آخر الأخبار

أهمية أن نقرأ يا ناس!! (48)










نصر القفاص


انتحر المشير "عبد الحكيم عامر" علانية.. كرر المحاولة حتى نجحت الأخيرة.. قطع بذلك النائب العام "محمد عبد السلام" ووزير العدل "عصام حسونة" والفريق "محمد فوزى" والفريق "عبد المنعم رياض".. وكل من قاموا على حراسته بمنزله فى الجيزة, ثم لساعات فى استراحة المريوطية.. وعدد كبير من الأطباء, غير أطباء الطب الشرعى.. كذلك عدد كبير من ضباط وجنود الجيش والشرطة.. كان انتحاره على مرآى ومسمع العشرات.. ورغم ذلك استمرت التشكيك فى الحقيقة.. تتابعت حملات الكذب والتزوير للوقائع.. وكشف "عصام حسونة" بوضوح أن "أنور السادات" كان وراء هذه الحملات, رغم تسجيله فى مذكراته أن المشير انتحر!! لم يقتل.. لم يستنحر.. ومن يدرس التاريخ وسيرة المشير وعبد الناصر, لا يمكن أن يشكك فى أن انتحار "عامر" كان طبيعيا ونتيجة لمقدمات لا تقبل شكا.



هذه الدهشة كتبها المستشار "محمد عبد السلام فى مذكراته المنشورة, والتى تعرضت للتعتيم.. بل قل تم دفنها كغيرها من المذكرات والشهادات والوثائق.. حدث كل ذلك أملا فى اغتيال "عبد الناصر" ميتا!! لذلك أنهى الرجل شهادته التى نشرها بعنوان "سنوات عصيبة.. ذكريات نائب عام" بتسجيل ذلك فقال: "من وقت أن بدأ التحقيق إلى ما بعد انتهائه بزمن طويل.. بل وحتى كتابة هذه الذكريات.. التساؤل يلاحقنى فى كل مجلس يضمنى مع آخرين ويأتى فيه ذكر الحادث..


 هل انتحر المشير حقا.. وكثيرا ما كان التساؤل يرد فى لهجة استنكارية مفعمة بالشك.. بل أن البعض كان يؤكد أنه قتل رميا بالرصاص, على الرغم من القطع بأن جسده كان خاليا من أية آثار للمقاومة أو العنف أو الإصابات الظاهرة والباطنة.. ورغم أن التحقيقات وأقوال الشهود والتقارير الطبية والكيمياوية وظروف الحال, أكدت أنه مات منتحرا بتناول مادة سامة هى الأكونتين".. وفى سطر ضمن بيانه أمام مجلس الوزراء يوم 10 أكتوبر 1967 لخص "عصام حسونة" الحكاية كلها بقوله: "كان انتحار عامر مأساة لشخصه.. بدأها بمأساة تسبب فيها للبلاد"!!



ذكر المستشار "محمد عبد السلام" فى مذكراته أن: "فكرة الانتحار سيطرت عليه وهيأ نفسه لتنفيذها إذا ما وصل الأمر إلى تقييد حريته بدرجة تفوق احتماله" وكان هذا هو مدخل الحقائق التى أكدها فى تقريره الذى حفظ فى ضوء القضية إداريا.. وأوضح فى تقريره – مذكراته – أنه: "فى يوم الأربعاء 13 سبتمبر أصدر رئيس الجمهورية أمرا بنقل المشير عامر من منزله استراحة فى المريوطية بمنطقة الهرم, ليقيم فيها منفردا تحت الحراسة تمهيدا للتحقيق معه فى شأن ما أسند إليه.. وقد نقل وزير الحربية – أمين هويدى – هذا الأمر إلى الفريق محمد فوزى لتنفيذه, فقام بتنفيذه ومعه الفريق عبد المنعم رياض والعميد سعد عبد الكريم وعدد من الضباط والجنود.. ووصلوا إلى منزل المشير الساعة الثانية والنصف ظهر اليوم نفسه.. إنضم إليهم قائد الحرس المحلى العميد "محمد سعيد الماحى" وقابل العميدان – سعد والماحى – المشير فى غرفة الاستقبال, وأخطراه بأمر رئيس الجمهورية فأبى تنفيذه.. دخل الفريق رياض بنفسه ليحاول إقناعه.. لكنه أصر على الرفض وغافل الحاضرين, وتناول بقصد الانتحار مادة الأكونتين السامة ممزوجة بقطعة من الأفيون وورقة من السوليفان لتخفيف آلام التسمم.. وشوهد وهو يلوك فى فمه مادة أدرك الفريق رياض والسيدة نجيبة كريمته على الفور, أنها مادة سامة وأنه تناولها للانتحار.. تم نقله إلى مستشفى القوات المسلحة, وكان يلوك فى الطريق ما بلعه.. وبعد إلحاح من الفريق رياض لفظها فى يد الرائد "عصمت محمد مصطفى" من الشرطة العسكرية والذى كان يرافقه فى العربة.. وكانت عبارة عن ثلاث ورقات سلمها الرائد عصمت إلى المستشفى عند وصوله.. أجريت الإسعافات اللازمة, وأصر الفريق فوزى على نقله إلى استراحة المريوطية بعد الإسعافات".


أتعمد أن أنقل بالنص من مذكرات "محمد عبد السلام" التى ضمت هذا التقرير.. وأضاف ليذكر: "وصل المشير إلى المريوطية الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم 13 سبتمبر, وترك هناك تحت رعاية النقيب طبيب مصطفى بيومى حسنين الذى ظل يتردد عليه طوال الليل.. لاحظ أنه يشكو من سعال وقىء, فأعطاه عقاقير مهدئة وبعض الإسعافات.. وفى الساعة العاشرة صباح يوم 14 سبتمبر تسلم الرائد طبيب "إبراهيم بطاطا" نوبته فى الرعاية الطبية.. لاحظ توالى القىء وأصيب المشير بحالة هبوط لم يتمكن بسببها من تناول طعام الغذاء, فاضطر الطبيب إلى تغذيته عن طريق الحقن فى الوريد بمحلول الجلوكوز.. وفى السادسة مساء دخل المشير إلى دورة المياة, وكان يتقيأ ثم عاد إلى فراشه بمساعدة "منصور أحمد" السفرجى.. ومات فى حضور الطبيب الساعة 6,35".


أكد المستشار "محمد عبد السلام" على أن: "تولت النيابة التحقيق قبيل منتصف الليل بواسطة النائب العام, وفحص الجثة ظاهريا بحضور وكيل وزارة العدل للطب الشرعى, ووكيل مصلحة الطب الشرعى.. ووجد أسفل جدار البطن من الناحية اليسرى قطعة مستطيلة من ورق لاصق يخفى شريطا معدنيا يحتوى على ثلاث فجوات بكل منها مسحوق من مادة ثبت من التقرير الطبى الشرعى والتحليل أنها مادة الأكونتين السامة" ثم أوضح التقرير – المذكرات – أن: "مصدر المادة السامة ثبت أن المشير حصل عليها من هيئة المخابرات العامة..



واعترف صلاح نصر بتسلمه مادة سامة وضعها فى مكتبه.. وظلت فى مكتبه حتى مرض يوم 13 يونيو, وانتقل من مكتبه يوم 3 يوليو إلى إحدى الاستراحات حتى تم إعفاؤه من منصبه يوم 26 أغسطس..


وتم ضبط باقى المادة السامة نفسها بهيئة المخابرات العامة ومعها ورقة معدنية.. وثبت من التقرير الشرعى والصور الشمسية أن إحدى هذه الورقات تكمل الورقة المضبوطة على جثمان المشير وبها مادة الأكونتين.. وبذا تحقق أن المشير حصل على المادة السامة التى انتحر بها من إدارة المخابرات".


وسجل "محمد عبد الحميد" فى تقريره – أيضا – أن: "أسرة المشير نفت فى أقوالها انتحاره استنادا إلى شبهات مردود عليها بأدلة قاطعة بوقوع الحادث انتحارا.. فالأقوال لا تعدو أن تكون ظنونا.. ولا جدال فى أن المشير مات منتحرا"!!


تلك هى الحقيقة بما لا يحتمل شكا أو تشكيكا.. ورغم ذلك استمر التشكيك لأكثر من نصف قرن – ومازال – لتتجسد صورة رسمها "صلاح عبد الصبور" فى واحدة من قصائده قال فيها: "أسعى وراء الشمس.. والشمس فى ظهرى"!!


ولعلى توسعت فى التفاصيل لسبب شديد الأهمية.. بل قل هو القاعدة التى بنيت عليها تلك السلسلة منذ بدأتها, لأقدم قصة "المؤامرة على الجيش المصرى" من زمن "محمد على" والتى استمرت – ومازالت – وهذه المؤامرة أصبحت صناعة هائلة للأكاذيب, تتوسع وتتطور بمرور الزمن.. لكن القوات المسلحة المصرية – بيت الوطنية – كان هدفها دائما حماية الوطن والدفاع عن حدوده ومقدراته.. عقيدتها أنها من الشعب وللشعب, وليست مجرد جيش أو مؤسسة عسكرية.. وهى قادرة على قبول كل التحديات.. تحقق ذلك يوم انتصرت فى 6 اكتوبر عام 1973.. ولأن ملفات هذه المرحلة ما بعد النكسة وحتى تحقق انتصار اكتوبر, عامرة بالكثير من المعلومات والحقائق التى تعرضت للهجر والنسيان.. بل للتشويه والتزوير.. فهى تستحق أن نتوقف عندها بتركيز وهدوء ودراسة تحتاج وقتا.. لأن المؤكد أن الدم المدفوع لتحقيق انتصار اكتوبر, لم يجد من يقف أمامه بالخشوع الذى يستحقه.. كان فى المقدمة "عبد المنعم رياض" وكذلك دفع "جمال عبد الناصر" روحه, واستمر يردد حتى غادر الدنيا: "لن أغفر لنفسى ماحدث بقدر ما أذهلنى هذا الشعب الذى إنتظرت أن يطالب بإعدامى, فإذا به يحملنى على أعناقه ويحملنى مسئولية محو عار الهزيمة"..



يتبع


إرسال تعليق

0 تعليقات