ثلث سكان مصر في تلك الشدة( لو حسبناها بمقاييس زمننا لبلغ الرقم أكثر من ٣٠ مليون نسمة ).


بلغت المجاعة حدا أن أكل سكان القاهرة القطط والكلاب، بل صار سعر القطط والكلاب لايقدر عليه إلا الأثرياء..


حتى الخليفة نفسه لم ينج من المجاعة، باع كنوزه ومجوهراته، حتى رخام مقابر أجداده باعه..


عاش الخليفة مدينا بحياته لابنة أحد رجال الدين أجرت على الخليفة ما يحفظ حياته، وظلت ترسل له ما يكفيه من الخبز كل يوم ..



( نفسي أعرف اسم رجل الدين الذي كان يملك ثروة تفوق ثروة الخليفة نفسه وظل يحتفظ بها في المجاعة)



لم يرحم الجنود الأتراك شعب مصر، ظلوا يفسدون وينهبون، ازدادت وحشيتهم وصراعاتهم..



وصل الحال أن ذهب أحد القضاة للتحقيق في جريمة وعندما خرج لم يجد بغلته، خطفها ثلاثة لصوص وأكلوها..



قبضوا على اللصوص وشنقوهم، طلع الصباح ولم يجدوا الجثث الثلاثة، هجم الجياع على الجثث وأكلوها..



نصب السكان الخطاطيف والكلاليب فوق منازلهم يتصيدون المارة ويأكلون لحوم الأحياء، بعد أن اختفت القطط والكلاب والحمير والبغال..



روى بعض المؤرخين أن أعداد الموتى كانت تقارب عشرة آلاف ميت جوعا كل يوم..



صارت القصور والمجوهرات تباع نظير جوال من الدقيق..

قادت امرأة أول مظاهرة نسائية في التاريخ،..



باعت امرأة من الأثرياء جواهرها وحليها نظير جوال دقيق، نهبها الجائعون في الطريق ، وصلت بيتها ولم يبق معها إلا قدر خبزة رغيف، فعجنته وخبزته ووقفت أمام باب قصر الخليفة تهتف وخلفها النساء، عز الله مولانا الذي في عهده تحصلت على الرغيف بألف دينار..



فساد عسكر الترك وصراعاتهم مع جند البربر والسودان أسقط في يد الخليفة، لم يجد بدا من استدعاء أمير الجيوش “بدر الدين الجمالي” ، جاء الأمير القوي من الشام، نشر بدر الدين جنوده في القاهرة، قضى على فتنة الثائرين، حكم الفاسدين بقبضة حديدية، هاجم عسكر الترك، كسر شوكتهم وأخضعهم للدولة..



كان بدر الدين الجمالي رجلا عادلا حكيما، أصلح البلاد ، أعاد بناء سور القاهرة وتوسع فيه ليصد هجمات الأتراك السلاجقة، فرض النظام والاستقرار، أصلح الجسور والكباري، شق الترع( كام واحد أهبل قعد يقول له الأولويات، لمهم وحبسهم ) شجع الفلاحين على الزراعة ورفع عنهم الضرائب والأعباء المالية، بنى مشهد الجيوش فوق جبل المقطم، تحفة فنية حار المؤرخون فيها، الأرجح أنه أراد أن يجعلها قبة يُدفَن فيها..


فاقت المحروسة، عادت أم الدنيا..

إرسال تعليق

0 تعليقات