نصر القفاص
تولى المستشار "محمد عبد السلام" النائب العام, التحقيق فى قضية
انتحار المشير "عبد الحكيم عامر" وبعدها بسنوات نشر مذكراته.. كان "عبد
الناصر" قد رحل وأقرب الذين شاركوه المسئولية فى السجون, فيما عرف بـ"مراكز
القوى".. وكغيرها من المذكرات والكتب والوثائق التى تكشف الحقائق وتؤكدها, تم
التعتيم عليها وإعطاء الضوء الأخضر للكذب والتزوير!!
سجل "محمد عبد السلام" فى مذكراته كافة تفاصيل هذه الفترة وأعطى
لها عنوان "سنوات عصيبة.. ذكريات نائب عام" وحرص على القول أنه أكد على
معاونيه من أعضاء النيابة أن يلتزموا أقصى ما يمكن أن يفعله المحقق النزيه مع
الحيدة, وعدم التأثر بفكرة أو افتراض مسبق.. وألزمهم بإثبات كل الأقوال مهما كانت
خطورتها..
وأوضح أنه باشر الإشراف المباشر
على التحقيقات, وحقق بنفسه أقوال الفريق "محمد فوزى" القائد العام
للقوات المسلحة, والفريق "عبد المنعم رياض" رئيس أركان حرب القوات
المسلحة.. كما حقق مع "صلاح نصر" فى حضور "عصام حسونة" وزير
العدل..
وأوضح أنه اختار أن يسأل أفراد أسرة "المشير" فى منزلهم لتمكينهم
من الشعور بالأمان, وقال أنه طلب من رجال المباحث وضباط الشرطة الذين رافقوه
للمنزل أن يبقوا بعيدا عن المنزل مائة متر على الأقل.. ويؤكد أنه أصر على إعادة
قراءة الأقوال على كل من أدلى بشهادته قبل توقيعه.
وقبل أن نستعرض تقرير النائب العام الذى صدر يوم 10 أكتوبر, ليتم عرضه على
مجلس الوزراء فى اليوم نفسه.. وخلال الجلسة قال "عصام حسونة" أنه ملتزم
بتوضيح أسباب طول وقت التحقيق وإعداد تقرير النيابة.. وكشف أنه رفض استعجال
النيابة فى إنهاء التحقيق, عندما طلب منه "محمد حسنين هيكل" ذلك باسم
الرئيس.. وقال أنه وفر للنيابة كافة الضمانات, وطالبها بعدم التأثر بالرأي العام
فى أى خطوة وهو ما أكده النائب العام ف مذكراته.
شهد انتحار المشير "عامر" عشرات, وشهد على ارتكابه لها عشرات.. ثم
تجد من يقول لك.. هل انتحر أم قتل أو استنحر؟! وضمن من حفظت أوراق القضية أقواله, كان
العميد "سعد زغلول عبد الكريم" قائد الشرطة العسكرية الذى توجه مع
العميد "محمد سعيد الماحى" قائد الحراسة إلى منزل "المشير" وهنا
قال: "تنفيذا لأمر الفريق محمد فوزى دخلنا المنزل وأخطرناه أنه مطلوب للتحقيق..
أصر على رفض الخروج من المنزل.. هنا انضم إلينا الفريق عبد المنعم رياض
وحاول بكل وسيلة إقناعه فرفض.. حملناه رغم مقاومته ومقاومة أسرته.. وحدث ذلك بعد
وقت طويل, كان قد طلب خلاله فنجان قهوة وفوجئنا به يضع شيئا فى فمه.. صرخت ابنته
خشية انتحاره.. اتجهنا فورا إلى مستشفى المعادى للقوات المسلحة.. وعندما سألته عن
حالته قال أنه كويس لكنه مصمم على قراره".. وأضاف العميد "سعد زغلول
قائلا: "هو قال لى.. أبلغت الفريق فوزى والفريق رياض رسالة.. وإن جاء الرد
يبقى كويس.. ماجاش معناها الرفض.. وأضاف قلت لهم بلغوا الريس.. أنت خسرت أغلى
وأحسن حاجة عندك"!!
وفى شهادته قال الفريق "محمد فوزى": "وصلت يوم الأربعاء
الموافق 13 سبتمبر الساعة 14,30 – أى الثانية والنصف – إلى منزل المشير عامر بشارع
الطحاوية فى الجيزة, ومعى الفريق عبد المنعم رياض والعميد سعد زغلول عبد الكريم.. وانضم
إلينا العميد محمد سعيد الماحى.. كان يرافقنا خمسة صف ضباط من الحرس الجمهورى, وخمسة
ضباط صف من الشرطة العسكرية..وكان بالاحتياطى العام للمهمة عدد محدود من العربات
المدرعة مكلفة بالتواجد حول المنزل.. ذهبنا لنقله إلى فيلا بالمريوطية".. وشرح
تفاصيل المكان ثم أضاف: "أبلغنى العميد الماحى برفض المشير الخروج معه.. كررت
عليه الأمر ودخل معه الفريق عبد المنعم رياض.. وعلمت بعد ذلك أنه طلب فنجان قهوة, وأبلغونى
أنه وضع شيئا فى فمه.. وطلب رؤية أولاده فجاءوا لمصافحته.. لكننى رأيته خارجا يجر
فى قدميه منهكا.. سمعت الفريق رياض يقول بصوت عال أنه تناول شيئا ساما فى فمه.. فتوجهنا
عل الفور إلى مستشفى المعادى.. هو ركب مع الفريق رياض وفردين من المعاونين.. وبينما
نحن نتحرك قذفت السيدة زوجته السيارة المرسيدس التى ركبها بفانوس مغطى بحديد فكسرت
زجاج السيارة الخلفى.. وذهبت خلفهم مع باقى القوة فى سيارة أخرى.. وفى المستشفى
بدأت الإجراءات التى شرحها"!!
وقال اللواء طبيب "محمد عبد الحميد مرتجى" مدير المستشفى: "أبلغني
الدكتور حسن فتحى الطبيب النوبتجى بالمستشفى الساعة 3,30 بوجود القائد العام
بالمستشفى ومعه حالة مستعجلة بنعمل لها الإسعافات الأولية.. سألته مين الحالة فرد
أنه المشير عامر, قلت أنا جاى حالا.. وصلت وطلعت على الدور الخامس.. رأيت القائد
العام الذى قال لى بيقولوا إنه أخد حاجة سامة, وأعتقد أنها مسرحية لأنه سبق عملها
أكثر من مرة.. دخلت لقيت المشير ومعاه الدكتور القللى والدكتور أحمد عبد الله
والدكتور حسن فتحى والفريق رياض.. سألت سيادة المشير.. فيه إيه خير.. قال لى مفيش
حاجة.. أنا أخدت أسبرين.. سألته إوعى تكون عملت حاجة.. أجابنى مفيش دول بيضحكوا
عليكم, أنا أخدت 4 أسبرينات.. فرد الفريق رياض قائلا: أنا طلعت من بقه حتة كانت
ملفوفة فى ورق سلوليفان.. قلت له لازم نحللها.. وحاولنا نعمل غسيل معدة, فحاول
المقاومة والرفض.. فأوضحت له أن دة ضرورى وهيتعمل.. قال لى: إدينى سيجارة وأنا
أخليك تاخد العينة.. تقدم الفريق رياض وأعطاه سيجارة وأشعلها له, لأنى لا أدخن.. أخذت
الفريق رياض للخارج وقلت له.. هو طلب السيجارة عشان عايز يكسب وقت.. إحنا لازم
نجبره بسرعة على أخذ العينة.. ولما رجعنا لقيته أشعل سيجارة تانية.. قلت له: مش
هاسمح بالسيجارة دى.. ودخل الدكتور محمدود عبد الرازق وقلت له لازم ناخد عينة.. فالمشير
قال: مش فيه حقنة للقىء بدل الأنبوب.. قلت له: أيوة هنديلك حقنة.. لقيت المشير
بيقول لى: إنت بتضحك على وعايز تدينى بنج.. قلت: بصراحة أيوة.. فقال: خلاص.. وذهب
جنب الحوض وأفرغ كل ما فى بطنه.. وأخذنا القىء وبعتنا نصفه لمعامل المستشفى, والنص
التانى للمعامل المركزية بكوبرى القبة.. لأن تحليل السموم يحتاج تخصص.. ولأنه رفض
يقول عن نوع سموم تناوله, كان لازم يشارك فى التحليل أكبر عدد من الدكاترة
لاستخلاص النتائج بسرعة.. وقلت له: لو كنت كويس تشرب حاجة, لأنه حتى لو كان فيه
باقى سموم فهى لن تؤثر بعد أن أفرغت ما فى بطنك.. قال: دة أسوأ خبر تقوله لى!! وبدأ
يشرب سوائل وكان الأطباء يتابعون النبض والضغط, والحالة أصبحت مطمئنة.. وفى الساعة
السابعة, كلمنى الدكتور عبد المنعم عثمان وقال: عرفت نتيجة التحليل المبدئى ولقينا
آثار أفيون.. طلبت الدكتور عبد المنعم القللى وقلت له خلى العميد الليثى ناصف
يكلمنى.. إتصل بى فعلا فورا فأبلغته, وهو قال لى: نبه على الدكاترة يدوا مضادات
وتابعوا الحالة كويس.. لأن المشير كان قد غادر المستشفى الساعة الخامسة إلى
استراحة المريوطية"
وأضاف الدكتور "مرتجى" قائلا: "فى اليوم التالى اتصل العميد
الليثى ناصف عند الساعة السادسة وطلب أن يروح دكتور للمشير فى استراحة المريوطية..
ذهب الدكتور شريف فعلا.. لكنه كان قد وصل متأخرا.. وأبلغه الطبيب المرافق له
والمقيم, أن المشير توفى الساعة 6,30.. كان يرافقه طبيب مقيم والسفرجى وأحد أفراد
الأمن.. وكلهم قالوا أقوالهم التى تطابقت على أنه نام الواحدة والنصف صباحا..
واستيقظ العاشرة صباحا.. شرب بعض
الشاى ثم بدأ يتقيأ.. تدخل الطبيب المقيم إبراهيم بطاطا لإيقاف القىء..
وتحدث معه المشير عن الشيوعية وأن الروس هدفهم إضعاف القوات المسلحة, وأن
تبقى قدراتها دفاعية فقط.. هما مش عايزيننا نصل لمستوى كفاءة يسمح لنا بالهجوم على
إسرائيل.. بعدها تكرر القىء.. لكنه نام فى الرابعة واستيقظ الساعة الخامسة والنصف..
توجه إلى الحمام وعند خروجه منه أحتاج لأن يسنده السفرجى وأوصله للسرير واستدعى
الدكتور بطاطا بسرعة والذى فوجىء بتدهور حاد.. حاول تدليك صدره.. لكن روحه كانت قد
أسلمت لبارئها".
وسمعت النيابة أقوال كل من شهد الوقائع من ضباط وحراس وأفراد أسرته
والأطباء الذين شاركوا فى علاجه طوال هذه الساعات..
وكان ضمن من أدلوا بشهادتهم الرائد
طيار حسين عبد الناصر شقيق الرئيس عبد الناصر وزوج ابنة المشير.. وشارك فى تشريح
الجثة عدد من الأطباء برئاسة كبير الأطباء الشرعيين وانتهوا إلى تقرير كتبوا فيه:
"ثبت من الكشف الظاهرى والصفة التشريحية أن الجثة خالية من أية آثار جانبية
ذات دلالة على وقوع فعل جنائى من حيث حصول عنف أو مقاومة.. كما ثبت خلو الأحشاء من
أى دلائل لحالات مرضية حادة مزمنة من شأنها أن تؤدى إلى حصول الوفاة على النحو
الذى حدث إكلينيكيا وتشريحيا.. والمظاهر التى أثبتها الفحص الطبى الشرعى.. ظاهريا
وتشريحيا.. تدل على أن الوفاة نشأت عن حالة سمية أدت إلى هبوط سريع بالقلب والدورة
الدموية والتنفس.. وتحقق لدينا وجود سم الأكونتين بالشريط المعدنى الذى عثر عليه
لاصقا بالجثة.. وعدم العثور على الأكونتين عن طريق التحليلات الكيماوية التى أجريت
على الأحشاء والعينات المضبوطة أمر متوقع ومسلم به علميا, لما هو معروف عن طبيعة
تأثير هذا السم على الجسم.. خاصة وأن الشريط الحامل للأكونتين وجد محتفظا به
ومخفيا أسفل جدار المعدة بالطريقة التى شوهت الجثة".
أوراق القضية وأقوال الشهود تم التعتيم عليها أملا فى أن تموت.. لكنها بقيت
حية, وتم نشر بعضها فى هذه المذكرات أو تلك.. حملت بعضها مذكرات "عصام حسونة"
إضافة إلى تفاصيل كثيرة..
وكذلك مذكرات "محمد عبد السلام" النائب العام التى تضمنت
تقريره النهائى, وقراره بحفظ أوراق القضية إداريا ليقين النيابة بأن المشير "محمد
عبد الحكيم عامر" مات منتحرا بإرادته..
ولكى يطمئن قلبك وتنطق الحقيقة بعد صمت عشرات السنوات..
يجب أن تقرأ نص تقرير النائب العام بما فيه من تفاصيل, لأن فيه القول الفصل..
يتبع
0 تعليقات