آخر الأخبار

أهمية أن نقرأ يا ناس!! (44)










نصر القفاص



وقع المشير "عبد الحكيم عامر" أمر عمليات التحرك لتنفيذ الانقلاب بخط يده, وحدد فيه اليوم وساعة التحرك وأسماء المشاركين ودور كل منهم.. وهى الأوراق التى وصلت إلى "جمال عبد الناصر" ليقرر التحرك والمواجهة, وبنى تحركه وخطته على أن يتم إجهاض الانقلاب فى صمت وبأقل خسائر ممكنة.


فى سرية شديدة تم ترتيب اجتماع بين "عبد الناصر" وكل من: "محمد زغلول كامل" الذي شغل منصب مدير مكتب "صلاح نصر" وتركه إلى رئاسة الجمهورية بعد النكسة مباشرة, ومعه "محمد نسيم" الذي يعرفه من تابعوا مسلسل "رأفت الهجان" باسم "نديم قلب الأسد" وقام بدوره بأداء عبقري الفنان "نبيل الحلفاوى".. وكان "نسيم" يشغل موقعا مهما فى الجهاز ولديه تفاصيل ما يحدث عند القمة.. انعقد الاجتماع بعد منتصف الليل واستمر لأربع ساعات, وسمع خلاله "عبد الناصر" تفاصيل مذهلة عن دور جهاز المخابرات المخطط له فى الانقلاب!!

وكل ذلك كان ضمن أوراق قضية "انحراف جهاز المخابرات".



شكل "عبد الناصر" فريق إدارة الأزمة من ثلاثة هم: "سامي شرف" و"أمين هويدى" و"شعراوى جمعة".. ثلاثتهم يكون على اتصال مباشر به.. وكان ينضم إليهم مجموعة أخرى تضم الفريق "محمد فوزي" القائد العام للقوات المسلحة, واللواء "محمد صادق" مدير المخابرات الحربية, واللواء "حسن طلعت" مدير المباحث العامة – الأمن الوطني حاليا – واللواء "محمد الليثى ناصف" قائد الحرس الجمهوري.. وهو الذى نفذ فيما بعد أمر "أنور السادات" بالقبض على كل رجال الدولة, الذين دخلوا صراعا مع "السادات" فيما سمى بعد ذلك بقضية "مراكز القوى".



وكان ثلاثي قيادة الفريق يجتمعون فى "نادى الشمس" بعد منتصف الليل, لمراجعة ما وصلهم من معلومات.. ثم تخطيط ما يجب أن يتم تنفيذه خلال الساعات التالية.. وضمن ما كان معروضا أمامهم من معلومات, أن العقيد "على شفيق" سكرتير "المشير" قد اختفى بين عائلته فى الإسكندرية.. وأن كل من "شمس بدران" و"عباس رضوان" يقيمان بصفة شبه دائمة فى فيلا المشير.. وأنهما يقومان على ترتيب اللقاءات بين "المشير" والضباط الذين سيشاركون فى تنفيذ الانقلاب, والاجتماعات تتم بين "عامر" وكل ضابط على حدة..



وتوزعت أماكن اللقاءات على فيلا "المشير" وأخرى تم استئجارها بالقرب منها.. إضافة إلى شقة بعمارة "الشربتلى" فى الدقى.. وشملت المعلومات أيضا وجود حراسة شاملة التسليح ترافق "عامر" وأماكن تواجده.


كشفت أوراق القضية – فيما بعد – أن المشير "عامر" سلم "عباس رضوان" مبلغ خمسة آلاف جنيه ذهب.. وتم ضبطها مدفونة فى أرض زراعية "بالحرانية" لكنها كانت ناقصة.. كما تسلم مبلغ ستين ألف جنيه من "صلاح نصر" تم العثور على 49,360 جنيها فقط منها..


كذلك تم العثور على 40 رشاشا قصيرا وخمسة صناديق ذخيرة وعدد 108 طبنجة واعترف "عباس رضوان" بأنه تسلمها من "صلاح نصر" ومعها جرعة من السم سلمها للمشير "عامر"!!


 وكل هذه معلومات حملتها كتب ومذكرات وأوراق القضية, وإن كانت جديدة عليك.. فهذا يرجع إلى محاولة التعتيم عليها, والاعتقاد بأنها ماتت وتم دفنها.. لكن الحقيقة لا تموت أبدا.



يوم 21 يوليو قامت مجموعة من الضباط بنقل أسلحة أخرى من منزل المشير "عامر" الرسمي فى "حلمية الزيتون" ونقلتها إلى منزله فى "الجيزة" ووصل الأمر إلى تبادل إطلاق النار مع حراس اعترضوهم لمنع ما يقومون به.. بل أنهم طافوا حول منزل الرئيس "عبد الناصر" خلال رحلتهم من الحلمية إلى الجيزة, وهتفوا بحياة المشير "عامر"!!


وقامت مجموعة أخرى بالتجمع فى مبنى القيادة لإعلان العصيان, وتصدى لهم الفريق "محمد فوزى" فانصرفوا ليطوفوا بمبنى القيادة فى مدينة نصر, وهتفوا باسم وحياة المشير "عامر" وفرقتهم الشرطة العسكرية!!


وقام على تنظيم كل هذه المظاهرات العسكرية كل من "جلال هريدى" و"أحمد عبد الله" و"حسين مختار".. وكان هناك فريق من أعضاء مجلس الأمة عن محافظة المنيا مع آخرين يمثلون محافظات الوجه القبلى.. أخذوا دور التحرك بين النواب وترويج شائعات مع توزيع نص استقالة "عامر" القديمة – التى كتبها عام 1962 – على أنها جديدة, وتطالب بالديمقراطية وحرية الصحافة!!



كان هذا ما حدث وكان يجرى, وقت أن كانت الأمة كلها فى حالة ذهول مما وقع يوم "5 يونيو".. وبعد أن تم الانتهاء من خطة العملية "جونسون" لمواجهة الانقلاب, تم عرضها على الرئيس "عبد الناصر" الذى أمر بمراجعتها مع "زكريا محيى الدين".. وكان للخطة اثنين من السيناريوهات..

أولهما: استدراج "عامر" منفردا أو مع أقل عدد من حراسه, والتحفظ عليه لكى يتم تصفية "بؤرة" الجيزة وتم اقتراح التنفيذ بطريق "صلاح سالم" الذى كان يسلكه أحيانا فى زيارات لمنطقة مصر الجديدة ومدينة نصر..


 وثانيهما: وهو السيناريو الذى تم اعتماده.. ويقضى باستدعاء المشير "عامر" إلى منزل الرئيس فى "منشية البكرى" على أن تتحرك فى الوقت نفسه قوة تحاصر المنزل وتقبض على من فيه.. على أن يتم فى صباح اليوم التالي السيطرة على جهاز المخابرات..

وبعد دراسة دقيقة اعتمد "عبد الناصر" هذا السيناريو, وقرر أن يتولى "أمين هويدى" قيادة الجهاز بعدها مباشرة.



يوم 24 أغسطس اتصل "عبد الناصر" بنفسه بالمشير "عامر" ودعاه لاجتماع بمنزله فى اليوم التالى – 25 أغسطس – عند السابعة مساء, وقبل أن يتوجه للخرطوم للمشاركة فى القمة العربية.. ووافق "عامر" لكنه عرض الموضوع على فريقه من المحيطين به.. فانقسموا إلى مجموعتين.. إحداهما ترفض ذهاب "عامر" وتعارضه بشدة.. والمجموعة الأخرى وافقت باعتبار أن هذه مبادرة جيدة, وأنها نتجت عن شعور "عبد الناصر" بقوة موقف "عامر".. وكان كل ما يجرى داخل الفيلا منقول بالنص للرئيس!!

وفى الرابعة من مساء يوم 25 أغسطس, صدق "عبد الناصر" على التحرك للتنفيذ.


يروى "أمين هويدى" فيقول: "اتفقت مع سامى شرف وشعراوي جمعة على اللقاء فى الخامسة مساء.. وكنت قد اتفقت مع الفريق محمد فوزى على لقاء فى السادسة بمكتب سامى شرف وأن يحضر معه اللواء محمد صادق والعميد سعد عبد الكريم قائد الشرطة العسكرية..

اتفقنا على أن يقوم شعراوي وسامي بالقبض على مرافقي المشير عامر عند وصوله, وبعد دخول منزل الرئيس مباشرة.. واتفقنا أن تكون سيارتى وسائقها فى الانتظار لتحمل عامر بعد تصفية منزل الجيزة.. وبعد أن اكتمل حضور الآخرين, بدأت إعطاء التعليمات والأوامر – بصفتى وزيرا للحربية – لتنفيذ الشق العسكرى.. وشددت على تجنب أي صدام أو تبادل إطلاق النيران, واللجوء إلى الصبر والتفاوض.. واتفقنا على أن أتلقى من القائد العام تمام تنفيذ العملية بمجرد الانتهاء, على أن يستمر الاتصال بيننا طول الوقت".


حضر المشير "عامر" مبكرا عن موعده بحوالى ثلث ساعة.. قام "شعراوى جمعة" و"سامى شرف" بتنفيذ دورهما بالعملية.. لكنهما استغرقا وقتا أطول من المتفق عليه.. لأن "محمد احمد" سكرتير الرئيس فوجىء بما يحدث فثار وأحدث ضجة, على اعتبار أن استبعاده من المعرفة يعنى عدم الثقة فيه وطعنه فى ظهره!! وتطلب الأمر وقتا لتهدئته, وتم التحفظ على سيارة "عامر" فى الجراج.. وجلسنا ننتظر نتيجة اللقاء!!



لحظة دخول "عامر" إلى الصالون, وجد "عبد الناصر" وكل من "زكريا محيى الدين" و"أنور السادات" و"حسين الشافعى" فابتسم وقال: "هى محاكمة وللا إيه؟!" وعندما وجد الصمت والبرود, راح ينظر فى الوجوه.. طلب إليه "عبد الناصر" أن يجلس ثم بدأ يتحدث مستعرضا ما حدث من المشير "عامر" الذى لم يتمالك أعصابه من معرفة الرئيس بكل هذه المعلومات والتفاصيل..


إنتفض واقفا ليقول: "لو كنت أعرف أن الأمور بهذا الشكل ما حضرت" وأضاف لحظة توجهه نحو الباب: "أنا راجع بيتى" فتح الباب ليجد ضباط الحراسة مسلحة.. تراجع وعاد ليسمع "عبد الناصر" وهو يقول له: "ستخرج إلى إقامة جبرية بعد تنظيف بيتك وخروج المسلحين منه.. لينهار "عامر" بينما استأذن "عبد الناصر" ليترك الجالسين فى الصالون.. وكلهم فوجئوا بصراخ وبكاء "المشير" باكتشافه أنه وحده تماما أمام الحقيقة.. استغرق كل ذلك وقتا لا يقل عن ساعتين.. لماذا؟!



يقول "أمين هويدى" الذى كان مع "سامى شرف" و"شعراوى جمعة": "فى التاسعة فضلت أن أدخل منزل الرئيس, وطلبت من سامى شرف تحويل أية مكالمات تصلنى خاصة من محمد فوزى وكانت الجلسة مستمرة فى الصالون وسمعت الرئيس يقول.. عليك يا عبد الحكيم تقدير الموقف الصعب الذى تمر به البلاد لكن المشير استمر على موقفه وكان يعتقد أن أصدقاءه سيصمدون ويقاومون واستمر الوضع هكذا حتى منتصف الليل.. ولطول الوقت اتجه الرئيس إلى التليفون فى مكتبه, وطلب عباس رضوان ليقول له: عباس أنت المسئول عن فض الموقف فى الجيزة وأنهى المكالمة..


 وعاد بعد ساعة ليتصل به وخاطبه محتدا قائلا: أنت مسئول مباشرة عن عدم الفض وأنهى المكالمة".


 ويضيف "أمين هويدى": "قلت للرئيس مازال أمامنا أربع ساعات حتى الفجر.. هنا قالى لى: عندك حق أروح أستريح لأنى مرهق.. وتركنى.. فدخلت إلى الصالون وسلمت على الحاضرين.. كان المشير يتابع دخولى وقال لى: أهلا وسهلا بوزير حربيتنا.. الله.. ده الموقف مجهز والمسألة محبوكة.. وكان أنور السادات صامتا وتنساب الدموع من عينيه.. بينما زكريا محيى الدين على وجهه الجدية والصرامة المعهودتين.. وحسين الشافعى يبدو أنه غير مكترث.. واستأذن المشير فى الذهاب إلى دورة المياه.. خرجت معه وكان ودودا معى, وبدا أنه هادىء..

وفجأة خرج من دورة المياه وفى يده كأس بها بعض الماء..

 وقال بأعلى صوته وهو يرمى الكأس: اطلعوا بلغوا الرئيس إن عبد الحكيم عامر خد سم لينتحر"!!..





يتبع

إرسال تعليق

0 تعليقات