آخر الأخبار

فقه أصول المنهج (4)










على الأصولي





أراد الماتن، أن يعمم الوصفية بعد أن سار وفق الضابط الوصفي، وبما أن السيد الصدر الأول اقتصر على الأجناس كما عرفت، فهنا الماتن عمم على كل جزئي خارجي واقعي، بوصفها جزئيات إذ لا تقتصر المسألة على جزئيات أعلام الشخصية،



وهذه المحاولة التعميمية، قرب لها بما حاصله: بما أن الألفاظ إما أن ينظر لها على أنها ناظرة ودالة على الكليات، كالمسجد مثلا ، أو أنها ناظرة ودالة على الجزئيات كهذا المسجد مثلا، وما دل على الأول اعني الكليات فهو مطعم بالوصفية ومنه يصدق عليه مفهوم الأمر، وما دل على الثاني، اعني الجزئيات خلافه، أي غير مطعم بوصف الأمر،



غاية ما يقال أن أسماء الأعلام الشخصية ليست كل الجزئيات بل هي حصة مما يدل على الجزئيات، فلا يقال هذا مسجد لأنه جزئي، مع أن المسجد ليس من أعلام الشخصية حتى يمكن شموله بضابط السيد الشهيد الصدر الأول،


فلو قال القائل: المسجد أمر مهم ، لايمكن قبوله وفق الضابط المعرفي للأمر، لأنه وصف كلي مطعم بالوصف، بينما لو قال القائل: هذا المسجد أمر مهم، خرج من كونه كليا إلى كونه جزئيا لا اقل باسم الإشارة - هذا - الدال على الجزئية وأن كان مطعم بالوصف فلاحظ،
ولا يمكن الإيراد والاستشكال، بدعوى اجتماع النقيضين أمر مستحيل وشريك الباري أمر مستحيل، بدعوى أن هذين المثالين من الجزئيات،
لان الضابط في الجزئي والكلي هو الوجود الذهني والوجود الخارجي، فكل ما كان ذهنيا فهو كليا، وكل ما كان في الذهن وعالم الذهن فهو جزئيا، والتمسك بالكلية كما في المثالين هو بلحاظ الانعدام والامتناع مطلقا، فلا اجتماع للنقيضين أبدا بالخارج ولا يوجد شريك للباري كذلك، فهما بالتالي من الكليات، وأن صورة الاجتماع والشراكة كلية لا جزئية،


بتقريب آخر: أن الكلية تتوقف على وجود المصداق الخارجي ومع عدمه فلا تحقق للكلية،


ومنه تعرف، تفسير ما ذكروه، زيد شيء ولا يقال، زيد أمر، لأن زيد جزئي غير مطعم بالوصفية، والوصفية شرط في تحقق وصدق الأمر، وغير مشترطة في صدق الشيء،


والتعابير التي تكون على الألسنة، حادثة وحادثة مهمة وفعل ونحو ذلك، بلحاظ كلياتها ولو كانت جزئيات لما أمكن وصف الأمر بالمهم حينها،


إن قيل: أن الأمر المهم أو الحادثة: بما أننا نتصور إمكان تعقلها في الذهن وعالم الذهن وهي كلية بهذا اللحاظ ولكن بالتالي لها واقع خارجي جزئي فكيف نوفق بين الصورة الذهنية الكلية وبين وجود هذه الصورة الجزئية الخارجية كمعركة بدر الكبرى فهي أمر جلل - كلية لان لها صورة في الذهن - إلا أنها وقعت خارجا فهي جزئية؟
أشار الماتن (رض) هذه المسائل تلحظ بعد التجريد من الخصوصية - اي تعزل عن واقعها المصداقي الخارجي الجزئي - ونتعقلها كصورة ذهنية كلية، ومثل على ذلك بقول: مثلك من يفعل كذا - فإن القائل لم يشخص فردا خارجيا جزئيا بعينه بل أشار إلى المثلية في الفعل فقط بدون إسقاط خارجي يعني تعامل مع المسألة تعامل ذهني صرف،
- ومثلك فليتكلم - ومثلك فاليفت الناس - الدال على الكلية وأن كان الخطاب أو المخاطب واحد وهو المعهود في ذهن القائل، والكلام في عدم انطباق الجواهر الجزئية هو الكلام - زيد أمر - مع إمكان انطباقه بقول - الإنسان آمر مهم في الدنيا والآخرة - والأول جزئي دون الثاني )


قال الماتن:

الخطوة الثانية: إننا يمكن أن نسير قدما آخر، بإن نقول: إن الجزئيات وان لم تطعم بالوصفية في ذاتها، ومن هنا لا يسند لها الأمر بنفسه، ولكن يمكن تقييد الأمر المبين إليها بأمر وصفي، كأحد المشتقات ونحوها، فيصح الاستعمال، كقولنا: زيد أو فعل زيد أمر مهم لي أو تافه، ومن هنا ينطبق على الفعل كما قالوا - ويقصد به المحقق الأصفهاني –


وإذا تم ذلك، قلنا: أن الأمر مشترط بالوصفية في متعلقه: شيء وصفي ... أما بذاته أو بقيده،


غير أن هذه القيدية قابلة للنقض، فإنه لا يقال: زيد أمر طويل، أو قصير أو البساط أمر ازرق مع انطباق هذه القواعد عليه،


ومعه يتمخض الأمر، في ما هو وصفي ذاتا وهو الكليات، مع ما ينزل منزلتها و هو الجزئيات بعنوان - مثلك - ومن المعلوم أن الوصف بالطول والقصر واللون ونحوها من الأوصاف الشخصية، مما لا حاجة إلى التنزيل فيه منزلة الكلي فلا - يستعمل فيه الأمر -
إذن ، فمعنى كلمة الأمر ، وهو الشيء الوصفي الذي تستفاد الوصفية فيه، من معنى كلي جزئي، وإلا لا تنقض بعدم الانطباق على المشتقات الجزئية، كضارب وذاهب وغيرها،


ومن هنا نعرف أن مجرد الاتصاف بالوصفية غير كاف، ما لم تكن وصفية كلية أو جنسية مستفادة من اسم الجنس،


أقول ( هذه الخطوة الثانية للماتن، وعلى ما يظهر أعلاه قدمها ثم تراجع عنها لإمكان النقض،
وحاصلها: إمكانية وصف الجزئيات - كزيد - مثلا وانطباق وتحقق صدق استعمال الأمر فيه بشرط القيدي،

لان عندنا هناك كليات متصفة ذاتا بالتطعيم الوصفي، وفي الجزيئات تعظيم الوصف فيها يحتاج إلى مؤونة زائدة وهي تقييد هذه الجزئيات بالوصف لإمكان انطباق الأمر ومعنى الأمر واستعمال الأمر عليها، كقولنا - فعل زيد أمر مهم - فزيد جزئي واقعا، ولكن هذا الجزئي دخل عليه قيد زائد مطعم بالوصفية، فأمكن إدراجه بالضابط السالفة الذكر ومعنى واستعمال لفظ الأمر، ومعلوم أن الأمر مشترط بالوصفية في متعلقة سواء ذاتا كالكليات، أو قيدا كالجزئيات،


إلا أن هذه الخطوة غير موفقة بعد ملاحظة الأمثلة الجزئية فإنها وأن طعمت بالأوصاف غير أنها لا تعطي معنى مفيد وواضح للمستمع أو المتلقي، وإلا ماذا تفهم من قول: زيد أمر طويل!؟ على سبيل الفرض أو البساط أمر أزرق!؟


صحيح أن المشتقات تعطي معان وصفية ولكنها بالتالي لا يفهم منها ما نريد إثباته في هذا البحث،


ومنه نتمسك بالخطوة الأولى مع أحكام هذا النقض على الخطوة الثانية، و هو التمسك بما يتمخض منه الأمر، في ما هو وصفي ذاتا كما في الكليات، مع ما يتنزل منزلتها في الجزئيات بشرط التجريد عن الخصوصية يعنون - مثلك - وأنا أوصاف الطول والقصر فهي أوصاف شخصية جزئية خارج عن الضابط المختارة،

وكذا الكلام في المشتقات الجزئية غير داخلة لمعنى واستعمال لفظ الأمر كما هو مختار السيد الصدر الأول - كضارب وذاهب - وأن كانت فيما وصف الضاربية والذاهبية، لان الوصف وحده غير كاف للانطباق، بلحاظ جزئيات المنطبقة على زيد وعمر، نعم إذا كانت كلية أو جنسية اي هذه المشتقات فالكلام تام )

قال الماتن:

الخطوة الثالثة: ثم أنه قد ينتقض بالجمع وهو : أمور،

فإن مفرده هو ما قلناه مع ان القرآن الكريم لم يقل : إلى الله تصير الأمور ، يعني الأشياء، وهو ينطبق على الجزئيات كما ينطبق على الكليات، وينطبق على الذوات، كما ينطبق على الأفعال، وبالجملة، فهو يشمل ما قاله المشهور وما نفاه،

بل الأمر أكثر من ذلك، فإن الكليات لا تصير إلى الله وإنما تصير الجزئيات،

إذن، يتعين أن يكون الأمر بمعنى مطلق الشيء،

وجوابه : نقضا وحلا :

أما النقض، فبالكليات التي لا تصير الى الله، مع صدق الأمر عليها، وكذلك المستحيلات، فإنها ليست بشيء ولا تصير الى الله، مع أنها يطلق عليها الأمر ،

وأما الحل، فإن هناك قرينة سياقية على المراد، وهو عود الجزئيات الخارجية إلى الله سبحانه، سواء سميت أمرا في اللغة لم لا، فالأمور في الآية الكريمة، لها مفردات حقيقية ومجازية جزما، بالقرينة السياقية،

فإن قلت: فإن المركب من الحقيقي والمجازي مجازي، لأن النتيجة تتبع أخس المقدمتين، مع أننا نحس باستعمالها الحقيقي في الآية الكريمة،

قلنا: أن ذلك إذا كان بنحو التساوي ونحوه، لا بنحو قلة المجاز واستهلاكه في المعاني الحقيقية،


أقول ( وقبل الشرح لي ملاحظة، وهي ان المتن وقع فيه زيادة لفظ - لم - وخطأ - يقل - في سياق المتن كما في قوله - القرآن لم يقل : إلى الله تصير الأمور - والمفروض ان تكون العبارة هكذا - مع انه في القرآن يقول - والى الله تصير الأمور - بعد حذف - لم - وتعديل لفظ - يقل - إلى - يقول –

مع اني وجدت الكثير من الارتباك في المتن في غير موضع وأعتقد بأن هذا يرجع كله إلى سوء التنضيد والطباعة، ولا أعرف لم يترك هذا التراث الأصولي الثر مع وجود الإمكانات المادية واللوجستية في إمكان إعادة الطبع والتنضيد !؟


لى كل حال: هذه الخطوة الثالثة، حاولت أن تستشهد بالآية الكريمة - إلى الله تصير الأمور - والأمور كلياتها وجزئياتها، حسب ما افاد الماتن، و هذا على نحو النقض لمن قال ان المصير للكليات دون الجزئيات،
ثم قال، بل الأمر أكثر من ذلك فإن الكليات لا تصير الى الله وإنما تصير الجزئيات، يعني لو صح النقض بالجزئيات فالأمر لا يقتصر عليها بل يشمل حتى الكليات،

وأجاب على ذلك، نقضا وحلا :

أما النقض، فبالكليات التي لا تصير الى الله،

وسجل على الماتن، استغراب على النقض في المقام حاصله، وهو أن هذا النقض بصالح من يريد أن ينتقض بينما ذكر هنا كجواب نقضي،
بلحاظ ان مبنى السيد هو اختصاص الأمر بالكليات ولا يصح بالجزئيات، فكيف للماتن ان يغفل عن هذا الحال،

بعبارة أخرى، ثبت في ما سبق أن الأمر بالكليات دون الجزئيات كأعلام الشخصية، وهنا المستشكل أورد آية قرآنية لدعم مبناه ليثبت دخول الجزئيات مع الكليات حسب إطلاق الآية - والى الله تصير الأمور –

وجوابه، أن هذا الاستغراب مدفوع، لان الماتن لم يكن بصدد إثبات رؤية نظر أستاذه الشهيد الصدر الأول، الناص بدخول أجناس الكليات في معنى الأمر وتحديده دون الجزئيات كأعلام الشخصية، بل هو - أي الماتن - يؤمن بأوسع مما امن به أستاذه إذ نص على دخول بعض الجزئيات التي يمكن أن تكون بدائرة معنى الأمر بشرط التطعيم الوصفي، اذا جردناها بإلغاء الخصوصية كقولهم - مثلك من يفعل كذا –


وهنا حاول الخصم الإيراد بالآية - والى الله تصير الأمور - التي يفهم منها دخول الجزئيات أيضا بعرضها العريض.





إرسال تعليق

0 تعليقات