آخر الأخبار

عبادة القطب والجدل الفقهي (3)










علي الأصولي


ويبقى عندنا سؤال، ما هو المحذور المتصور في المقام إذا قلنا يمكن للفرد أن يصلي ويصوم وفقا لأوقات بلده الأصلي،


ويمكن الإجابة: بغض النظر عن المحاذير التي ذكرها السيد الصدر، ذكرنا سابقا أن أصل التكليف ناظر إلى المحيط الموجود في دائرة وجود المكلف، ويأخذ عنوان الانطباق، وقد بينا الكلام سابقا وهذه المسألة، في خصوص أخذ التكليف بالنسبة لمكان المكلف، وفي خبر عبيد الله بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول ( صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجيرة، وكنت أنا أصلي بالمغرب، إذا غربت الشمس، وأصلي الفجر إذا استبان الفجر،


فقال: لي الرجل: ما يمنعك أن تصنع مثل ما أنا اصنع؟


فإن الشمس تطلع على قوم قبلنا، وتغرب عنا، وهي طالعة على قوم آخرين بعد،

فقلت: إنما علينا أن نصلي إذا وجبت الشمس عنا وإذا طلع الفجر عندنا، وليس علينا إلا ذلك، وعلى اؤلئك أن يصلوا إذا غربت الشمس عنهم) (الوسائل كتاب الصلاة أبواب المواقيت )


إذن جملة من الأطروحات ذكرت حول ضبط الوقت لم يرتضها السيد الصدر لعدم قيام الدليل عليها، منها: ضبط الوقت على مكة المكرمة ومنها: ضبط الوقت على المناطق المعتدلة اي مدار السرطان القريب على مكة المكرمة، ومنها: تقسيم وقت الساعة إلى أربعة أقسام، فيصلي الظهر بعد الثانية عشر النهار الذي يكون على خط طوله، والمغرب والعشاء على الثانية عشرة الأخرى ويصلي الصبح عند السادسة،


ومنها: حرمة الذهاب إلى السكن في تلك المناطق مع الاختيار،


وقد أجيب عليه: بأن الحرمة مما لا دليل على حرمتها فتكون موردا لجريان أصالة البراءة بالإضافة إلى المعروف فقهيا عدم وجوب أحراز الموضوع ونحو ذلك مما ذكر،

وكل هذه الأطروحات فيها مشاكل كما ترى ولم تكن موضع قبول،
وأن كان التزم بالاحتياط في حرمة الذهاب والسكن هناك بدعوى تضييعا للواجب، وهو محرم لأنه من المقدمات المفوتة،


وعلى ما ذكر الشيخ اليعقوبي في ( فقه الخلاف ) حول هذا الاحتياط، إذ قال: حاكيا عن أستاذه، وكان (قده) لا يلتزم بوجوب مثل هذه المقدمات لعدم فعلية وجوب ذي المقدمة ثم التزم بها حينما بحثها في درس الأصول،

حاول الشيخ السند من تخفيف الضغط من تهويل الموضوع، في عامة الدول الاسكندنافية، كالنرويج والسويد، ووقت ( ٢٢ ) ساعة الطويلة، وذلك باعتبار أن الغروب حوالي الحادي عشر والفجر حوالي الواحدة وطلوع الشمس حوالي الرابعة،


وهل يكون الصوم يكون (٢٢ ) ساعة مثلا،


وهل الفجر وما بين الطلوعين يمتد ثلاث ساعات بدا من تزايد الشفق، بعد انعدامه، وإنما يتناقص بالغروب إلى منتصف الليل، ثم يتزايد، وهل يجعل بدا تزايده اول الفجر ؟


نعم: حاول التفص من هذه الإشكالية بدعوى أن مدار اليوم النهاري والليل، في هذه البلدان ليس على الضياء للشمس ولا الظلمة، بل على مقدار القوس لحركة الأرض المواجهة للشمس وأن لم تطلع الشمس كما في الشتاء، كما أن الليل مقدار القوس لحركة الأرض بلحاظ البلد المدبر عن الشمس وأن طلع ضوء الشمس، فتتحرك من المغرب إلى المشرق، فمقدار القوس فلكيا، هما مقدار الليل والنهار حقيقة، لا الضياء والظلمة،


وأما الفجر فليس مداره تزايد البياض في الأفق الشرقي، لأنه بعد اثني عشر ساعة من زوال النهار، بل أن مداره هو تقسيم ما بين سقوط القرص إلى طلوع القرص إلى سبعة أجزاء تقريبا، وهو يكون بالفرض ما يقارب من ثلاث أرباع الساعة لا الثلاث ساعات، وبالدقة ما بين الطلوعين هو سدس من سبعة أسداس ما بين سقوط قرص الشمس وطلوعها، ففي الفرض المزبور، لا يبلغ اليوم اثنين وعشرين ساعة بل عشرين،


وكيف كان: بعد القول أن النهار لا يطول بحسب ما ذكر أعلاه بل غايته لا يصل إلى تسع عشر ساعة، وعليه فحكم الصلاة كحكم الصوم بلا فارق،


وبعد أن وصل بنا المطاف إلى نهايته، واستعراض آراء الفقهاء مع المستندات في الجملة،

يمكن القول: وخروجا من مقولة القياسات والاستحسانات والاعتماد على المستندات الضعيفة أو المخدوشة،

لا مناص إلا والالتزام بظاهر النص ووقته المحدد، على مستوى العبادة الصلاتية والصومية، وعدم الالتزام ومقولة رجوع سكان تلك البلدان إلى البلدان المعتدلة، لأنه خلاف الفهم العرفي للنص الشرعي، والعرف لا يكون مرجعا في تحديد مثل هذه المسائل إلا بشرط إجمالها، ومع التحديد النصي للزمان والوقت فلا رجوع بتفسير وتحديد ذلك،


ومع الحرج في الصوم، فله الإفطار لرفع الحرج بشرط الإمساك والقضاء، مع عدم القدرة ونفاذ السبل، الكفيلة لإتمام الصوم في مثل هذه المناطق،


والمستند في ذلك ذكرته في غير هذا المقام،


وحاصلة: ضرورة العمل وفق انطباق العنوان، بدعوى عندما نزل القرآن الكريم وأمر بالصيام، فهو لم ينزل على عرب الجزيرة فحسب، بل لم ينزل على جماعة أو أمة دون أخرى ؛ وعندما أمر بالإمساك عن المفطرات فالشارع قد حدد الوقت وعينه ولم يجعله بيد العرف ولم يجعل القياس أو الاستحسان إليه سبيلا، بعبارة أخرى : الشارع لم يأمر بهذا الفعل ( الصوم ) بلا تخصيص وبلا تعيين حتى يصار الى الأمر على الطبيعة بعمومها بقول مطلق ؛ بل أمر هذا الفعل مع التدخل في التعيين والتحديد، غير أنه لم يلحظ طبيعة البلدان وطبيعة الأفراد ؛ مما يفهم منه كونه الأصل هو الفعل ؛ ومن هنا من ذهب إلى ملاحظة اقرب البلدان في مسألة الصيام فذهابه هذا زائد عن المؤونة ( ومن هنا قلنا هو راجع أما إلى الاستحسان أو الى القياس ) وكيفما اتفق نحن من نطالبهم لبيان الدليل على الزائد والا فالأصل هو كما ذكرنا أعلاه، علاوة على ذلك ؛ إن من ذهب إلى ضرورة الصيام مع ملاحظة توقيتات كربلاء مثلا غفل عن لازم فتياه هذه ؛ فهو قد وجه إشكالا على نفس القران الكريم وكون نصه بشريا لا سماويا ؛ يعني النص القرآني وغفلته عن المناطق القطبية في مسألة الصيام حسب هذا الفهم فهو يؤكد على جهل الشارع وعدم تغطيته لتلك المناطق والاهتمامات محصورة وفق هذا المنطق بجزيرة العرب أو لا اقل في المناطق المعتدلة ( الليل والنهار ) ولا اعرف هل يلتزم من أفتى بذلك بهذا اللازم الباطل !


والغريب عن ما بعض أهل العلم قد غفل عن هذا المشكل وتمسك ( اجتهادا أو تقليدا ) مع أصل الغفلة عن الإشكال المثار على النص كونه بشريا أو سماويا !


وعلى كل حال ؛ عندما يأمر الشارع بأمر ما ؛ فلا معنى لإهمال الانطباق العنواني عليه بصرف النظر عن مصاديقه وأفراده والذهاب نحو ( القياس أو الاستحسان )

وعلى هذا الرأي فقد وافقت الشيخين الطائي واليعقوبي في مثل هذه المسألة، وإلى الله تصير الأمور...









إرسال تعليق

0 تعليقات