آخر الأخبار

أهمية أن نقرأ يا ناس!! (45)














نصر القفاص


شعر "أمين هويدى" بأن قول المشير "عامر" وهو فى حالة هياج: "بلغوا الرئيس أن عبد الحكيم خد سم لينتحر"!! هول الكارثة.. أصابته حالة فزع, جعلته يقفز لأعلى حيث صعد الرئيس.. سادت حالة هرج وضجيج, كانت دافعا لأن يتحرك لاستطلاع الموقف.. التقى "هويدى" مع "عبد الناصر" على السلم.. فقال: "المشير خد سم وانتحر" فإذا بالرئيس يرد عليه: "لو كان عايز ينتحر كان عملها لما ودانا فى داهية"!!



عاد "أمين هويدى" إلى الصالون حيث كان يجلس الثلاثة الكبار مع "عامر" ويصف المشهد فيقول: "رأيتهم على حالهم فى صمت.. فقط السادات زادت دموعه.. دخل الدكتور الصاوي طبيب الرئيس مع شنطته.. شرع فى علاجا احتياطيا.. قاومه المشير, فتقدم حسين الشافعي نحوه ليمكن الدكتور من إعطائه الحقن اللازمة.. بعدها هدأ كل شيء.. طلب عامر الخروج للحديقة لكي يشم بعض الهواء.. خرجت معه.. كان ينظر للسماء ويتنهد.. ثم نظر نحوى فسألته.. كيف حالك؟!..


 أجابني.. أنا كويس الحمد لله..


 قلت له: يا سيادة المشير هل يصح هذا الذي يحدث؟! هل يمكن أن يطور المشير الموقف إلى هذا الحد؟! أنا لا أكاد أصدق أن تصل الأمور إلى ما نحن عليه..


 قاطعني قائلا: يا أمين أنت ما تعرفش حاجة..


هنا كان ردى عليه: كيف لا أعرف؟! الوقت يمر ولابد من حسم الموقف..


فقال: لحساب من يا أمين يحسم الموقف؟! أسكت أنت لا تعرف شيئا!!


وعدنا للمشي والصمت.. ثم اختار العودة للصالون.. وجدنا زكريا محيى الدين وأنور السادات.. كان حسين الشافعي خارج الصالون يأكل بعض الفاكهة, ودعاني لكى آكل معه.. قلت: أنا ماليش نفس!!


فرد قائلا: أنا رأيي المشير يرجع بيته الموضوع مش نافع!!



أقترب الفجر.. فماذا يقول الناس حينما يرون ما يحدث حول المنزل فى الجيزة؟!".



إذن.. حاول "عبد الحكيم عامر" الانتحار بالمسدس يوم 8 يونيو أمام جميع القادة, وذلك دفع "شمس بدران" للاستنجاد بالرئيس "عبد الناصر" لكي يحضر لإقناعه, بعد أن نجحوا فى الإمساك به وانتزاع المسدس من يديه..



وقدم مشهدا تمثيليا بأنه انتحر فى منزل الرئيس, خلال الساعات الأولى من يوم 26 أغسطس.. ثم كانت الثالثة التي فارق على إثرها الحياة..


يضيف "أمين هويدى" قائلا: "فى الخامسة صباحا إستدعانى أحد ضباط الياوران للتليفون مشيرا إلى أن الفريق فوزى على الخط.. بادرنى قائلا: المأمورية انتهت يا فندم دون أي صدام والمنزل أصبح خاليا..


قلت له: الحمد لله.. شكرا..


وأسرعت للدور العلوى لكى أبلغ الرئيس بالسيطرة على الموقف..


فقال: الحمد لله.. ونزلت مغادرا منزل الرئيس, وعبرت الشارع إلى مكتب "سامى شرف" وكان معه "شعراوى جمعة".. شاهدنا تحرك سيارة استقلها المشير عبد الحكيم عامر وزكريا محيى الدين وحسين الشافعي.. لتنتهي وقائع ليلة عصيبة فى بيت الرئيس"!!



فى مذكراته قال "سامى شرف" إن الحوار الذى دار بين "عبد الناصر" و"عامر" فى حضور الثلاثة الموجودين, تم تسجيله كاملا..


وتم إيداعه فى أرشيف التسجيلات السري للغاية.. ثم يعتمد على ما تبقى فى ذاكرته من الحوار, فيقول أن الرئيس استعرض تاريخ علاقته الوطيدة وصداقته المتينة مع "عامر" على مدى السنوات السابقة..


وقال فى حضورهم أنه كان يجب مساءلة "عامر" على ما حدث فى أزمات 1956, و1961, و1962.. وأخيرا ما حدث فى يونيو 1967.. وتم احتواء كل هذه الأزمات بتأثير الصداقة, وحفاظا على وحدة القيادة ووحدة البلاد..



 ثم استطرد الرئيس موجها كلامه للمشير قائلا: لكن كونك تتآمر يا عبد الحكيم.. فهذا لا يمكن قبوله ولا السكوت عليه.. ويعنى أنك تتنكر للاتفاق الذى تم بيننا عقب نجاح الثورة فى 23 يوليو, وكان يقضى بأنه إذا اختلف أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة أو لم يستكمل المسيرة لأي سبب.. لا يتآمر..



فقاطعه المشير: أنا لا أتآمر ولم أتآمر.. أنا أرفض كلامك ده !!


 رد عليه الرئيس: أنت تآمرت فعلا.. سأذكر لك حادثة واحدة من وقائع ثابتة عندي..


أنت بعثت سكرتيرك محمود أحمد طنطاوى للفريق صدقى محمود من خمسة أيام, وكان يحمل رسالة منك تقول فيها أنك تنوى الاستيلاء على السلطة وتطلب منه أن يشترك معك ويحضر لمقابلتك.. لكن الفريق صدقي أبلغني بالرفض, ودخلت حرمه لتسب وتشتم سكرتيرك وأصرت على طرده من المنزل!! – وهى الواقعة التى ذكرها العقيد محمود طنطاوى خلال المحاكمة فيما بعد – وأضاف الرئيس موجها حديثه للمشير: تحب نقول وقائع تانية علشان الأخوة يعرفوا ويتأكدوا..


وبعدين أنا مش عارف أنت ليه بتربط نفسك بقيادة القوات المسلحة وقيادة الجيش.. هو احنا لما قمنا بالثورة كان هدفنا إنى أتولى الرئاسة وأنت قيادة الجيش.. عايز كلكم وأنت بالذات تقول لى مين اللى رشحك وأصر على تعيينك قائدا عاما.. طيب.. بعد الانفصال وما حدث منك ومن مكتبك هناك ودورك.. كان يجب أن تحاسب؟!..


 وبعدها حدثت أكثر من مؤامرة ضد النظام من رجال مكتبك؟!



وكم مؤتمر انعقد بحضورك ومشاركتك قبل الحرب.. تفسر بأيه حماسك أنت والقيادة العسكرية للحرب؟!



وبرقية "كراتشى" موجودة فهل اعترضتم على الحرب؟! هل قلتم أنكم غير مستعدين؟! ثم استعرض "عبد الناصر" سلوكه الشخصي وتصرفات من حوله.. وتحملت كل ده وبعدها تتآمر يا عبد الحكيم؟!



وعندما حاول المشير الرد بانفعال.. قال له الرئيس: الأمور واضحة.. أنت متآمر.. وعليك تقدير الموقف الصعب اللى بنمر فيه.. وعليك أن تلزم بيتك من الليلة.



انفعل المشير وقال أنه يرفض ذلك.. وتدخل أنور السادات محاولا إقناعه بقبول القرار.. فرد عليه المشير.. أنتم بتحددوا إقامتي وبتحطونى تحت التحفظ.. قطع لسانك يا............. ووجه سبابا لأنور السادات.. وهنا انسحب عبد الناصر من الجلسة وتركهم.



انتهت شهادة "سام شرف" وبقى أن "أنور السادات" تناول الواقعة فى كتابه "البحث عن الذات" وفيها أوضح أن "عبد الناصر" قال للثلاثة الذين استدعاهم لحضور لقائه مع "عبد الحكيم عامر" يوم 25 أغسطس: "أسمعوا يا جماعة.. أنا عاووزها جلسة مواجهة وأنتم تكونوا موجودين"!!


وتجاهل "السادات" تماما تفاصيل "العملية جونسون".. ووضح أن "محمد حسنين هيكل" فضل تجاوز التفاصيل التي لا يعرفها عما حدث فى منزل الرئيس.



وفى كتابه "حرب الثلاث سنوات" كتب الفريق "محمد فوزى" ليقول: "بعد أن صدر الأمر.. توجهت لمنزل الرئيس بمنشية البكرى.. علمت أن المشير عامر تحدد له موعد لمقابلة الرئيس فى السابعة مساء اليوم نفسه.. وأن المشير سيبقى هناك حتى انتهاء مهمتى فى تطهير المنزل..



ولما وصلنا إلى الباب الرئيسى لمنزل المشير, وجدته مقفلا بسلسلة حديدية وقفل وخلف الباب كان يقف شمس بدران وعثمان نصار وعبد الحليم عبد العال وجلال هريدى وآخرين.. وجميعهم كانوا مسلحين بالرشاشات القصيرة وفى أيديهم وجيوبهم قنابل يدوية.. أخطرت شمس بدران بالأمر, فلم يذعن.. فى هذه اللحظة وصل عباس رضوان – كان يقيم بمنزل قريب من بيت المشير – وعندما علم بعدم وجوده, طلب منى فترة لحين معرفة الموقف فى الداخل..


إصطحب شمس بدران للداخل, وبقى الآخرون خلف باب الحديقة..



تم إطلاق طلقات رصاص من أعلى الفيلا فى الهواء.. لم يرد عليها أحد من أفراد القوة..


 وصلنى بلاغ عن مشاهدة دخان حريق, علمت فيما بعد أنهم فى الداخل يحرقون وثائق وخرائط سرية..


 ثم خرج عباس رضوان وشمس بدران, وفتحا باب الحديقة وطلبا منى الدخول مع قائد القوة قائلين: إحنا مستعدين لتنفيذ ما تطلبه.. شاهدت شمس بدران وضباطه يلقون أسلحتهم والقنابل اليدوية من أيديهم..


هنا أصدرت الأمر رقم "1" من الميكروفون اليدوى طالبا نزول جنود سريتى الشرطة العسكرية من داخل المنزل بدون أسلحة وذخائر أولا, والاتجاه نحو لوارى كانت جاهزة لركوبهم.. وبعد تفتيشهم تم ترحيلهم إلى السجن الحربى..

 تلا ذلك الأمر رقم "2" وكان موجها للأفراد المدنيين بالنزول بدون أسلحة ولا ذخائر..



وهكذا ثالث أوامري.. وكان شمس بدران هو آخر من تم ترحيله لسجن القلعة.. ثم بدأنا فى جمع الأسلحة من البدروم والدور الأول والسطوح والجراج, وتم ترحيلها إلى معسكر عابدين..

وضمتها حمولة 13 لورى سعة كل واحد 3 طن.. واستغرقت العملية طوال الليل..


وعينت اثنين من العمداء للحراسة على المنزل 24 ساعة, وتم تركيب تليفون خارج المنزل للاتصال.. وعند وصول المشير إلى منزله, تم تحديد إقامته بين أهله وأولاده تحت الحراسة الشرعية للدولة".


يقول "أمين هويدى": "تلقيت اتصالا فى السادسة صباحا من الرئيس عبد الناصر وتحدث معى.. ثم شكرنى على ما بذلته.. وقال لى أنت فطرت.. فقلت له الحمد لله.. ثم سألنى عن المأمورية التالية, وهل كل شىء جاهز.. طمأنته.. وكان يقصد ذهابى إلى جهاز المخابرات العامة وتسلمى المسئولية التي بدأت من العاشرة صباح اليوم التالي".


كل هذه التفاصيل منشورة.. لكن التعتيم عليها وحصارها, أستمر لسنوات طوال.. فى الوقت نفسه كان يتم ترويج ألغاز وعلامات استفهام داخل أكاذيب لا يوجد لها مصدر ولا سند..


المهم أن تستمر عمليات قذف ضد "عبد الناصر" وتاريخه دون توقف.. ورغم كل ذلك بقيت الحقيقة تقاتل على قاعدة أنها لا تموت!!


وكذلك كانت عملية انتحار المشير "عبد الحكيم" وعليها شهود وتحفظ وقائعها مستندات ينطق بها الكثيرون وسجلوها فى تحقيقات وشهادات تصرخ بالحقيقة!!..




 يتبع

إرسال تعليق

0 تعليقات