علي الأصولي
إن لفظ مفهوم الشهر من المفاهيم العرفية، المعروفة قبل التشريع،
وهو خروج القمر من مرحلة ما يسمى ( المحاق ) إلى مرحلة الظهور الفعلي للهلال، فإذا
ظهر فعلا ترتبت عليه جملة من المصالح الشرعية ( ويسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت
للناس والحج ).
وهذا الظهور العرفي يكون على طريقة ( إذا رآه واحد رآه عشرة ) على
حد تعبير بعض روايات الباب، التي يفهم منها ان تكون رؤية عامة لا خاصة، ما لم يكن
هناك مانع ما، مثل ( فإن غم عليكم )
ودعوى: تحصيل وإحراز الرؤية كيفما كانت، والعلم كاف بإثبات ملاك
الرؤية، فيها مناقشة نقضا وحلا،
سوف اقتصر بالمناقشة النقضية، في هذا المقام، على ما ذكر بعض
الفقهاء، وهي ببساطة:
هل يلتزم أصحاب الاكتفاء بالحجة بالمعنى الأعم ومنها حجية الرؤية
بالعين المسلحة، هل يلتزم توظيف هذه الحجة في مسألة ابتعاد المسافر وعدم رؤيته
لبنيان مدينته التي نص الفقه على (٣) كيلو متر تقريبا، لغرض قصر الصلاة والإفطار
بالنسبة للصائم، بينما لو استخدم المسافر التلسكوب فلا يقصر ولا يفطر المكلف، حتى
لو خرج من بغداد ووصل قريب كربلاء !!
وغيرها الكثير من الأمثلة فيما لو وسعنا من الحجية على المبنى
العلمي!
إن دعوى رفض التدخل العلمي التلسكوبي في مسألة الهلال، ليست مرفوضة بهذا الوسع الوسيع كما يحب أن يصوره بعض الفقهاء، وكأننا على خلاف وتقاطع مع العلم الحديث، بل بعضهم أجده يستخدم مغالطة تأليب والاستعانة بالجمهور للدفاع عن الرأي العلمي المحض في هذا المورد ويصور من يختلف معه فهو متخلف!
ولذا قلت: لا نرفض الاستعانة بالعلم الحديث في هذا المجال بقول
مطلق، بل يمكن القول بالاستعانة في تحديد المسار وضبط الإيقاع فقط من قبيل ما ذكره
السيد الصدر في موسوعة ( ما وراء الفقه ج١ ) إذ قال بما حاصله:
.يمكن الاستفادة من المراصد الحديثة من الناحية الفقهية في عدة
موارد:
ـ أولاً: يمكن أن يثبت بها أن الهلال لا وجود له أصلاً،
الأمر الذي يوفّر الجهد للناظرين محاولة رؤيته..
ـ ثانياً: أن يثبت بها أن الهلال صغير جداً، بحيث لا يكون
قابلاً للرؤية، الأمر الذي يوفر الجهد أولاً، ويثبت عدم إمكان بدء الشهر ثانياً.
ـ ثالثاً: أن يثبت أن الهلال كبير بحيث يكون قابلاً للرؤية،
الأمر الذي يمكن به إثبات أول الشهر، وإن لم يره بالعين المجردة.
ـ رابعاً: أن يثبت بالمرصد جهة وجود الهلال وإحداثياته، حتى
ينظر نحوها الناظرون ويركزوا بها دون أن يبذلوا ضائعاً في الأطراف الأخرى، انتهى:
وكما ترى يمكن الاستفادة بهذا التقدم التقني على أن لا نجعله
المناط الشرعي في تحديد الرؤية الشرعية،
غاية ما يمكن الاحتجاج به حول مبنى العين المسلحة، هو دعوى الحجية بالأعم من الرؤية البصرية المجردة، وعلى أي الرؤيتين تتم الحجية بلحاظ كونها حقيقة،
وقلت: أن الالتزام بهذه الدعوى يستلزم لوازم لا يلتزمها نفس فقهاء
التقليد أنصار هذا المبنى في فتاواهم،
فلو سلطنا الأجهزة المجهرية على الحليب الطبيعي من الأبقار لوجدنا
الدم بأجزائه الصغيرة من الكثرة بمكان، ومع ذلك لا أحد منهم أفتى بحرمة شرب
الحليب، لان أجزاء الدم غير ظاهرة للعيان !
ومثله على ما ذكروا من أجرى عملية البروستات فلو سلط على بوله أجهزة
متطورة لاكتشف في أجزاء البول أجزاء أخرى للمني، غايته لا يمكن رؤيته بالعين
المجردة، ومع ذلك لا نجد من يفتي بالنجاسة أو قل الجنابة حتى من أنصار العين
المسلحة!
والنظائر كثيرة في هذا الباب وكلها من اللوازم الباطلة لو مشينا
وتحديد الملاكات بالطرق الحديثة،
نعم، إن مفاد إطلاق الروايات، هي أن أصل الرؤية طريقية لحصول
العلم، إذ لا موضوعية فيها،
غير أن هذه الطريقية ليست من الطريقيات المحضة، حتى نتوقف على
ملاكها، بل إن الرؤية البصرية المجردة داخلة في الطريقية أيضا وكافية في إثبات
الهلال، عرفا وشرعا،
فالاحتجاج مردود بهذا اللحاظ وهو عدم الحصر والصرفية،
إن قلت: نحن نتحرى إصابة الواقع وهو محرز باستخدام أجهزة التلسكوب،
قلنا: أن هذا الدعوى تستلزم إبطال صيام والكثير من العبادات كالحج
لكل القرون القديمة ألتي خلت من وجود أجهزة التلسكوب بل وأبطال يمتد إلى عصر النص
نفسه وأبطال صوم وعبادات نفس المعصوم، الذي اتخذ الرؤية المجردة سبيلا للتحري عن
وجود الهلال!
وإذا كنا نحن والواقع فلا اعرف كيف جزم المستشكل أن الرؤية في
العين الباصرة الطبيعية مخالفة للواقع مع أن الخطاب الشرعي كان موجها للفرد بحسب
الطبيعة!
ولم اقرأ أو اسمع بأن المعصوم صام وفق علمه الواقعي على فرض كون
العلم الحديث يحرز الواقع والنظر بالعين خلافه،
إذ يفترض أن المسلمين في ذلك الزمان أن صاموا الجمعة يفترض أن
المعصوم صام الخميس، مع هذه المقايسة الباطلة،
صوموا للرؤية وافطروا للرؤية، هذه الجملة مفاد الروايات،
وقالوا: أننا نفهم منها الإطلاق، مما يعني عدم الاقتصار على العين
المجردة، فالرؤية كما تحصل بالعين المجردة كذلك تحصل بالعين المسلحة،
وفيه: إن هذا الفهم مبني على كون ( ال ) جنسية، وشاملة لمطلق
الرؤية بصرف النظر عن مصاديقها،
بينما نحن ندعي أن آلاف واللام في ( الرؤية ) عهدية وقدرها
المتيقن، هي العين المجردة في عصر النص،
وقد ذكروا في الأصول أن حجية الظهور مختص في عصر النص ولا شمول
لحجية الظهور في عصر الغيبة، وعليه الفهم العرفي من مفردات الرؤية يجب أن تفهم حسب
سياقها الطبيعي،
وهنا لي أن أسأل: لو وجد شخص ما، في عصر النص يمتلك باصرة استثنائية،
وخلاف العادة هل يمكن للمجتمع آنذاك أن يصوم ويفطر على حسب معطيات رؤياه أم انه
يلحظ الرؤية الطبيعية للأفراد في تحديد الهلال !؟
ورد عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، وليس بالرأي أولا بالتظني، ولكن بالرؤية،
قال: والرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا هو، وينظر
تسعة فلا يرونه، إذا رآه واحد رآه عشرة آلاف، وإذا كان علة فأتم شعبان ثلاثين، ، ،
( الوسائل كتاب الصوم باب ١١) افترض أن من رآه دون التسعة كان صادقا وعادلا لم لا
يأخذون بشهادته ؟!
افترض أن نظرة استثنائي كما أن النظر وفق التلسكوب استثنائي، لم
المعصوم لم يرتضي هذه النتيجة الصادقة!؟
لو شرط إذا رآه واحد رآه عشرة آلاف؟!
هذه الروايات وغيرها تنبأ بلا مؤونة زائدة بأن الملاك في تحديد
الهلال وبالتالي الصوم والإفطار هو الرؤية بالعين المجردة.
0 تعليقات