أحمد مبلغي⧪
تطبيقات قاعدة "تقديم الأبدان على الأديان"
التطبيق الأول: تطبيقها على موضوع الحضور في الاجتماعات الدينية:
والمقصود من الاجتماعات الدينية، هي الجمعة والجماعات، وسائر التجمعات
الدينية، بما فيها زيارة المشاهد المشرفة.
وتظهر أهمية هذا التطبيق في الانتباه إلى أن الكثيرين يقاومون ويعارضون
أمثال الفتاوى القائلة: إنه لا يجب حضور هذه التجمعات (بل يجب عدم الحضور فيها) إذا
كان هناك خطر من انتقال الأمراض المعدية (مثل كورونا)، يقامون قبال مثل هذه الفتوى
على أساس فكرة "ضرورة تعظيم الشعائر الدينية ".
في الواقع، يعتقدون أنه إذا تعطلت هذه التجمعات الدينية، فسوف يضعف الدين ،
وتضعف المواقف والشعائر الدينية، وبما أن أهمية حياة ونشاط ومصالح الشعائر
الدينية، فوق كل نشاط ومصلحة، لذلك يجب علينا الحضور فيها والقيام بها، ولا نعتني
بأي خطر ناجم عن ذلك.
نظرًا لأن هذه المناقشة مهمة جدًا، سأقدم -إنشاء الله- مقدمة تتمحور حول
فكرة "تعظيم شعائر الله"، وقد تستغرق هذه المقدمة بعض الوقت ، ولكنها تستحق
ذلك لأن هذا النقاش حساس ومهم للغاية.
في الواقع، من خلال تقديم هذه المقدمة، نريد أن نجلب دعم الفقه الأكبر
لصالح تعميق وتقوية الفقه الأصغر، ومثل ذلك له نفع كبير لموارد أخرى أيضا.
لذا، لعل القراء المحترمين، قد يشعرون بشيء من الملل.
مقدمة حول فكرة تعظيم الشعائر:
لا شك، أن الحفاظ على الشعائر الإسلامية وتقويتها وتوسيع تداعياتها
الاجتماعية، من أعظم الضرورات الشرعية، ومن أهم وأشمل وأعمق تعاليم الفقه
الاجتماعي.
ولكن بقدر ما تكون عملية تنفيذ "فكرة تعظيم الشعائر"، ضرورية
للغاية، فهذه الفكرة بحاجة ماسة إلى الفحص العلمي عن أبعادها واكتشاف المنطق
الديني الموجه إليها.
ونقول بهذا الصدد، إنه في الواقع، يشكل تعظيم الشعائر الدينية، مثلثاً،
أضلاعه كالآتي:
١- البعد الذِّكْري:
وهو الذي يحمل على عاتقه إحياء كلمة الله في الإنسان والمجتمع الإنساني؛
وهذا ما يستفاد من "إضافة كلمة الشعائر الى الله" في الأدبيات القرآنية.
٢- البعد الرمزي:
وهو الذي يتولى ويضمن تحقيق الهوية الاجتماعية الدينية للإنسان؛ وهذا ما
يستفاد من: أ) كلمة "التعظيم"، التي يكون قوام معناها بالقيام بالفعل
الاجتماعي، ب) كلمة الشعائر؛ حيث إنها جمع الشعيرة التي تعني العلامة، التي يمكن
أن يطلق عليها لفظة الرمز الاجتماعي.
٣- البعد القلبي:
وهو الذي يتكفل ويضمن تحقيق الجانب التقوائي والفطري والأخلاقي للإنسان؛
وهذا مستفاد من جعل القرآن تعظيم الشعائر من تقوى القلوب.
توضيح هذه الأضلاع:
الضلع الأول: البعد الذِكْري:
إن أعظم حقيقة، يمكن أن تحدث في الإنسان والمجتمع البشري هي "ذكر الله".
على عكس معتقدات العديد من الناس ، ليس ذكر الله، حقيقة فردية بحتة وتتعلق بالعزلة
والحالات البعيدة عن المجتمع، بل إن ذكر الله يعتبر أعلى شيء في الدين (إحياء كلمة
الله) وأشمل حالة فوقانية يمكن للإنسان الوصول إليها.
فإن ذكر الله، إذا تم حلوله كروح في زوايا الإنسان وحياته، فهو يلهمه قوة
ومعنوية وأفكارا ونمطا، ويمنحه دافعا قويا وفرصة كبيرة للحركة نحو الصحة والرفاهية
والكمال والجمال والأخلاق.
إن فكرة الشعائر، تحمل - بقوة كبيرة- على أكتافها إحياء كلمة الله وتقوية
ذكر الله.
لهذا السبب، أضيفت كلمة الشعائر في الأدبيات القرآنية إلى الله، ولا الى أي
كلمة أخرى.
--) وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ ...
--) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ
--) إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ
الضلع الثاني: البعد الرمزي:
إن الذي يؤدي الوظائف الاجتماعية، هو الرموز الاجتماعية.
فقد ارتدت الشعائر في الدين، لباس الرمز الاجتماعي بصورة قوية وبارزة؛ حيث
نجد أن القرآن قد استخدم كلمة "التعظيم" بالنسبة إليها، (وَمَنْ
يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، فإن استخدام
هذه الكلمة يشير إلى أنه يجب علينا أن نفهم الشعائر كمسألة اجتماعية ذات أداء
اجتماعي، وأن نقرأها ونلمسها ونمارسها ونتعامل معها في سياق العلاقات الاجتماعية.
إذا لم يكن لدينا مثل هذا التفسير لكلمة "تعظيم الشعائر"، فإننا
بذلك قد أزلنا وحذفنا المحتوى المفهومي لهذه الكلمة، وأفرغناها من واقعها،
وأبعدناها من معناها وأداءها.
ومن أهم ما تؤديه الشعائر الدينية كرموز اجتماعية، هو خلق الهوية الدينية
والاجتماعية للمجتمع الإسلامي وللأمة، التي نحن في أمس الحاجة إليه.
للبحث تتمة
مرجع دينى ايرانى
0 تعليقات