علي الأصولي
قال تعالى ( فمن شهد منكم
الشهر فليصمه ، ، ) ذهب البحراني على أن معنى ( شهد منكم الشهر ) يعني من ثبت عنده
الهلال بالرؤية، وقيل معنى ( شهد ) كما في فقه القرآن للرواندي، يعني شاهد، وقيل
معنى ( شهد ) بمعنى حضر، يعني من كان منكم حاضرا أو من حضره الشهر فليصمه، وبهذا
المعنى ( شهد يساوي حضر ) لا معنى بتفسير الآية وكونها ناظرة إلى بيان طرق أحراز
الشهر، بل غايتها تقييد وجوب الصوم بالإقامة وعدم السفر، والحق ما ذهب إليه
الطباطبائي في ( تفسير الميزان ) في قوله ( شهد ) بمعنى علم بتحقق الشهر، فتكون
الشهادة بمعنى الحضور الذي يحصل للشاهد بسببه حضور العلم به،
قالوا: لا معنى والتمسك بهذه الآية في مسألة رؤية الهلال، قلنا: أن
تمسكنا بها فهو من قبيل التمسك باللازم إذ أن لازم شهد أو حضر هو الهلال، فيكون
المعنى أن الشهادة والحضور فرع العلم بالهلال، أن قلت: أن العلم اعم من الرؤية،
قلنا: نعم، بيد أننا نتحدث عن موضوع تعبدي وفي مثله ننساق والفهم العرفي في تحديد موضوعه،
قوله تعالى ( ويسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج، ، )
الآية الكريمة .
وأن كانت لم تتعرض لموضوعة إحراز الشهر، لكنها بينت فوائد الأهلة،
والتي منها تعيين الشهور، فالسؤال كان حول الأهلة، وتم الجواب عن فائدة الأهلة، وأما
الإحراز فهو متروك لمعروفيته جدا بين الناس، ولذا ورد في صحيح زيد الشحام عن أبي
عبد الله (ع) أنه سئل عن الأهلة فقال: هي أهلة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم وإذا
رايته فافطر، وكيف كان: في تحديد وإحراز الوقت فالطريق الشرعي في الأحاديث أثرت
موضوعه، ولم يخرج عن عرفه العام في التحديد، التي جعلت الصوم والإفطار تارة على
المشاهدة العيانية وتارة على الشياع المفيد للاطمئنان، كما في صحيح علي بن جعفر عن
الإمام الكاظم (ع) أنه سأل أخاه موسى (ع) عن رجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا
يبصر غيره، اله صوم؟ قال: إذا لم يشك فيه، فليصم، وإلا فليصم مع الناس،
الروايات التي ذكرنا بعضها وبعضها لم يذكر كلها تؤخذ على نحو
الإمارة الدالة على دخول الشهر، وسواء كان ما ذكرنا من روايات أو ما لم نذكره في
خصوص تعيين اليوم من السنة اللاحقة في مسألة الشهر، مثل( صم في العام المستقبل
اليوم الخامس من يوم صمت فيه أول العام) وما أشبه من هذه الروايات الدالة بالمجموع
على حصول العلم بهذه الإمارات ولا يقال: بأن العلم هل يشمل العلم الحديث أم لا ؟ لأننا،
نقول أن المراد بالعلم هو ما عليه اصطلاح الكتاب والسنة المعبر عنه بالاطمئنان
العرفي، فلا مانع من جعل الروايات التعينية كالروايات الأخريات، مع اتحاد وحدة
الملاك بين الكل المتمثل بالعلم،
محاولة فقهية بدأت بالأفق، في الاستدلال بقول الفلكي، والبحث في
ليس من مستجدات الفقه على ما ذكروا بل وقع البحث في حجيته في مسألة تعيين القبلة
وافادات علماء الهيئة، كما عن الفقيه البحراني وصاحب الجواهر وتوسع بحثهم إلى
إفادة العلم أو عدم إفادته بقول الرصدي واخباراته عن الزلازل، كما عن اليزدي
والأصفهاني والصدر الأول والسبزواري والسيستاني، وبحثهم عن حجية قول الراصد في شأن
الخسوف والكسوف ونحو ذلك، وعلى كل حال إن بحوثهم الفقهية تلك وبصرف النظر عن
نتائجها لا يمكن إسرائها وما نحن فيه على موضوعة الهلال، وأن اتفقوا على الكبرى (
وهي موضع خلاف ) غير ان الصغرى محل نظر، كما ترى، وقد وسع البحث حسب اطلاعي صاحب
كتاب ( ما وراء الفقه كبرى وصغرى )فراجع،
لا بأس ونقل أهم الأقوال، في هذه المسألة لمعرفة اتجاهات الفقهاء، أولا:
كل جهد علمي يؤدي إلى اليقين أو الاطمئنان بأن القمر قد خرج من المحاق، وأن الجزء
النير منه الذي يواجه الأرض( الهلال) موجود في الأفق، بصورة يمكن رؤيته، فلا يكفي
لإثبات الشهر القمري الشرعي، أن يؤكد العلم بوسائله الحديثة، خروج القمر من المحاق
ما لم يؤكد إمكان رؤية الهلال وتحصل للإنسان القناعة بذلك على مستوى اليقين أو
الاطمئنان ( الفتاوى الواضحة محمد باقر الصدر ).
ثانيا: لا أثر للاطمئنان بقابلية
الرؤية - بحسب الحسابات الفلكية- بل لا بد من الرؤيا خارجا وثبوتها للمكلف (صراط
النجاة للخوئي).
ثالثا: إذا ثبت الشهر وولادته
فلكيا من قول أهل الخبرة ثبت الهلال وأن لم يره أحد ( المسائل الفقهية ) .
رابعا: إمكان ثبوت حجم الهلال وولادته وجهته و و فقط ( ما وراء
الفقه ج٢).
إذن هذه أشهر الاقول في
المسألة وتركنا الأقوال الأخرى لأنها بالتالي ترجع إما لحجية العلم الحديث أو
لحجية العين المجردة،
وبعد بيان ما يمكن بيانه نفهم أن الرؤية بالعين المجردة أخذت بلسان
الدليل جزء من موضوع الحكم الشرعي، فالطريقية لإثبات الشهر وتحديده من الوضوح
بمكان، ودعوى التنزيل، تنزيل قول الفلكي منزلة الرؤية لا معنى لها إلا في حدود
ضيقة كالولادة والجهة والتأكد من قول الشهود فيما لو ثبت علميا عدم الرؤية
بالتلسكوب مع دعوى المشاهدة في الأفق ونحو ذلك، وبهذا تعرف أن العلم فيه ثمرة
كبيرة ومحمودة ولا يمكن رفع اليد عن قول الفلكي وحجية قوله بقول مطلق، كما بينا
مرارا وتكرارا، والمناط في إثبات الشهر والخروج منه صياما وإفطارا هو ( صوموا
للرؤية وافطروا للرؤية ) إذن المناط، في الهلال الرؤية الشرعية، ورد في الأثر عنه
(ص) ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) فالمناط
الشرعي في الصوم والفطر، هو الرؤية بالعين المجردة والرؤية فقط، أنتهى..
والحمد
لله الأول والآخر والظاهر والباطن
0 تعليقات