آخر الأخبار

أهمية أن نقرأ يا ناس!! (50)










نصر القفاص


حملت صحف يوم 2 يونيو خبرا يقول: "4 مدمرات سوفيتية تدخل البحر الأبيض المتوسط عبر المضايق التركية".

 ونشرت خبرا جاء فيه: "وصول أسراب من طائرات العراق إلى الجبهة.. الرئيس العراقى عبد الرحمن عارف يتفقد طلائع وحدات صلاح الدين"..

وخبرا آخر: "الملك حسين يتفقد المواقع الأمامية فى الجبهة الأردنية".. ونشرت الصحف تفاصيل حفل تخريج دفعة جديدة من الطيارين المصريين..

 تحدث خلاله الفريق "صدقى محمود" فنقل للخريجين تهانى الرئيس "عبد الناصر" والمشير "عبد الحكيم عامر" وقال لهم: "هذه دفعة محظوظة, لأنها تتخرج والقوات المسلحة مستعدة للقيام بواجبها".



مهم جدا أن تعود للزمن.. ضروري أن تقرأ تفاصيل الصورة.. وكلما طمسنا التفاصيل والحقائق والمعلومات, سنذهب معصوبى العينين إلى "النكسة" التى لا يجب أن نتجاهل دروسها بعد أن نفهم أسبابها.. لذلك سأنتقل معك إلى عناوين صحف يوم 2 يونيو.. التى حملت خبرا عن اجتماع حضره "عبد المحسن أبو النور" نائب رئيس الوزراء للزراعة, و"حسن عباس زكى" وزير التخطيط, و"النبوى المهندس" وزير الصحة.. لمناقشة تعبئة إمكانيات الدولة لمواجهة تطورات الموقف.. وإعلانات تغطى الصحف.. كلها تصرخ: "سنقاتل حتى لآخر قطرة من دمائنا" و"نحن نضع حياتنا وخبراتنا وأرواحنا تحت أمر الرئيس والمشير"!!



كتب "على حمدى الجمال" مقاله اليومى "حديث الناس" وجاء فيه: "بظهور أزمة 1967.. دعت كل الأطراف إلى ضبط النفس.. وهذا يعنى أن الاستعمار يدرك جيدا الصلابة والقوة التى يواجهها, ويتخذ من الماضى عبر للحاضر.. فنحن معنا الحق, وهم معهم الباطل".. وعقد مقارنة مع أزمة السويس.



أنقل من مجلة "روز اليوسف" عنوان تقرير صحفى يقول: "يحدث فى القواعد الجوية السرية"!!

 ولن ألفت النظر للسرية.. لكن فى التفاصيل تؤكد: "قواتنا الجوية لا تعرف الليل من النهار.. مستعدة وتعمل طوال 24 ساعة"..


ويضيف: "إن تدريبات القوات الجوية على القاذفات والمقاتلات المتفوقة من طراز ميج -21 والسوبر سونيك, تتم كل يوم بأسلوب المناورات العنيفة.. كل التحركات محسوبة بالثانية!!

والقاذفات المصرية يمكنها القيام بواجبها لحماية أي بلد عربى, وأن تعود لقواعدها دون أن تهبط فى أى مطار للتزود بالوقود والذخيرة.. بل أن القاذفات تقطع سماء الشرق الأوسط بأكمله ثم تؤدى واجبها وترجع لقاعدتها فى اليوم نفسه"!!



هكذا تعاملت الصحافة مع الحدث الخطير.. وهكذا شارك الإعلام فى الجريمة.. ولعلى أعود للصحافة لأن الكلمة المكتوبة لا يمكن تزييفها ولا تزويرها.. كذلك أحاول فقط أن أجعلك تعيش الزمن, لأن كل هذا تم طمسه.. وإذا كان فيلم "الممر" قد نقل لحظة.. فهذه عناوين الأيام التى سبقت هزيمة كان الإعلام شريكا فى صنعها!!



كان الخبر الرئيسى بالصفحة الأخيرة فى "الأهرام" عنوانه: "إبراق كلمات نشيد ليلحنها عبد الوهاب فى لبنان" والتفاصيل توضح: "بسبب وعكة صحية, لم يستطع الموسيقار محمد عبد الوهاب الإبحار من بيروت إلى القاهرة عن طريق الإسكندرية.. فاتصل أحمد شفيق كامل برئيس هيئة الاستعلامات – حمدى حافظ – ليرسل عن طريقه نشيدا أعده ليقوم عبد الوهاب بتلحينه وغنائه".. ونقلت الصحف عن مجلة "الإيكونوميست" مقارنة عقدتها بين جيشى مصر وإسرائيل.. وأكدت أن التفوق البحرى والجوى لصالح الجيش المصرى.. كما نقلت عن صحيفة "نيوز أوف ذا ورلد" مقالا كتبه السير "دوجلاس هيوم" الذى ناقش فيه تلميحات "أوثانت" السكرتير العام للأمم المتحدة, إلى أن ما يحدث فى الشرق الأوسط يحمل فى طياته شواهد حرب عالمية ثالثة..


وكتبت "بنت الشاطىء" مقالا جاء فيه: "إن إسرائيل تستطيع احتمال الهوان والرعب والإذلال, دون أن تدخل مع مصر فى صدام مباشر بالسلاح"!!


وكتب الدكتور "محمود أمين" مقالا تناول فيه تأثير سلاح البترول على المعركة المحتملة..


وهنا أذكرك بأن "عبد الناصر" طلب من العرب فى الخليج – فقط – إقناع "إيران" بأن تعلن إيقاف إمداد إسرائيل بالنفط.. وهذا كفيل بأن يجعلها لا تقدم على دخول حرب.. وكان هذا عنوانا رئيسيا فى الصفحة الأولى للأهرام يوم 2 يونيو ونصه: "القاهرة تطلب أن يقوم رؤساء الدول الإسلامية بمناشدة شاه إيران أن يمنع شحن البترول الإيراني إلى إسرائيل" وحملت صحف اليوم نفسه أن شاه إيران يزور ألمانيا.. والملك فيصل يزور بلجيكا وبريطانيا فى جولة أوروبية!!


أما يوم 3 يونيو فقد حملت "الأهرام" مقال "محمد حسنين هيكل" وكان عنوانه: "الصراع الذى يدور فى التفكير الإسرائيلي الآن" وتحدث عن وزارة الحرب التى تم إعلان تشكيلها.. بينما هناك خبر يقول: "فيروز تغنى.. على الأبواب يا فلسطين.. ولتأكل النيران إسرائيل"..

 ونشرت الصحف رسالة الفريق أول "عبد المحسن مرتجى" قائد الجبهة الشرقية إلى القادة والضباط, والتى قال فيها: "معركتنا لاستعادة الحق العربى المغتصب.. وأنظار العالم تتجه إليكم وأنتم تخوضون أشرف معركة ضد العدوان الإسرائيلي.. وتنتظر نتيجة جهادكم المقدس"..


ولم تختلف صحف يوم 4 يونيو عما قبله.. لكنها ذكرت أن: "أعضاء الوزارة الإسرائيلية لزمها الصمت" ونقلت: "ليفى أشكول رئيس الوزراء وآبا ايبان وزير الخارجية هما فقط المسموح لهما بالإدلاء بالبيانات والتصريحات عن سياسة إسرائيل" ونقلت الصحف خيبة أمل إسرائيل فى الموقف الفرنسى, بعد بيان "ديجول" الذى أكد فيه على عدم انحياز بلاده لأى طرف من أطراف الأزمة.. وأن بلاده لن تؤيد الدولة التى تطلق الرصاصة الأولى..

كما نقلت الصحف عن راديو "موسكو" تعليقا جاء فيه: "إن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط هى مؤامرة أخرى يدبرها جونسون وويلسون"!!


ثم كان يوم 5 يونيو.. وحملت فيه الصحف إعلانات تدعو المشاهدين إلى مشاهدة أفلاما معروضة فى السينما هى: "المعركة القاتلة", "مطاردة الثعلب"!!

ونقلت الصحف كلمة "جدعون رفائيل" مندوب إسرائيل فى الأمم المتحدة التى قال فيها: "الضجة المثارة حول خليج العقبة ترتكز على ثلاث نقاط رئيسية أولها: نشر ستار كثيف من الدخان لإخفاء النوايا العدوانية للعرب..

 وثانيها: التأثير على المجتمع الدولي وإرهابه حتى لا يتدخل فى استعدادهم للحرب.. فنحن فى إسرائيل بين جيشين كبيرين ومسلحين تسليحا ضخما.. ورغم أن الدول العربية هى التى بدأت حرب 48 ضد إسرائيل, إلا أنها مازالت ترفض استقرار الأوضاع فى المنطقة" وتجنب تماما حرب "1956"!!



وفى صحف يوم الحرب – النكسة – خبرا يحمل تأكيد "أحمد السيد حمد" وزير التجارة السودانى عن استعداد بلاده لتصدير السلع التى تطلبها مصر فورا..


وخبرا عن وصول 9 سيارات هدية للقوات المسلحة من الكويت.. واستقبال "عبد الناصر" لوزير الخارجية الليبى "أحمد البشيتى".. وعلى الصفحة الأخيرة للأهرام كانت صورة للمحافظ "حامد محمود" مع طفل صغير.. وتحتها خبر يقول: "أهدى المحافظ الطفل عمرو حسن متولى صورة للرئيس جمال عبد الناصر, بعد أن قدم تبرعا قيمته 5 جنيهات للمساهمة فى الترفيه عن الجنود"!!

 وفى صفحة الرياضة: "الجماهير تنتظر نتيجة مباراة منتخب مصر مع أوغندا فى كمبالا" وتزف للقراء شفاء "أحمد رفعت" وإصابة "البورى"!!



ويوم 5 يونيو.. كانت الحرب قد اشتعلت.. والصحف بين يدى القراء فيها خبر "زكريا محيى الدين يطير إلى واشنطن لموعد مع الرئيس جونسون"..

 وخبر عن: "نجاح الغارة الوهمية على سنترال رمسيس فى حضور كمال ابادير وزير المواصلات وسعد زايد محافظ القاهرة".. وخبر عن فيلم تسجيلى تنتجه مؤسسة السينما للمخرج "محمد كريم" عنوانه "كله تمام يا فندم"!!


المدهش أن صحف صباح 6 يونيو.. كان أبرز عناوينها: "قواتنا توجه ضربات متلاحقة للعدو وتلحق به خسائر فادحة فى البر والبحر"!!


كانت "نكسة" 5 يونيو هزيمة للجيش والإعلام.. تداركنا أسباب الهزيمة العسكرية فكانت انتصارات 6 أكتوبر 1973 فى "حرب الشمس" وتجاوزنا أسباب سقوط الإعلام.. قفزنا للأمام.. وعاد الإعلام بعد الحرب ليمارس النهج ذاته تحت غطاء كلمات "الحرية" و"الديمقراطية" باعتبارهما "السمن والعسل" اللذان أهداهم "السادات" للمجتمع والإعلام.. وكانت الحرية كل الحرية لمن يطعن "عبد الناصر" ميتا فى كل إنجازاته عبر هزيمة يونيو.. طوى الإعلام صفحات حرب الاستنزاف.. حول انتصارات أكتوبر إلى محفل سنوى صاخب, حتى كان يوم 6 أكتوبر عام 1981.. ودخلت مصر بعدها دوامة جديدة من دوامات العبث بمقدرات الإعلام الذى كان ينزف.. يتم علاجه بنقل دم جديد له.. حتى طاله دم ملوث!!



أتوقف هنا وأطوى صفحات هذه السلسلة من حكاية الجيش المصرى و"بيت الوطنية المصرية" الذى كان يتجاوز المؤامرة, لتبدأ عملية نسج مؤامرة جديدة له.. بداية من معاهدة 1839 وفرضها على مؤسس الجيش المصرى الحديث "محمد على باشا" ثم مؤامرة "ميثاق النزاهة" على "أحمد عرابى" التى انتهت بالاحتلال البريطانى.. وبعدها مؤامرة "حرب 48" التى تم استكمالها فى "حرب السويس".. حتى كانت مؤامرة "حرب يونيو 67".. وكل هذه المؤامرات تكسرت على صخور "حرب الاستنزاف" وتم تدميرها ونسفها فى "حرب أكتوبر 73".. ولكن.. وآه من "لكن"!!


أتوقف لأعاود بسلسلة جديدة تبدأ من إعادة بناء القوات المسلحة و"حرب الاستنزاف" وصولا إلى "حرب الشمس" وانتصارات أكتوبر التى تستحق أن نعيد فتح ملفاتها بهدوء.. بعيدا عن الكذب والتلفيق.. وبعيدا عن تجميدها فى كلمات واحتفال سنوى يفتر عاما بعد الآخر"..





تمت



إرسال تعليق

0 تعليقات